بعد تنصيب مدير لها، تكون الجزائر قد أطلقت فعلياً وكالة "التعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية"، التي أعلن الرئيس عبدالمجيد تبون عن إنشائها خلال مشاركته في قمة الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا في 9 فبراير/شباط الماضي.
وتستهدف هذه الهيئة المستحدثة، التي وُضعت تحت وصاية رئاسة الجمهورية، إعادة بعث الدور الدبلوماسي الجزائري متعدد الأبعاد في القارة الإفريقية ومنطقة الساحل الإفريقي تحديداً.
"بث ديناميكية جديدة" في التعاون الدولي الجزائري تجاه البلدان الإفريقية، هي من أهم أهداف الوكالة التي أعلن عنها تبون.
وفي 20 أبريل/نيسان نصب الرئيس الجزائري، ضابط الاستخبارات المتقاعد، محمد شفيق مصباح، مديراً للوكالة.
أهمية خاصة
وتولي الرئاسة الجزائرية، أهمية خاصة للوكالة، التي وضعتها تحت وصايتها المباشرة، وفق ما نص عليه المرسوم التنفيذي الخاص بإنشائها.
وفي 9 فبراير/شباط الماضي، أعلن تبون عن إنشاء الوكالة خلال قمة الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، وصدر القانون الخاص بها بالجريدة الرسمية بعد يومين.
وحدد المرسوم التنفيذي الخاص بإنشاء وكالة التعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية 12 مهمة لها.
ومن أبرز المهام المسندة إليها: "المشاركة في إعداد وتنفيذ السياسة الوطنية للتعاون الدولي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والثقافي والديني والتربوي والعلمي والتقني".
بالإضافة إلى إنجاز الدراسات الاستراتيجية والتحاليل التي تساعد على فعالية السياسة الجزائرية في مجال التعاون الدولي.
كما تتولى الوكالة "تنسيق تنفيذ سياسة التكوين (تدريب) للأجانب في الجزائر وتكوين الجزائريين في الخارج، وتنظيم دورات التدريب، لاسيما في مجال إقامة مشاريع التعاون الدولي والمساهمة في ترقية العمل الإنساني والتضامن لفائدة بلدان أخرى".
استعادة مكانة الجزائر في إفريقيا
ويرى خبراء أن استعادة مكانة الجزائر في إفريقيا، ودورها الاستراتيجي والدبلوماسي، من أهم الأسباب التي دفعت تبون لإنشاء الوكالة.
واعتبر الخبير في الشؤون الأمنية محمد العربي الشريف، أن إنشاء وكالة التعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية "تعكس الرغبة الملحة للرئيس تبون في استعادة مكانة الجزائر في إفريقيا".
وبشأن تعيين ضابط استخبارات سابق مديراً لها، علّق الشريف في حديث لـ"الأناضول" قائلاً إن "الخلفية الأمنية في السياسة الخارجية قد لا تظهر للعلن، لكن كل شيء يحسم على مستواها".
ولفت إلى أن تبون "أراد تنشيط الدبلوماسية الجزائرية التي أصابها العطب منذ سنة 2010، لذلك اختار رجلاً بخلفية أمنية".
من هو محمد شفيق مصباح؟
وإلى جانب خلفيته الأمنية، يملك مدير الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، محمد شفيق مصباح، رصيداً علمياً وأكاديمياً معتبراً.
ومصباح حائز على إجازة جامعية في علم الاجتماع من جامعة "رينيه ديكارت" بباريس، وشهادة دراسات عليا في العلوم السياسية من جامعة "البانتيوم" بباريس، ودكتوراه في العلوم السياسية من جامعة الجزائر.
وفي المجال العسكري، حاز مصباح على تخصصاته الأمنية من الأكاديمية الجزائرية لمختلف الأسلحة بشرشال (غرب العاصمة) وهي أهم أكاديمية حربية في البلاد، ومن المعهد الملكي البريطاني لدراسات الدفاع ببريطانيا.
واشتهر مصباح بتحليلاته للشؤون السياسية الجزائرية، والأمنية والاستراتيجية للساحل الإفريقي خلال الفترة 2012-2014.
كما عرف عنه أيضاً معارضته لنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة (1999-2019).
وصرح مصباح للصحافة المحلية سنة 2013، أن البلاد تحت حكم بوتفليقة "تسير إلى الهاوية".
ضحية بوتفليقة
وإنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، هو إعادة إحياء وبطريقة مستحدثة لهيئة مشابهة أنشأتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يقوم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة بإلغائها بعد وصوله للحكم.
وسبق أن كشف الوزير الأول الحالي عبدالعزيز جراد، في حوار لتلفزيون الحياة (خاص) العام الماضي، أن "الجزائر سنة 1993 وتحت قيادة الرئيس الأسبق اليامين زروال أنشأت الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي".
وأضاف بصفته محللاً سياسياً آنذاك أن "بوتفليقة قام بإلغائها فور وصوله للحكم لأسباب شخصية".
دبلوماسية المسار الثاني
وفي السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر إدريس عطية أن إنشاء وكالة للتعاون الدولي، "فكرة جيدة".
وأوضح عطية في حديث لـ"الأناضول" أنها "تعتبر جهازاً لممارسة دبلوماسية المسار الثاني، من خلال اهتمامها بالتنمية والتضامن كقضايا خارجية".
ولفت إلى أن نجاح مهمة الوكالة "مرتبط بالتعويل على رجالات العلم والجامعات ورجال الأعمال والتقنيين والمثقفين والاقتصاديين لتحقيق أهدافها".
الاهتمام منصبٌّ على الساحل الإفريقي
وتمنح وكالة التعاون الدولي أهمية قصوى للتعاون مع الدول الإفريقية، وبالأخص منطقة الساحل الإفريقي التي تمثّل عمق الأمن القومي الجزائري.
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، محند أوسعيد بلعيد، إن الوكالة "إضافة نوعية" للسياسة الخارجية للبلاد.
وأوضح بلعيد في مؤتمر صحفي مؤخراً أن "عملها سيركز في المرحلة الأولى على بعث التعاون الثقافي والاقتصادي مع دول الجوار وبالأخص منطقة الساحل الإفريقي".
وأضاف أن "الوكالة تساعد على توحيد أدوات التعاون الجزائري، وتكرس أواصر الأخوة والصداقة مع الدول التي هي بحاجة إلى المساعدة".
وتتقاسم الجزائر مع دول الساحل الإفريقي، روابط دينية (المذهب المالكي والطريقة التيجانية إحدى الطرق الصوفية)، وثقافية وتاريخية.