كان مشهد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وهو يردُّ على اتهامات رئيس الحكومة حسان دياب مأساوياً ومثيراً لليأس في بلد غارق في الأزمات حتى أذنيه.
ففي مثل هذه الأزمات يُفترض أن يتوحد السياسيون والمسؤولون حتى لو كانوا على خلاف مسبق؛ من أجل الخروج من هذا الوضع.
ولكن لبنان يعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وفي الوقت ذاته فإن زعماءه ومسؤوليه قرروا فتح ملفات بعضهم البعض والتراشق باتهامات فساد، يعلم كثير من المراقبين أنها فعلياً لا تستثني منهم أحداً.
لماذا لا يتم عزل حاكم مصرف لبنان رغم أن رئيس الحكومة يهاجمه؟
وكان دياب شن هجوماً عنيفاً على سلامة يوم الجمعة الماضي، واعتبر أن "المعضلة تكمن في أن هناك غموضاً مريباً في أداء حاكم مصرف لبنان"، لافتاً إلى أن المصرف المركزي "إما عاجز أو معطَّل بقرار أو محرِّض على هذا التدهور المريب".
وردَّ حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الأربعاء 29 أبريل/نيسان 2020، على رئيس الحكومة حسان دياب، باستعراض أرقام تشير إلى أن المصرف المركزي لا يتحمل مسؤولية الأزمة النقدية والمالية، وإنما الأداء الحكومي، ونفقات الدولة ودفع أكثر من 4 مليارات دولار على واردات غير معروفة الوجهة، حسب قوله.
ولم يكن رد حاكم مصرف لبنان على رئيس الوزراء يستهدفه فقط في الأغلب؛ بل يستهدف أيضاً مؤيدي حزب الله وكثيراً من السياسيين اللبنانيين الذين يحاولون تحميله وحده مسؤولية الأزمة، واتهامه بأنه حليف سري أو شبه سري للولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن اللافت أنه رغم الاتهامات الموجهة إلى رياض سلامة من قِبل رئيس الوزراء وقوى أساسية في الحكم، فإن كل ذلك لم يؤدِّ إلى عزل الرجل.
الرجل الذي يتولى هذا المنصب منذ عقود، كان يوصف بأنه أفضل محافظ بنك مركزي بالعالم ما زال في منصبه رغم الهجوم عليه ورغم منع المصارف الأموال عن أصحابها.
فسلامة يمثل ما يمكن تسميته في لبنان الدولة العميقة، حيث يمثل تقاطعاً لافتاً بين تيار المستقبل أكثر التيارات السياسية ارتباطاً بالرأسمالية اللبنانية، والنظام المصرفي الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضاً بشكل أو بآخر فإنه يتماس مع حزب الله ومحوره الذي تقوده إيران حتى لو كان هذا المحور يهاجمه ويتهمه بتنفيذ أجندة أمريكية.
من سبب الأزمة؟
وردَّ سلامة على دياب قائلاً: "مصرف لبنان لم يخسر 7 مليارات دولار خلال 4 أشهر من 2020.
وقال إن 772 مليار ليرة دُْفعت للدولة ﻹعادة الفوائد على اليوروباوند (سندات مستحقة على الحكومة) التي لم تسدَّد، والصافي بين الفوائد المدفوعة والمقبوضة هو 4000 مليار ليرة (نحو 1200 مليون دولار بسعر الليرة القديم)، وهي أعباء على مصرف لبنان، بقي منها 3500 مليار ليرة لم يتم استعمالها. لذا فإن الفارق كبير بين أرقام الحكومة والأرقام الواقعية.
وأردف قائلاً: "كنا نتمنى الاستفسار قبل إعطاء هذه الأرقام لرئيس الحكومة".
وقال سلامة إن "ما يحدث الآن نتيجة عجز في الحساب الجاري (الميزان التجاري والتحويلات من وإلى لبنان)، إذ تراكمت العجوزات من 2015 إلى 2019، لتصل إلى 56 ملياراً".
وأضاف أن "هذه أموال خرجت لتمويل الاستيراد. أما التدقيق في المواد المستوردة وما إذا كانت غير موجهة للسوق اللبنانية، فليس من مسؤولية مصرف لبنان، ولا من ضمن صلاحياته".
ولكن اللافت أنه رغم كل الأوضاع المزرية فإن حاكم مصرف لبنان حدد المبلغ الذي يحتاجه المصرف للخروج من الأزمة، والذي بدا واضحاً من كلامه أنه يحتاج دعماً دولياً وعربياً.
إذ قال سلامة إن "لبنان بحاجة إلى 16.2 مليار دولار للاستمرار، وهو ما يفيد المجتمع والاقتصاد ويحافظ على الوظائف والقدرة الشرائية، وهذا ما عملنا عليه".
هل يتم خصم مبالغ من أموال المودعين؟
طمأن سلامة، اللبنانيين بأن "ودائعهم موجودة في القطاع المصرفي ويتم استخدامها".
ونفى حاكم مصرف لبنان نية البنوك عمل Haircut للودائع لديها (أي الخصم القسري من ودائع العملاء لتجاوز الأزمة).
وقال إن الكلام عن "Haircut " يرعب المودعين ويؤخر إعادة خروج القطاع المصرفي من الأزمة ودوره في تمويل الاقتصاد.
وأضاف: "لم يحدث خصم على الودائع في كل العالم، حتى في قبرص كان هناك إفلاس لمصارف، وأخذ المودعون تعويضات كأسهُم بالمصارف". (يبدو أنه يقترح هذا الحل في لبنان).
ولكن في المقابل يقول المنتقدون لحاكم مصرف لبنان، إن المصرف فعلياً يقوم بما يمكن وصفه بـ"Haircut" غير معلن، عبر تقييد سحب المودعين، أموالهم المودعة بالدولار، والعرض عليهم أن يحصلوا عليها بالليرة التي انحدرت قيمتها من 1500 ليرة مقابل الدولار إلى 4000 ليرة، أي فعلياً سيخصمون من المودعين ثلثي أموالهم.