العالم العربي مهدد بأن يكون أكثر المناطق تضرراً من تداعيات كورونا الاقتصادية رغم أنه أقل تأثراً بالوباء من أوروبا، ولكنه قد يكون على مشارف "ثورة كورونا"
لقد نجح وباء كورونا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في ما كان العديد من الحكومات عاجزة عن تحقيقه.
ففي الجزائر والعراق ولبنان تمكن كورونا من إيقاف أشهرٍ من التظاهرات الجماهيرية المناهضة للحكومة.
ومع ذلك، فإن الأرجح أن تكون تلك فترة انقطاعٍ قصيرة تعقبها عودة للاحتجاجات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
لأن فيروس كورونا لم يوقف مفاقمة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي لطالما غذّت غضب الجمهور من أنظمة المنطقة، أنظمة تفتقر إلى أي مصداقية في أعين كثيرٍ من مواطنيها.
دول المنطقة لن تستطيع تقديم حزم الإنقاذ المالية التي نفذها الغرب
والحال أن معظم الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتسم، إلى جانب النسب العالية من الشباب القلق بين سكانها والبطالة المتفشية، بافتقار إلى الموارد المالية التي تتيح لها اتباع الدول الغنية في تقديم حزم إنقاذ واسعة النطاق لدعم الأعمال التجارية وحماية الوظائف.
إذ يعمل ملايين من الشباب في القطاعات غير الرسمية، وغالباً ما يعتاشون يوماً بيوم ويدعمون أسراً مسؤولة منهم.
وكان المتظاهرون قبل الأزمة قد أثبتوا عزمهم على عدم قبول ما اعتبره كثيرون منهم وعوداً جوفاء بالإصلاح اعتادت الأنظمة تقديمها للحفاظ على نفسها، وعدم التراجع أمام العنف الذي يُواجهون به.
ومع ذلك، فإنهم الآن يُطلب منهم أن يثقوا بالقادة أنفسهم الذين كانت الاحتجاجات قد اشتعلت لإسقاطهم.
الأزمة كشفت هشاشة الأنظمة الاجتماعية بالمنطقة، والمشكلة الكبرى نقص الشفافية
وتذهب لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط في معهد "تشاتام هاوس" إلى أن "أزمة فيروس كورونا كشفت عن هشاشة أنظمة الحماية الاجتماعية في المنطقة. فقد أجّلت جائحة (فيروس كوفيد 19) الاضطرابات الحتمية القادمة".
وعلى الرغم من أن بعض الحكومات كانت قد وعدت بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق لدعم الأسر الفقيرة، فإن السائد على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة هو نقص الثقة بين الحكام والمحكومين. إذ إن غياب الشفافية لعنة متفشية في أركان الأنظمة المليئة بالفساد والمحسوبية.
إنها لعنة تؤثر على أي شيء وكل شيء، بدايةً من الأداء الاقتصادي العام –إذ يذهب تقرير للبنك الدولي صدر هذا الشهر إلى أن النقص في شفافية البيانات أفضى إلى انخفاض دخل الفرد بقدر يتراوح من 7 % إلى 14 % في المنطقة من عام 2005 إلى عام 2014- وحتى معدلات الثقة بالحكومة فيما يتعلق بمكافحة الوباء.
هذا ولم تنقطع النزعات السلطوية عن الظهور طوال الأزمة، فعلى سبيل المثال، طردت مصر صحفيةً بريطانية بعد أن أوردت تقريراً أكاديمياً يشير إلى أن أرقام حالة الإصابة بالفيروس قد تكون أعلى من الأرقام المعلنة رسمياً بكثير.
كما علّق العراق مؤقتاً ترخيص وكالة رويترز بعد أن نشرت وكالة الأنباء مقالاً يقدم مزاعم مماثلة. وقد أوردت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن 4 صحفيين على الأقل قد اعتقلوا في إقليم كردستان العراق خلال الشهر الماضي.
أمَّا السعودية، فقد أطلقت قوات الأمن فيها النار على أحد المعارضين المحليين لخطط الحكومة بنقل منازل قبيلته بعيداً عن مشروع "نيوم"، المشروع الضخم لولي العهد محمد بن سلمان الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، ومع ذلك فقد قالت الحكومة في بيانها إن الرجل هو من أطلق النار أولاً على قوات الأمن.
وفي الجزائر، يتهم الناشطون السلطات باستغلال الأزمة لقمع المعارضين، خاصةً بعد اعتقال سياسي معارض وصحفي.
العراق قد يوقف أجور بعض موظفيه
وبطبيعة الحال، فإن المعاناة الاقتصادية باديةٌ أيضاً على نحو متزايد. ففي العراق، الذي تلقى ضربة مزدوجة جرّاء فيروس "كوفيد 19" وانهيار أسعار النفط معاً، حذر مسؤول من أن بغداد قد لا تتمكن الشهر المقبل من سداد أجور نصف موظفيها العاملين في القطاع العام، الذي يعد المشغِّل الرئيسي في البلاد، حسبما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية.
كما اتجهت الجزائر، وهي دولة أخرى تأثرت تأثراً كبيراً بالانخفاض في أسعار النفط، إلى تخفيض الإنفاق العام للدولة بنسبة 30%.
وعلى النحو ذاته، تلقت دول أخرى، مثل مصر والأردن وتونس والمغرب، ضربات اقتصادية في قطاعات مثل السياحة، التي تعد مصدراً حيوياً للوظائف والعملة الصعبة في تلك البلاد.
أمَّا لبنان الذي يشهد انخفاضاً في الإيرادات وتراجعاً حاداً في التحويلات المالية إليه وضعفاً في عملته، فإنه كان يعيش بالفعل انهياراً اقتصادياً قبل أن تبلغ الصين بفترة عن أول حالة إصابة بفيروس "كوفيد 19" على أراضيها، وحتى بعد أن تفشى الفيروس في مدنه الرئيسية، تواصلت بعض التظاهرات الصغيرة هنا وهناك احتجاجاً على صعوبة الأوضاع المعيشية.
العالم العربي مهدد بأن يكون أكثر المناطق تضرراً من تداعيات كورونا الاقتصادية
ومع كل ذلك، فإن الاختبار الحقيقي سيحين موعده بعدما يبدأ الوباء في التراجع، وتضرب الآثار الاقتصادية للأزمة العالمية البلادَ على نحو أعنف، خاصة في الدول ذات الاقتصادات الأكثر هشاشة في المنطقة.
إذ مع رفع حالة الإغلاق العام، سيتسبب التقشف في معاناة أكبر لدول مثقلة بالفعل بنسب فقر مرتفعة ومعدلات بطالة متزايدة.
وكان تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية قد حذر من كارثة تنتظر دول الخليج مشيراً إلى أن انهيار النفط (والذي حدث أساساً بسبب الجائحة) سيقضي على الصناديق السيادية خلال 7 أعوام!.
دفعت تلك الأوضاع مروان المعشر، وهو وزير خارجية أردني سابق ونائب رئيس "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، إلى التساؤل، قائلاً: "من سيقبل بشروط تقشفية أكثر صرامة وهو يرى الأوضاع الحالية على هذا القدر من السوء؟ يمكن لأي شخص أن يأتي بخطة اقتصادية، لكن الأمر سيظل متعلقاً بمن سينفذها، ما دامت الحكومات لم تشرع في تغيير الطريقة التي تدير العمل بها"
وفي الختام، ذهب المعشر إلى أنه إذا لم تنفتح الأنظمة على قدر أكبر من الشفافية والمساءلة وتعتمد مناهج أكثر فعالية، وهو ما امتنعت عنه أيضاً بعد ثورات الربيع العربي التي هزت أركان الشرق الأوسط، فإن أزمة الثقة ستتفاقم، حتى تستحيل إلى موجة غضب أخرى تطيح بالجميع.