رمضان جديد يحلّ على اللاجئين السوريين في لبنان، لكنه الأصعب خلال سنوات الشتات واللجوء، خاصة مع انتشار جائحة كورونا.
وتنشغل دول العالم حالياً بمحاربة الفيروس، غير آبهةٍ بالعائلات التي هربت من شظايا البراميل المتفجّرة، جراء الحرب السوريّة، ولجأت إلى الخيم، لتبقى على قيد الحياة، وهي الآن بأمسّ الحاجة للرعاية أكثر من أيّ وقت مضى.
تتحضر مخيمات اللجوء للشهر المبارك في قلق من تطورات كورونا وتداعيات أسوأ أزمة اقتصاديّة وماليّة يعانيها لبنان.
ولا يملك غالبية اللاجئين رفاهية البقاء داخل الخيم من دون عمل يكسبون منه القوت اليومي لعائلاتهم، فضلاً عن تأمين سبل الوقاية أو الرعاية الصحية في ظل الجائحة.
وسجّل لبنان حتى مساء الخميس، 688 إصابة بكورونا، بينها 22 وفاة.
وإجمالاً أصاب الفيروس حتى صباح الجمعة، أصاب كورونا أكثر من مليونين و726 ألفاً بالعالم، توفي منهم أكثر من 191 ألفاً، وتعافى أكثر من 749 ألفاً، وفق موقع "وورلد ميتر" المختص برصد ضحايا الفيروس.
الحياة في الخيم
على مدى 9 سنوات اختلفت أجواء شهر رمضان بين اللاجئين السوريين، فشتان بين من يقيم تحت سقف بيته في وطنه ومن يعيش في خيمة ملفوفة بأكياس من النايلون، ثبتّت بدواليب (إطارات) السيارات، لتتحدى الفصول الأربعة.
وقالت حنان الزهوري (34 عاماً)، من منطقة القصير وتعيش بمخيم للاجئين في عكار (أقصى الشمال اللبناني)، للأناضول: "في أغلب الأيام لا نملك ثمن ربطة الخبز، والمساعدات شبه غائبة منذ 10 أيام تقريباً حصلنا على كرتونة إعاشة، لكنها لا تكفي لإطعام أولادي العشرة".
وتساءلت: "كيف سنصوم هذا العام.. لا نعلم وفي الأساس نحن نشتهي الخبز، ناهيك عن غياب الوقاية من كورونا".
وختمت والدمعة في عينيها: "المُسلّم الله هو يعلم كيف يدبّر أحوالنا".
ووصف الشيخ رشيد صطوف (60 عاماً)، من منطقة البويضة، الوضع بأنه أصعب سنة تمرّ على اللاجئين.
بغصّة وحرقة، أخبر الأناضول أنه "في الأعوام السابقة كان بإمكاننا الحصول على مؤونة (مساعدات غذائية) للشهر الفضيل، لكنّ هذا العام لا نملك القدرة المادية".
وتابع: "انظروا إلى وجوهنا.. الحزن والألم يتحكمان بنا، وما زاد الطين بلّة جائحة كورونا التي فرضت علينا البقاء داخل الخيم".
واستطرد: "فقدنا البهجة.. لا أتحدث عن بهجة هذا الشهر الفضيل، وإنّما الحياة بأكملها".
جائحة كورونا
زادت جائحة كورونا وتداعياتها العبء على عائلات اللاجئين في مخيمات عكّار، حتى أثقلت كاهلها؛ بسبب الفرقة والجوع والفقر، وبقي شهر رمضان وما فيه من طقوس أثير الذكريات وحنين لا ينتهي.
هذا ما أكده للأناضول فاضل شحادة (62 عاماً) من منطقة القصير بقوله: "هذا العام يمرّ علينا الشهر الفضيل من دون طعم ولذّة، لا سيّما أن الأجواء الرمضانيّة غائبة عن المخيم، خصوصاً مع إقفال المساجد بسبب كورونا".
وأكمل: "الظروف المالية صعبة للغاية، وهذا الأمر ينعكس علينا بشكل سلبي، إذ لا نستطيع تأمين ربطة الخبز مع توقف الأعمال".
بنبرة صوت عالية، قال شحادة: "انظروا إلى وجوهنا.. دموعنا لا تنشف، نحن نعاني الويلات مع غياب المساعدات.. كيف أعيل أولادي الـ 13 اتكالي على الله".
حال عدنان الكنج (60 عاماً) من منطقة القصير أيضاً لا يختلف عن غيره، حيث قال: "من هو مقتدر في المخيم يستطيع شراء بعض الخضار لعائلته".
وأضاف: "نُقبل على شهر الرحمة، ونسأل أهل الخير أن ينظروا إلينا بعين الرأفة".
وعن أمنيته لهذا الشهر الكريم، أجاب: "نتمنى أن يفرجها الله علينا، ونعود إلى ديارنا بسبب كلّ ما نعاني منه".
رمضان الوطن
رداً على سؤال بشأن ما تحتاجه قبل حلول رمضان، أجابت صالحة الحسين (48 عاماً)، من ريف القصير: "أتمنى أن يرفع الله عنا هذا الوباء، وأن يكون هذا آخر عام في مخيمات اللجوء".
وحول المساعدات من المنظمات، قاطعتنا قائلة: "كلّ 15 يوماً نحصل على حصة غذائية تحتوي على برغل وأرز، لكنّه غير كافٍ لإشباع عائلتي".
وحول إن كانت ترغب في العودة إلى سوريا، قالت: "هربنا بسبب القنابل، ولجأنا إلى لبنان، لا أنكر أنني أفكر في العودة، لكن في الوقت الراهن لا عودة جدية؛ بسبب ظروف عدّة".
وأخبرت الأناضول في ختام حديثها: "بسبب الغلاء المستشري هذه الأيام لا أستطيع تأمين الموز أو التفاح لأولادي".
ولا تنتهي حكايات اللاجئين، في ظلّ تجاهل مناشداتهم من جانب المنظمات والسلطات اللبنانية، لكنّ العتب وحده يطغى على ألمهم الظاهر على ملامحهم.
وصعّدت السلطات اللبنانية، في 2017، مطالبتها بعودة اللاجئين إلى سوريا، وضغطت على المفوّضية الأممية لتنظيم عمليات العودة، رغم استمرار النزاع في سوريا والمخاوف المبررة من ملاحقة السلطات للعديد من اللاجئين العائدين.
ويزيد من صعوبة الأوضاع في لبنان أنه يشهد منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من آن إلى آخر طرقات رئيسية ومؤسسات حكومية.
مساعدات غذائية خجولة
بحسب تامر الشويرتاني، ناشط متطوع في جمعية "سوا منوصل"، فإنه "بمناسبة حلول الشهر الفضيل هناك أفراد يقومون بمبادرات فردية للاجئين، ونحن نقوم بتوزيعها عليهم".
وأضاف الشويرتاني للأناضول أن "المساعدات تأتي على سبيل مواد غذائية أو مساعدات ماديّة، ونحن نقوم بشراء كلّ ما يستلزم اللاجئين من خبز ومواد أساسيّة".
واستطرد: "نقوم بكلّ ما بوسعنا لإعالة مئات العائلات في مخيمات اللجوء، صحيح أنّ هناك ظروفا مالية صعبة، لكنّ روح النخوة والشهامة موجودة، لا سيما في رمضان".
وتابع: "فريقنا مؤلف من 140 متطوعاً من مختلف الجنسيات، وجميعهم يمتلكون خبرات بشتى المجالات، إذ نسخرها ليس فقط من خلال المساعدة العينية، وإنما من خلال خدمة كلّ ما يستلزم اللاجئين".
وأردف: "أطلقنا مبادرات عدّة لشهر رمضان غير توزيع الحصص الغذائية، وإنما أيضاً تعليم اللغة الإنجليزية ضمن ساعات محدّدة والدراسة تكون عن بُعد".
وعن مدى استجابة المخيمات للإجراءات الاحترازية في ظلّ جائحة "كورونا"، أجاب الشويرتاني: "تعاونا مع الهيئة الطبية الدولية (منظمة الصحة العالمية) وقدمنا جلسات توعية لما يقارب 60 مخيماً".
واستطرد: "خلال عملنا في المخيمات لمسنا الخوف لدى اللاجئين من تداعيات الجائحة الاقتصادية أكثر من تداعياتها على صحتهم، في ظلّ انعدام فرص العمل وغلاء الأسعار".
وعن نسبة العائلات التي تحصل على دعم غذائي، قال إن "مفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي تساعد 30% إلى 35% من السوريين في لبنان".
وتابع: "بحسب إحصائية مفوضية شؤون اللاجئين هناك 910 آلاف لاجئ سوري مسجّل (لديها)، أي هناك ما يقارب 300 ألف لاجئ يحصل (كل منهم) على 27 دولاراً من البرنامج". وتقدّر الحكومة من جانبها عدد السوريين الفعلي في لبنان بـ1.5 مليون.