شهد مطلع العام الحالي ذروة التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، بعد اغتيال قاسم سليماني، ثم الرد الإيراني الذي جاء محسوباً، لكن جاءت كارثة وباء كورونا لتغطي على الصراع بين الطرفين وتجلياته في المنطقة، فهل يعني ذلك أن احتمالات اندلاع مواجهة مسلحة قد انتهت؟
موقع ذا ناشيونال إنتريست الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "دونالد ترامب بحاجة إلى استمرار ممارسة أقصى ضغط على إيران"، تناول تداعيات إخفاق النظام الإيراني وتزايد الغضب الشعبي، وهو ما قد يدفع طهران للتصرف بعدوانية تجاه عدو خارجي.
بؤرة تفشي الوباء في الشرق الأوسط
برزت إيران كبؤرة إقليمية لوباء كورونا المدمر، حيث بلغ عدد الوفيات بها أكثر من 4000 شخص، بينهم العديد من كبار القادة، وتأتي هذه الطوارئ الصحية العامة الكارثية، التي تفاقمت بلا داع بسبب إهمال طهران، بعد شهور من انتكاسات للنظام الذي يمزق شرعيته المحلية بثبات، لذلك يجب أن تظل الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط متيقظين في ظل سعي القادة الإيرانيين الآن إلى صرف اللوم عن سياساتهم الفاشلة، والاستعداد لاحتمال تزايد العدوان الإيراني في منطقة محاصرة بالفعل.
لقد وجه منتقدون للنظام الإيراني اتهامات مباشرة بمفاقمة أزمة فيروس كورونا من خلال الإبقاء على الرحلات الجوية من وإلى الصين، وتجاهل التحذيرات المبكرة من مسؤولي الصحة المحليين، وتأخير الإبلاغ عن الحالات الأولية، والفشل في إغلاق المواقع والطقوس الدينية كثيفة الحضور بسرعة.
ولم تؤد هذه الأخطاء الفادحة إلى إلحاق الأذى بالإيرانيين فحسب، بل إلى المجموعات السكانية الضعيفة الأخرى في الشرق الأوسط، التي تعرضت لفيروس كورونا بسبب الرحلات التي تسافر من إيران، بما في ذلك في العراق ولبنان وأفغانستان، ومن المحتمل أن السلطات تخفي أيضاً الأرقام الحقيقية للإصابات والوفيات، وهو ما يشير أيضاً إلى أن أولوياتها تكمن في احتواء انتقادات الجمهور، بدلاً من ضمان سلامتها.
التصرف بشكل عدواني
وحذر قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكينزي من أن إيران قد تتفاعل مع الأزمة الداخلية من خلال محاولة تعزيز الدعم المحلي ضد عدو خارجي مشترك؛ إحدى استراتيجياتها المجربة.
ولقد أشار النظام الإيراني دون خجل إلى أن فيروس كورونا هو مؤامرة أمريكية وصهيونية، وألقى باللوم على العقوبات الأمريكية، التي يطالب النظام برفعها لأسباب إنسانية، باعتبارها سبب تفاقم الأزمة، وفي الوقت نفسه رفضت إيران بشكل صريح عروض المساعدة الإنسانية من واشنطن، وتمسكت بالسياسات الخطيرة التي أدت إلى فرض عقوبات، مثل دعم الميليشيات التي تقتل القوات الأمريكية وتعرقل المفتشين النوويين الدوليين، حسب تقرير المجلة الأمريكية.
يجب على واشنطن أن تستمر في تقديم المساعدة الإنسانية للتخفيف من معاناة الشعب الإيراني، حتى عندما يرفضها القادة الإيرانيون، كما يمكن أن تطمئن واشنطن البنوك المترددة في تسهيل المعاملات الإنسانية -المعفاة من العقوبات- مع إيران بسبب الخوف من العقوبات الأمريكية.
هل يجب تخفيف العقوبات؟
مع ذلك، يجب أن تقاوم واشنطن الدعوات، سواء من المشرعين الأمريكيين أو الحلفاء الأجانب، للسماح للنظام بالتلاعب بهذه الأزمة والتهرب من العقوبات التي استثنت دائماً الإمدادات الطبية وغيرها من الإمدادات الإنسانية، ومن الضروري استمرار الضغط على القادة الإيرانيين، إلى جانب حملة إعلامية نشطة تظهر الدعم الأمريكي للجمهور الإيراني الذي عانى طويلاً.
يجب على الولايات المتحدة أن تتوقع استمرار الأنشطة التي تمارسها إيران في الشرق الأوسط، حتى في الوقت الذي تتعرض فيه المنطقة لوباء مدمر وتخفيض مؤلم في أسعار النفط. وحالياً يكسب الوكلاء الإيرانيون تصعيداً مع القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق، والذي لم يرتفع إلا منذ انتشار فيروس كورونا.
على الولايات المتحدة أن توضح أنها سترد بشدة على أي هجمات إيرانية أو بالوكالة على قواتها في المنطقة. كما يجب أن تحافظ على موقف رادع قوي، بما في ذلك ضمان أن قواعدها حول الشرق الأوسط لديها دفاعات مناسبة للحماية من مثل هذه الهجمات.
كما يجب على شركاء أمريكا الإقليميين، وعلى الأخص إسرائيل ودول الخليج، الاستعداد لإمكانية العدوان المكثف، بما أن العداء الإيراني لن يتلاشى بمجرد أن تخفت أزمة فيروس كورونا، فيجب على الولايات المتحدة أيضاً البدء في إعداد إجراءات طويلة المدى الآن، وتشمل هذه الإجراءات تجديد مخزونات الأسلحة الأمريكية القديمة المخزنة مسبقاً في إسرائيل، والتي من شأنها تعزيز الردع والاستعداد الإسرائيلي، وبالتالي المساعدة في الدفاع عن المصالح الأمريكية والإقليمية.
يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لمساعدة الشعب الإيراني وهو يواجه ويلات وباء فيروس كورونا، كما يجب عليها أن تستعد بشكل متزامن للدفاع عن قوتها الإقليمية ومصالحها، مع الاستمرار في الضغط على النظام الإيراني، الذي يجب مواجهة سلوكه الخبيث في كل فرصة.