برز المجلس الانتقالي الجنوبي منذ أغسطس/آب الماضي على الساحة اليمنية عندما أعلن انفصال الجنوب ودخلت قواته التي أسستها وسلحتها الإمارات في حرب ضد قوات حكومة الرئيس عبدربه هادي منصور المدعومة من التحالف بقيادة السعودية، فما قصة هذا المجلس ومتى تأسس وكم من محافظات جنوب اليمن تقف في صفه؟
بيانات سعودية وإماراتية
نبدأ القصة من أحدث تطوراتها وهو البيان الذي صدر اليوم الإثنين 27 أبريل/نيسان عن تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية وحيث المجلس الانتقالي الجنوبي على التراجع عن "تحركاته التصعيدية" في وقت ينبغي على كل الأطراف فيه التركيز على مواجهة فيروس كورونا.
بيان التحالف يشير إلى إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي أول أمس السبت "الإدارة الذاتية وحالة الطوارئ في المحافظات الجنوبية" وعلى رأسها عدن العاصمة المؤقتة، وهي الخطوة التي وصفتها الحكومة المعترف بها دولياً بأنها تنذر "بتبعات كارثية".
التحالف قال في بيانه أنه يؤكد على "ضرورة إلغاء أي خطوة تخالف اتفاق الرياض والعمل على التعجيل بتنفيذه" في إشارة إلى اتفاق لتقاسم السلطة توسطت السعودية بشأنه في نوفمبر/تشرين الثاني، كما عبر التحالف عن دعمه للحكومة المدعومة من السعودية وقال إن تنفيذ الاتفاق سيؤدي إلى تشكيل حكومة كفاءات سياسية ومقرها عدن لمواجهة أزمة كورونا والسيول الأخيرة والتحديات الاقتصادية والتنموية.
الإمارات -التي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي وهي أيضاً عضو رئيسي في تحالف دعم الشرعية- قالت على لسان أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية اليوم الإثنين أن بلاده تعارض قرار المجلس الانتقالي الجنوبي باليمن إعلان الإدارة الذاتية بالمناطق الخاضعة لسيطرته، وتدعو إلى التطبيق الكامل لاتفاق الرياض للسلام.
ما الموقف على الأرض؟
ونترك التصريحات الرسمية ونلقي نظرة على الموقف الفعلي على الأرض، فنجد أن قوات الحزام الأمني -قوامها 90 ألف عسكري مسلحين بصورة جيدة على يد الإمارات وهم الجناح العسكري للمجلس الانتقالي- تسيطر على محافظة عدن بصورة شبه تامة منذ أغسطس/آب الماضي، حينما اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الانتقالي الجنوبي وقوات الحكومة الشرعية التابعة للرئيس عبدربه هادي منصور المقيم في السعودية.
والسبب المعلن من جانب المجلس الانتقالي ينقسم لركيزتين الأولى هي وجود حزب الإصلاح اليمني ضمن مكونات الحكومة الشرعية، وهو حزب إسلامي تعاديه الإمارات بصورة علنية والركيزة الأخرى هي مزاعم الفساد وتفضيل أبناء شمال اليمن على الجنوبيين في المصالح والخدمات، ومع كل هجوم صاروخي تشنه قوات الحوثي يستهدف قوات الحزام الأمني كانت أصوات من المجلس الانتقالي الجنوبي توجه اتهامات لعناصر داخل الحكومة اليمنية بالخيانة والعمالة لصالح الحوثيين الذين قاموا بانقلاب على الحكومة في 2014 واحتلوا صنعاء ومعظم أراضي اليمن، وما تلاه من تشكيل السعودية لتحالف دعم الشرعية وانطلقت الحرب في اليمن منذ مارس/آذار 2015.
ما المحافظات التي تقف مع الانتقالي الآن؟
نعود قليلاً لتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي فنجد أنه تشكل في 11 مايو/أيار 2017، وتمثل ظروف تشكيله جزءاً هاماً من صورة ما يجري على الأرض الآن، كما تعطينا لمحة عن أقرب السيناريوهات المتوقعة فيما هو قادم.
رئيس المجلس الانتقالي حالياً هو اللواء عيدروس الزبيدي، وكان محافظاً لعدن التي أصبحت العاصمة المؤقتة لليمن بعد أن حررتها قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وفي 10 سبتمبر/أيلول 2016 عقد الزبيدي مؤتمراً صحفياً دعا فيه كافة القوى السياسية والاجتماعية الجنوبية إلى العمل على إنشاء كيان سياسي جنوبي يوازي القوى السياسية في شمال اليمن، بحيث يكون هذا الكيان الناشئ الممثل لتطلعات الجنوبيين في أي استحقاقات سياسية من أجل الحل السياسي في اليمن، وتم الترتيب والتحضير لهذا الكيان بعيداً عن الإعلام طيلة أشهر.
قام الرئيس هادي بإقالة الزبيدي وبعض القادة الجنوبيين من مناصبهم في الحكومة بعد المؤتمر الصحفي الشهير، وهو ما أدى لوجود حالة من السخط الشعبي واعتبر كثير من الجنوبيين ذلك قفزاً على تضحياتهم ومحاولة لإجهاض مشروع التحرير والاستقلال فتداعوا للاحتشاد رفضاً للقرارات، وانتقل وقتها الزبيدي وباقي قيادات ما أصبح يعرف بالحراك الجنوبي إلى أبوظبي.
التحالف إذن الذي يحارب الحوثيين وتقوده السعودية والإمارات أصبح منقسماً بين الرياض التي تدعم الرئيس عبدربه منصور هادي وتستضيفه على أراضيها، وبين أبوظبي التي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي وتستضيف قياداته على أراضيها، وعلى الأرض كانت قوات الحزام الأمني تزداد قوة وتدريباً وعتاداً بواسطة الإمارات.
وشهد يوم 4 مايو/أيار 2017 تظاهرات ضخمة في عدن وباقي محافظات جنوب وشرق اليمن -التي كانت تمثل جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية قبل الوحدة في مطلع التسعينيات (اليمن الجنوبي)- وتمخض عن ذلك الحراك ما سمي بإعلان عدن التاريخي الذي خوّل الزبيدي بإنشاء مجلس سياسي جنوبي استجابة لتطلعات الجنوبيين وتحقيقاً لما دعا إليه سابقاً، وهو ما انتهى بالفعل بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في 11 مايو/أيار.
وتشمل محافظات اليمن الجنوبي عدن ولحج وشبوة وأبين وحضرموت وسقطرى والمهرة والضالع، وقبل أن نتوقف عند موقف كل منها من إعلان المجلس الانتقالي حالة الطوارئ والحكم الذاتي، نعود قليلاً للوراء مرة أخرى لنلقي مزيداً من الضوء على الشق العسكري للحراك الجنوبي والمتمثل في قوات الحزام الأمني.
في عام 2016، ساعدت الإمارات في تشكيل قوات الحزام الأمني في جنوب اليمن، وضمَّت هذه القوات العديدَ من المسلحين الذين ساندوا حركة انفصالية في جنوب اليمن، ودعمت بعض القوات داخل قوات الحزام الأمني المجلس الانتقالي الجنوبي، بهدف إقامة دولة "جنوب اليمن" المستقلة. وأدت قوات الحزام الأمني منذ تشكيلها دوراً مهماً في التحالف الذي تقوده السعودية، قبل تفجر الأوضاع في أغسطس/آب.
ويعود سبب نجاحاتها جزئياً إلى الدعم العسكري الكبير الذي تقدمه لها الإمارات، ويشمل هذا الدعم تدريب مقاتلي قوات الحزام الأمني في أبوظبي، وتزويدهم بالمعدات العسكرية، وبعد تلقِّيها التدريب، أُرسلت قوات الحزام الأمني لمحاربة قوات الحوثيين التي تعمل داخل جنوب اليمن، وكان الدعم الإماراتي مهماً في مساعدة المجلس الانتقالي الجنوبي في الاستيلاء على عدن، التي أصبحت تحت سيطرتها منذ عام 2018.
بحسب تقرير لوكالة الأناضول، أعلنت سلطات خمس محافظات يمنية جنوبية من أصل 8 أمس الأحد 26 أبريل/نيسان رفضها إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي حكماً ذاتياً على جنوب البلاد، حيث عبرت سلطات محافظات حضرموت، شبوة، المهرة، أبين، سقطرى (جنوب) في بيانات متلاحقة رفضها إعلان الإنتقالي الجنوبي وتمسكها بالولاء للشرعية وللرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وقالت اللجنة الأمنية بمحافظة شبوة في بيان "إن رئيس الجمهورية هو المخول بإعلان حالة الطوارئ، ولا يحق لغيره ممارسة هذا الإعلان"، وأضافت: "نرفض ما جاء في بيان الانتقالي الجنوبي جملة وتفصيلاً.. لا يمكن للميليشيات أن تكون بديلاً للدولة ومؤسساتها".
فيما اعتبرت السلطة المحلية بمحافطة حضرموت (كبرى محافظات الجنوب)، إعلان الانتقالي "خرقاً للشرعية واتفاق الرياض"، وقالت في بيان: "إن محافظة حضرموت وسلطتها المحلية تقف صفاً واحداً خلف القيادة السياسية ورئيسها عبد ربه منصور هادي".
كما أعلنت السلطة المحلية بمحافظة المهرة تمسكها بالرئيس اليمني، ورفض إعلان المجلس الانتقالي الذي عدته "انقلاباً على اتفاق الرياض، وتكريساً للأزمة القائمة في البلاد"، وفي موقف مشابه أعلنت السلطات بمحافظتي أبين وسقطرى في بيانين منفصلين، رفضهما إعلان المجلس الانتقالي حكماً ذاتياً للجنوب، ودعتا إلى التمسك بشرعية الرئيس اليمني "هادي".
ماذا يعني ذلك إذن؟
الموقف الصادر عن سلطات أغلب المحافظات الجنوبية برفض إعلان المجلس الانتقالي إذن يعني تضاؤل فرص المجلس المدعوم إماراتياً من تنفيذ انفصال الجنوب بصورة مؤثرة تسمح بالمناورة والضغط بهدف كسب اعتراف إقليمي أو دولي واسع النطاق، خصوصاً في ظل تعقد الموقف أكثر بفعل جائحة كورونا التي يخشى الجميع تفشيها في بلد هو الأفقر عربياً وضمن الأفقر عالمياً بعد ست سنوات من الحرب المدمرة.
ومن المهم هنا ذكر حقيقة صدور بيان "الحكم الذاتي" عن رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي وهو موجود في أبوظبي، حيث من غير المتصور أن يكون الرجل اتخذ هكذا خطوة من تلقاء نفسه ودون ضوء أخضر مباشر من الإمارات، فماذا يعني هذا؟
صالح النود المحامي وعضو المجلس الانتقالي برر الخطوة في مداخلة مع قناة الجزيرة من مقر إقامته في لندن بأنها "كانت لا مفر منها بعد فشل كل محاولات المجلس تحسين أوضاع شعبنا في الجنوب"، مضيفاً "لكن للأسف الشديد وجدنا أن شعبنا يموت يومياً ويعذب ويذل من جانب تلك الشرعية الفاشلة التي أصبحت تسيطر إلى حد ما على القرار في الجنوب، لذلك لم يكن أمام المجلس الانتقالي بد من اتخاذ قرار صريح وواضح يقول أننا لن نصبر أكثر من ذلك على ما يتعرض له شعبنا".
الرسالة نفسها تكررت على لسان عدد من مسئولي المجلس الانتقالي، لكن على الأرض لا يبدو أن المجلس يسيطر على الأمور بالفعل خارج عدن، حيث مركز تواجده ومعظم قواته العسكرية وهو الوضع الذي لم يتغير كثيراً بعد توقيع اتفاق الرياض الذي لم يتم تنفيذ أي من بنوده بشكل فعلي رغم مرور نحو 6 أشهر على توقيعه.
لكن الواضح للجميع هو أن ما يجري عبارة عن خلاف بين السعودية والإمارات يتعلق بشكل مباشر بمناطق النفوذ أو بالأحرى تقسيم تورتة النفوذ الاستراتيجي في جنوب اليمن، وبصفة خاصة في عدن حيث الإشراف على باب المندب وطريق مرور الشاحنات من بحر العرب إلى البحر الأحمر.
وهذا بالتحديد ما عبر عنه القيادي في المقاومة الجنوبية عادل الحسني في مداخلة له مع قناة الجزيرة مساء أمس الأحد، حيث وصف إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي "بالفرقعة الإعلامية التي ستتبخر في ظرف 24 ساعة"، مضيفاً أن السبب الحقيقي لما يحدث في الجنوب هو الخلاف بين الرياض وأبوظبي "والسباق على المناطق الحساسة في جنوب اليمن وهو ما دفع الإمارات للإيعاز لهذا المجلس التابع لها بإصدار البيان الذي صدر من أبوظبي".
الحسني قال أيضاً أن السعودية من جانبها وبعد ساعات فقط من صدور البيان حركت قوات تابعة لها في شبوة، وهو ما يؤكد أن الأمر لا يعدو كونه سباق على النفوذ والسيطرة على المناطق الحساسة في جنوب اليمن بين الجانبين.