في الأيام القليلة الماضية، أعلنت أربعة من الفصائل المسلحة الموالية لآية الله العظمى السيستاني، أكبر مرجعية دينية في مدينة النجف العراقية، انفصالها التام عن قوات الحشد الشعبي العراقي، والانضمام إلى القوات المسلحة العراقية النظامية.
وفي بيان مشترك، قالت فرقة العباس القتالية، (التي تضم فرقة الإمام علي)، وكتائب علي أكبر، ولواء أنصار المرجعية، إن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي المنتهية ولايته، وافق على بيان انسحابهم من سلطة الحشد الشعبي.
ماذا يحدث إذا انسحبت قوات الضريح من الحشد؟
بانسحاب قوات الضريح عن الحشد الشعبي، فالمنظمة تخسر الشرعية الدينية التي منحها السيستاني لها في بداية تأسيسها، ما يعرضها إلى الانتقاد من قبل المجتمع الشيعي، وخسارة القاعدة الجماهيرية على الأرض في الانتخابات البرلمانية المقبلة لعام 2021.
وبحسب أحد قادة قوات الضريح الذي تحدث إلى "عربي بوست"، فإن هناك العديد من الفصائل الأخرى تدرس انفصالها عن الحشد الشعبي والانضمام إلى قوات الضريح، "أغلب الشباب من مقاتلي الحشد الشعبي، ذهبوا إلى القتال بناءً على فتوى آية الله السيستاني، وبرفع السيستاني شرعيته الدينية عن الحشد، يسارعون إلى الانفصال مثلما فعلت قوات الضريح، والانضمام إلى القوات النظامية".
وهذا ما تخشاه الفصائل الموالية لإيران، في فقدان الشرعية وتفكيك فصائل الحشد الشعبي، سيعرضها لخطر نهاية المنظمة في أي وقت.
يقول المصدر المقرّب من ممثل السيستاني أحمد الصافي لـ"عربي بوست": "لا يمكننا أن نترك مقاتلي الحشد يسقطون في صراع بين الولايات المتحدة وإيران، فالحشد تأسس لحماية العراقيين فقط، وتلك الخطوة كان لابد من اتخاذها من فترة طويلة، لكننا خشينا من الاقتتال بين الفصائل".
تهديدات بالقتل
بعد أن فشلت جميع المحاولات لاحتواء الأمر، بدأت الفصائل الموالية لإيران، في التلويح بالتهديدات، واتهام قوات الضريح بأنهم سيتسببون في إراقة المزيد من الدماء، وأشارت بعض التقارير المحلية إلى أن قادة قوات الضريح تلقوا تهديدات بالقتل بسبب قرار انسحابهم من قوات الحشد الشعبي.
ما مستقبل قوات الضريح بعد الانفصال عن الحشد الشعبي؟
حتى الآن لا يزال الأمر غير واضح، وفقاً لقرار سابق لرئيس الوزراء حيدر العبادي، كان من المقرر أن يتم دمج جميع فصائل الحشد الشعبي تحت لواء القوات المسلحة.
لكن الآن يتم الحديث عن تبعية قوات الأضرحة بعد الانفصال، لوزارة الداخلية، ومن المحتمل أن يتولوا حماية الأضرحة والعتبات المقدسة، بجانب حماية المنشآت الحكومية.
يقول أحد قادة قوات الضريح لـ"عربي بوست": "إلى الآن لم تتضح الأمور، وليس لدينا خطة بديلة، لكننا نعمل على توحيد صفوفنا ومعالجة بعض الأمور الإدارية".
موقف إيران
إلى الآن لم تتدخل إيران لا من قريب ولا من بعيد، لكن هذا الأمر لن يدوم طويلاً، فبحسب المصدر المقرّب من هادي العامري، فإن قادة عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله طالبوا خليفة سليماني العميد إسماعيل قاآني بإبداء المشورة.
لكن بحسب المصدر إلى الآن لم يتمكن قاآني من إحكام سيطرته على الحشد الشعبي، وملء الفراغ الذي تسبب في مقتل سليماني.
ما الذي حدث؟
عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل، أمام انهيار القوات الأمنية العراقية صيف عام 2014، أصدر آية الله العظمى السيستاني فتوى تشجع مَن يقدر على حمل السلاح لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، والانضمام إلى القوات العراقية، فهرع أتباع السيستاني لتنفيذ الفتوى.
في المقابل، كانت هناك فصائل مسلحة شيعية أخرى موالية لإيران مثل منظمة بدر، وكتائب حزب الله، وغيرها من الفصائل الموالية لإيران، تحارب تنظيم الدولة الإسلامية بالفعل في شمال العراق، فلجأ رئيس الوزراء العراقي آنذاك إلى إصدار قانون بتأسيس ما يُسمى وحدات الحشد الشعبي، التي شملت الفصائل المسلحة الموالية للسيستاني، ولإيران، بجانب فصيل سرايا السلام التابع لرجل الدين الشيعي والسياسي البارز مقتدى الصدر.
كانت دائماً الفصائل المسلحة الموالية للسيستاني على خلاف مع نظيرتها الموالية لإيران، لكنهم في النهاية يتبعون قيادة واحدة، فقد تم تعيين فالح الفياض مستشار الأمن القومي رئيساً لسلطة الحشد الشعبي، وأبومهدي المهندس المقرب من الجنرال قاسم سليماني نائباً له، والذي أحكم سيطرته على الحشد.
وبدلاً من أن يصبح الحشد الشعبي قوة شبه عسكرية تابعة لأوامر القوات المسلحة العراقية النظامية، فإن معظم الفصائل كانت تتبع أوامر قاسم سليماني، ما أغضب السيستاني في النجف، لإحساسه بأن إيران تسيطر على قوات عراقية داخل الأراضي العراقية وتستخدمها لمصالحها الخاصة، لذلك امتنعت قوات الضريح الموالية للسيستاني عن إرسال مقاتليه للقتال بجانب الرئيس السوري بشار الأسد، كما فعلت باقي الفصائل الموالية لإيران.
بعد أن نجح الحشد الشعبي بجميع فصائله، في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي السيطرة على أمر الحشد، في محاولة لإخضاع ودمجه داخل القوات النظامية، لكن هذا الأمر قوبل بمقاومة شديدة من قبل الفصائل الموالية لإيران، وبقى الحال كما هو عليه.
موت سليماني والمهندس
بعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة جوية بطائرة دون طيار أمريكية أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، وجد السيستاني الفرصة للتخلص من قبضة إيران على الحشد الشعبي، فاجتمع كبار ممثلي السيستاني عبدالمهدي الكربلائي، أحمد الصافي، بقادة فصائل الحشد الشعبي، لوضع خطة جديدة لقيادة الحشد.
يقول أحد قادة الفصائل الموالية لإيران داخل الحشد الشعبي لـ"عربي بوست"، شرط عدم الكشف عن هويته: "بعد اغتيال سليماني والمهندس، بحث القادة عن خليفة له، فتم عقد العديد من الاجتماعات في بغداد، بحضور قادة قوات الضريح، وممثل السيستاني أحمد الصافي".
"لكن الصافي وقادة قوات الضريح عرضوا العديد من الشروط، التي تمكنهم من قيادة جميع قوات الحشد الشعبي، وإقصاء باقي الفصائل".
وبحسب المصدر، فإن الشروط التي تم وضعها من قبل الفصائل الموالية للسيستاني، كانت تولي قيادة قوات الضريح جميع الشؤون الإدارية والعسكرية المتعلقة بسلطة الحشد الشعبي، وفيما يخصّ خليفة المهندس، فقد شرط أحمد الصافي، ممثل السيستاني، أن يكون الخليفة قائداً مستقلاً غير تابع لإيران.
ومع ذلك رفض قادة الحشد الشعبي الموالين لإيران جميع الشروط والخطة المطروحة من قبل قوات الضريح، ما دفع ممثل السيستاني أحمد الصافي إلى أن يلوح بأمر انسحاب قوات الضريح من الحشد الشعبي.
سبب الخلاف
وبعيداً عن صراع السيطرة على سلطة الحشد الشعبي، بين إيران والنجف، فإن التوترات وصلت إلى ذروتها أثناء المظاهرات العراقية المناهضة للحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
يقول مصدر مقرّب من أحمد الصافي لـ"عربي بوست"، أحد كبار ممثلي آية الله العظمى علي السيستاني: "تورّط المهندس وفصائله المدعومة من إيران في قتل واختطاف المتظاهرين، قد جعل من الحشد الشعبي أداة قمع للعراقيين بدلاً من حمايتهم، وهذا الأمر لم يَرضَ عنه السيستاني".
ووفقاً للمصدر، فإنه بجانب تلك الاختلافات الكبيرة، هناك مظالم للفصائل الموالية للسيستاني، إذ اشتكت قوات الضريح من التوزيع غير العادل للرواتب من قبل لجنة الموارد داخل الحشد الشعبي.
يقول أحد القادة فى قوات الضريح الموالية للسيستاني لـ"عربي بوست": "تخصص الحكومة العراقية جزءاً من الميزانية رواتب مقاتلي الحشد الشعبي، لكننا فوجئنا بأن رواتبنا أقل من رواتب باقي الفصائل الموالية لإيران، والسبب أننا نتلقى رواتب من العتبات والأضرحة".
الجدير بالذكر أن الرواتب التي يتم صرفها للفصائل المسلحة الموالية للسيستاني تعتمد بشكل أساسي على التبرعات التي تأتي للأضرحة والعتبات المقدسة في مدينة النجف، ما يجعلها غير ثابتة أو محددة؛ لأن الحكومة العراقية تدفع رواتب لجميع مقاتلي الحشد الشعبي.
فقدان الشرعية الدينية
بعد الكثير من الاجتماعات والجدل بين الفصائل الموالية لإيران، والأخرى الموالية للسيستاني، لم يتم إحراز أي تقدم لتهدئة الخلافات، فقوات الضريح الأربع متمسكة بمطالبها التي يمكن اختصارها في أنها عبارة عن إعادة تشكيل سلطة الحشد الشعبي، ليصبح عراقياً خالصاً تحت قيادة وإشراف السيستاني، بجانب الهيكلة الإدارية والمالية.
وهذا ما رفضته الفصائل الموالية لإيران، يقول مصدر مقرب من هادي العامري، رئيس منظمة بدر المنضمة إلى الحشد الشعبي، ورئيس تحالف فتح في البرلمان العراقي والذي يعد الواجهة السياسية لجميع فصائل الحشد المدعومة من إيران: "قوات الضريح تريد السيطرة الكاملة على سلطة الحشد الشعبي، حتى أنهم طالبوا بإقالة فالح الفياض من منصب رئاسة الحشد، وإقصاء جميع الفصائل الأخرى، ووضعونا أمام خيار الموافقة أو المغادرة".
في النهاية، أصرّت الفصائل الموالية للسيستاني على الانفصال، وهذا ما يبدو واضحاً في بيانها الأخير، ما تسبب في ضربة موجعة لباقي فصائل الحشد التي ما زالت تعاني من ضربة اغتيال سليماني والمهندس.
وبحسب المصدر المقرب من هادي العامري، فإن الأخير ذهب إلى ممثل السيستاني أحمد الصافي في النجف، وطلب مقابلته واجتمع معه ثلاث مرات، "لم تسفر هذه الاجتماعات عن شيء، وعاد العامري خالي الوفاض".