منذ مطلع العام الجاري، وقعت أحداث ساخنة عدة في منطقة الشرق الأوسط، بعضها بدء في نهايات عام 2019 واستمر حتى عام 2020، لكن مع ظهور فيروس كورونا في الصين واجتياحه العالم شرقاً وغرباً، اختفت أخبار هذه القضايا من عناوين الأخبار، وسيطر الوباء القاتل وتبعاته من ضحايا وإغلاقات وأزمات اقتصادية، على جميع النشرات حول العالم. إليكم بعض القضايا الساخنة التي أخفاها كورونا، وإلى أين وصلت تطوراتها:
1- أزمة إدلب
ظلت إدلب -آخر معقل لقوات المعارضة السورية- لوقت طويل تحت ضربات النظام السوري وروسيا، وتعرضت منذ مطلع العام الجاري لمحاولات عدة للسيطرة عليها وعلى المدن والبلدات المحيطة فيها، وأدى ذلك لتهجير نحو مليون ونصف سوري من ديارهم، نحو الحدود التركية. وظل الأمر كذلك حتى تدخلت تركيا بعملية "درع الربيع" داخل الأراضي السورية، بعد أن قام النظام السوري المدعوم من روسيا بقتل 36 من الجنود الأتراك في ضربة جوية، في 27 فبراير/شباط 2020.
وفي 6 من مارس/آذار الماضي، أعلنت كل من تركيا وروسيا وقف إطلاق النار في إدلب، وهدأت المعارك بعد تفاهمات بين أنقرة التي تدعم بعض الفصائل المعارضة لنظام الأسد على الأرض، وبين موسكو التي تدعم دمشق وميليشيات أخرى شيعية بقوة جوية كثيفة.
ومنذ إعلان وقف إطلاق النار، تخلل الأمر بعض الخروقات، حتى بدأت تركيا وروسيا تسيير دوريات مشتركة في إدلب كجزءٍ من الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين أردوغان وبوتين، وهو الأمر الذي أوقف الصدامات بصورة شبه كاملة تقريباً، وربما يكون أحد أسباب تثبيت وقف إطلاق النار حتى اللحظة بين هذه الأطراف، هو تفشي فيروس كورونا.
لكن الخطر ما زال يتربص للمدينة المكتظة بملايين السكان والنازحين، الذين يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، إذ يتمثل مبعث القلق الرئيسي الآن في حدوث تفشٍّ للمرض في المحافظة المحاصرة، إذ تعاني المنطقة من تدمير لمعظم المستشفيات والمنشآت الطيبة بسبب القصف الروسي والنظامي، فيما تقول وزارة الصحة في حكومة المعارضة المؤقتة، إنه لا يوجد إلا جهاز تنفس واحد لكل 26.500 شخص في إدلب، ولا يوجد قدرات طبية على الإطلاق لمعالجة مرضى الفيروس، إذا تفشى في المحافظة.
2- أزمة اللاجئين على حدود أوروبا
قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في إدلب السورية، فتحت تركيا حدودها نحو أوروبا، لعشرات الآلاف من طالبي اللجوء الذين يحملون جنسيات مختلفة، بعضها سورية، حيث حاولت تركيا حينها الضغط على الأوروبيين للوفاء بالتزاماتهم تجاه أزمة اللاجئين، بعد أن زاد الضغط على أنقرة مع تدفق آلاف اللاجئين السوريين نحو حدودها مع احتدام معارك إدلب.
لكن اليونان وبلغاريا، بوابتي اللاجئين نحو أوروبا، تعاملتا بحزم شديد مع اللاجئين، ومنعت محاولات وصولهم، بل وأطلقت عليهم قنابل الغاز وسجنت بعضهم ممن حاولوا اختراق الحدود.
واتهمت أنقرة ومنظمات حقوقية عالمية أثينا، بمحاولة إغراق قوارب اللاجئين، والاعتداء عليهم وضربهم وتعريتهم، الأمر الذي دفع معظم اللاجئين المحتشدين على الحدود إلى مغادرتها والعودة، فيما نجح مئات آخرون بالوصول عبر قوارب البحر إلى الجزر اليونانية القريبة من تركيا.
وتشير تقارير أوروبية إلى أن لدى المخيمات الموجودة على الجزر نحو 42 ألفاً، تجمعوا على فترات زمنية مختلفة. ومع تفشي جائحة كورونا في العالم، دعا الاتحاد الأوروبي في 24 من آذار/مارس، اليونان، إلى نقل المهاجرين المعرضين لخطر الجائحة إلى خارج المخيمات، حيث أعلنت وزارة الهجرة اليونانية حينها تسجيل أول إصابة بالفيروس في المخيمات.
ونقلت رويترز عن مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد، يلفا جوهانسن، أن اليونان عارضت نقل المهاجرين من المخيمات، مضيفة أن الاتحاد الأوروبي يعمل مع الحكومة اليونانية على خطط طوارئ للمساعدة في الحد من المخاطر بالمناطق المكتظة في الجزر اليونانية.
ولم توقف جائحة كورونا محاولات اللاجئين المستمرة للوصول إلى أوروبا، فحتى الأسبوع الماضي، أعلن خفر السواحل التركي إنقاذ 13 لاجئاً سورياً في مياه بحر إيجة، كانوا يحاولون الوصول إلى اليونان.
وكانت تركيا عملت أواخر آذار/مارس الماضي، على إجلاء 5800 لاجئ موجودين منذ مطلع الشهر نفسه على معبر "بازار كوليه" على الحدود التركية- اليونانية، وذلك كإجراء احترازي لتفادي تفشي فيروس كورونا في تركيا.
3- حرب اليمن
في اليمن التي غابت أخبارها بسبب كورونا، لم تتوقف نيران الحرب تماماً، لكن وتيرتها تراجعت عن السابق، إذ كان التحالف العسكري بقيادة السعودية في اليمن أعلن يوم 8 أبريل/نيسان، وقف لإطلاق النار من جانب واحد، في خطوة قالت السعودية إنها تسمح بتركيز الجهود على الاستعداد لمواجهة كوفيد 19. لكن الحوثيين اعتبروا هذه الخطوة، مناورةً سياسية وإعلامية متهمين التحالف بقيادة الرياض بمواصلة العمليات العسكرية.
وتبادل الطرفان منذ ذلك الحين الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار مرات عديدة، كان آخرها الأربعاء 22 نيسان/أبريل، إذ اتهم الجيش اليمني في حكومة عبدربه منصور هادي، الحوثيين بارتكاب أكثر من 1428 اعتداءً منذ سريان الهدنة المعلنة من قبل التحالف في 8 من أبريل/نيسان الجاري.
واعتبرت اليمن آخر دولة عربية وصلها الوباء القاتل، بعد أن سجلت أول إصابة بفيروس كورونا المستجد على أراضيها الجمعة 10 نيسان/أبريل 2020، في محافظة حضرموت جنوباً، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.
واليمن الذي يعاني بالأصل، من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بسبب الحرب المستمرة منذ 5 سنوات، بين الحكومة الشرعية المدعومة من قبل السعودية، وبين جماعة "أنصار الله" الحوثي المدعومة من إيران، لم يكن ينقصه إلا إعلان أول إصابة، حتى يتفشى فيها الوباء كالنار في الهشيم، بحسب ما تحذر المنظمات الإغاثية والإنسانية.
لا يمكن لليمن الحصول على المساعدات الإنسانية والطبية بسبب الحصار الذي فرضه التحالف، وأدت الحرب الدائرة منذ خمسة أعوام لأكبر كارثة إنسانية في العالم، إذ يحتاج نسبة 80% من سكان اليمن للمساعدات الإنسانية، وتقف نسبة ثلثي البلاد خطوة واحدة بعيداً عن المجاعة.
وبسبب الحرب، شهد اليمن اندلاع موجات كوليرا كان يمكن منعها، ما يجعل سكانه عرضةً لفيروس كورونا. وقالت منظمة أوكسفام البريطانية في بيان الشهر الماضي، إن هناك 50 حالة كوليرا تظهر كل ساعة، كل هذا بسبب عدم توفر مياه الشرب الصحية، وفي هذه الظروف يمكن لفيروس كورونا الانتشار بسرعة.
4- احتجاجات العراق ولبنان
منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019، اندلعت الاحتجاجات الشعبية في العراق بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في البلاد، حيث وقع آلاف الشباب الثائرين بين قتيل وجريح ومعتقل، على يد القوات الأمنية، والميليشيات المسلحة. وخلال تلك الفترة، حاول الساسة العراقيون تهدئة الشارع بسبل ووسائل مختلفة، إذ تعيش البلاد حالة كبيرة من الفراغ السياسي بسبب عدم التوافق القوى على رئيس وزراء جديد، بعد الإطاحة بعادل عبدالمهدي، وتحويله إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حتى هذه اللحظة.
ومع وصول جائحة كورونا للبلاد، ازداد المشهد السياسي تعقيداً، حيث قام المتظاهرون بتوزيع المنشورات وإلقاء المحاضرات حول طرق الوقاية من الفيروس، وقاموا بتوزيع أقنعة طبية مجانية، والتي تضاعفت أسعارها في الأسواق المحلية. كما تقوم العيادات المؤقتة الآن -التي كان المحتجون قد أنشؤوها قبل أشهر لعلاج الضحايا الذين أصيبوا بالذخيرة الحية وعبوات الغاز المسيل للدموع- بتوزيع القفازات والمعقمات.
وعلى الرغم من أخطار التجمعات البشرية التي قد تعزز انتشار الوباء، استمر المتظاهرون العراقيون في نشاطاتهم وإن تقلصت بشكل كبير، في حين اعتمدوا فيها على الإنترنت لتحدي النظام والفساد والمحاصصة السياسية، حيث نادت التظاهرات الإلكترونية بحزمة من المطالب منها: التغير الجذري للوزراء؛ وإيقاف تشكيل الحكومة وفق نظام المحاصصة من خلال انتخاب شخصيات سياسية مستقلة تلقى موافقة جماهيرية؛ وإحالة الفاسدين إلى القضاء؛ وتغيير قانون الانتخابات والسير نحو إجراء انتخابات مبكرة.
ونجحت الاحتجاجات في تغيير الوضع السياسي الراهن في العراق؛ حيث بذل رؤساء الوزراء والمرشحون المتعاقبون الكثير من الجهود لإرضاء المتظاهرين ووقف الاحتجاجات، لكنهم فشلوا في تحقيق ذلك. وهكذا، دفع العنف المتكرر الذي مارسته السلطات العراقية والميليشيات المسلحة العراقيين للخروج إلى الشارع مرة أخرى، حيث أزعجت تلك الاحتجاجات السلطات والميليشيات لترد على المتظاهرين باستخدام الذخيرة الحية والرصاص المطاطي، والماء الحار، والغاز المسيل للدموع، والهراوات والسكاكين. كما تسببت عبوات الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي في مقتل المئات من المحتجين وجرح عشرات الآلاف.
وفي لبنان الذي يعاني من تردي صعب للأحوال المعيشية والاقتصادية، زاد وصول فيروس كورونا الطين بله في البلاد، حيث ما أن هدأت الاحتجاجات بعد تشكيل الحكومة الجديدة ووصول فيروس كورونا، حتى عادت الاحتجاجات المطلبية خلال الأسبوع الجاري.
فبرغم قرار الحكومة تمديد التعبئة العامة في البلاد حتى 26 مايو/أيار المقبل، تظاهر العشرات من أهالي الموقوفين في طرابلس شمالي لبنان يوم الخميس 23 أبريل/نيسان، وقطعوا الطريق الدولية للمطالبة بإقرار قانون العفو العام، ومن جهة أخرى، نفذ العسكريون المتقاعدون وقفة احتجاجية الخميس، أمام مبنى مصرف لبنان بطرابلس، للمطالبة والضغط على المصارف لتنفيذ قرار حاكم مصرف لبنان تجميد الحسم من الرواتب لسداد القروض بسبب الوضع الاقتصادي الراهن.
وفي بيروت، عاد عشرات المتظاهرين إلى الشوارع يوم الأربعاء 22 أبريل/نيسان في سياراتهم للتعبير عن غضبهم من زيادة الفقر والمعاناة، حيث اضطر المتظاهرون لارتداء الكمامات، خوفاً من انتشار المرض.
قبل تفشي المرض في البلاد، توقع البنك الدولي أن 40% من اللبنانيين سيصبحون تحت خط الفقر، بحلول نهاية عام 2020، ومن المتوقع أن ترتفع نسبة هذه التوقعات، مع اجتياح وباء كورونا في البلاد.
ومنذ منتصف مارس/آذار الماضي، لا يمكن للناس مغادرة منازلهم إلا لشراء الطعام أو الدواء، وذلك للحد من انتشار الفيروس، الذي أصاب 688 شخصاً، وأودى بحياة 22.
5- العداء الأمريكي الإيراني
بعد تفشي وباء كورونا في معظم دول العالم، تراجع التوتر الإيراني الأمريكي، بعد أن كان وصل ذروته في يناير/كانون الثاني، بعد اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، أهم رجال النظام الإيراني. لكن حملة الضغط القصوى الأمريكية ما زالت مستمرة على إيران، بل يتم تشديدها، في الوقت الذي تحول فيه كلا البلدين إلى بؤرة للوباء القاتل.
ومنذ اغتيال سليماني، توعّد القادة الإيرانيون أمريكا بمواصلة الانتقام لسليماني ورفاقه، حتى بعد استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، في الشهر ذاته.
وظل الأمريكيون يسوقون منذ ذلك الحين، بالتهديدات بالحرب وفرض العقوبات، في حين تعالت أصوات في الولايات المتحدة باستغلال أزمة كورونا، وطلب إيران لمساعدات من صندوق النقد لمواجهة الجائحة، لتخفيف التوتر معها، وتقديم مساعدات لها، قبل أن تتحول الولايات المتحدة لأكبر بؤرة لتفشي كورونا في العالم.
ومع استمرار تشديد العقوبات، واجتياح كورونا، أضعفت العقوبات الأمريكية الاقتصاد الإيراني وأنهكته بشكل كبير. ورغم أن واشنطن تؤكد أن المعدات الإنسانية والطبية لا تطالها العقوبات، فإن القيود المفروضة على المصرف المركزي الإيراني، وكذلك القيود على قدرة البلاد على التعامل مع بقية دول العالم تُفاقم مشاكل طهران.
ويرى خبراء أمريكيون أن السياسة الأمريكية تجاه إيران عالقة، إذ فشلت واشنطن في تغيير سلوك إيران إلا إلى الأسوأ. ففي آخر تطورات العداء المتبادل بين الطرفين، أعلن الحرس الثوري الإيراني، الأحد 19 أبريل/نيسان 2020، حدوث مواجهة بين زوارق إيرانية وبوارج حربية أمريكية في مياه الخليج، الأسبوع الماضي، متحدثاً عن أنه عزز من دورياته في الخليج نتيجة لذلك.
فيما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه أصدر توجيهاً يقضي بتدمير كل القطع البحرية الإيرانية التي "تقترب وتتحرش بالسفن الأمريكية في البحر".
6- أزمة إسقاط الطائرة الأوكرانية في إيران
في 8 من يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق الحرس الثوري الإيراني، صاروخاً قال إنه أصاب "الخطأ" طائرة مدنيّة أوكرانية، ما أسفر عن مقتل جميع ركابها الـ176، والذين كانوا يحملون جنسيات مختلفة. وكانت الطائرة في رحلة من طهران إلى العاصمة الأوكرانية، كييف، وكان على متنها 55 راكباً في طريقهم إلى كندا، وقد أسقطت وسط تصعيد للتوتر بين إيران والولايات المتحدة.
فقبل ساعات من تفجير الطائرة الأوكرانية، استهدفت صواريخ إيرانية قاعدتين جويتين في العراق تضمان قوات أمريكية، رداً على اغتيال الولايات المتحدة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني.
وظلت إيران تنفي أي مسؤولية عن الحادثة لمدة ثلاثة أيام بعد تحطم الطائرة، ولكن الحرس الثوري الإيراني أعلن، بعد ضغط دولي، تحمله المسؤولية، قائلاً إن أفراده ظنوا أن الطائرة "صاروخ كروز".
تلك الأزمة، اندلعت في وقت شديد الحساسية بالنسبة إلى إيران، من حيث علاقتها مع المجتمع الدولي، ووضعها في الداخل، بعد أن بدأت احتجاجات مناهضة للحكومة تطالب بمحاسبة المسؤولين عن الحادثة، فيما ضغطت دول عديدة على إيران لكشف تفاصيل الحادثة كاملة، ومحاسبة المسؤولين عنها، ودفع تعويضات ضخمة لعائلات الضحايا.
فقد شكلت خمس دول، كان معظم مواطنيها على متن الطائرة، مجموعة لتنسيق ردّها على إيران، وهذه الدول هي كندا، وبريطانيا، وأوكرانيا، والسويد، وأفغانستان. لكن بعيد ذلك، بدأت جائحة كورونا في الانتشار، وتحولت إيران في تلك الفترة، لثاني أكبر بؤرة بعد الصين في العالم، حيث تفشى الفيروس وأصابات وقتل عشرات الآلاف من الإيرانيين، وغابت أخبار حادثة الطائرة عن الأنظار.