بعد نجاح القوات المتحالفة مع الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، في إجبار قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر على التراجع على طول الساحل غرب العاصمة طرابلس، أعلنت قوات الوفاق الزحف نحو ترهونة، فما الأهمية الاستراتيجية لتلك البلدة وماذا تمثل للجانبين المتصارعين؟
ماذا تمثل ترهونة؟
تقع ترهونة على بُعد 65 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس، وتمثل قاعدة مهمة لجيش حقتر -الذي يسميه الجيش الوطني الليبي- كما توفر قوة بشرية محلية لهجوم حفتر على العاصمة والذي انطلق قبل أكثر من عام، وتعتبر رأس الحربة لقوات حفتر جنوب طرابلس، وهي بمثابة غرفة العمليات الرئيسية لتلك القوات.
الهجوم الذي انطلق السبت 18 أبريل/نيسان، جاء شاملاً بهدف السيطرة على المدينة الاستراتيجية التي تُعد نقطة الارتكاز الوحيدة لخليفة حفتر في هجومه على العاصمة، وبها غرفة عمليات رئيسية، ومنها يتم تزويد جبهات القتال جنوب طرابلس بالإمدادات، عبر 7 محاور رئيسية.
وتركزت خطة قوات الوفاق، على الهجوم من 7 محاور رئيسية، بهدف محاصرة قوات حفتر من الشمال والشرق والغرب والجنوب الغربي، مع ترك منفذ من الجنوب لهروب ميليشيات حفتر والكانيات (ميليشيات ترهونة) إلى مدينة بني وليد (180 كم جنوب شرقي طرابلس)، بحسب تقرير لوكالة الأناضول، نُشر الأحد 19 أبريل/نيسان.
كما تعتمد خطة قوات الوفاق، على تكثيف الهجوم في محوري المشروع وصلاح الدين، جنوب طرابلس؛ لدفع ميليشيات حفتر إلى خيارين أحلاهما مُر: إما الانسحاب من طرابلس لإنقاذ ترهونة، وإما التمسك بمواقعهم جنوب العاصمة وترك ترهونة تسقط في يد قوات الوفاق.
محاور 7 للهجوم
وتتمثل المحاور السبعة التي ينطلق منها هجوم قوات "عاصفة السلام"، التي أطلقتها قوات الوفاق، في محور الزطارنة (شمال ترهونة)، ويقع هذا المحور شرق طرابلس، بالقرب من مدينة القره بوللي (50 كم شرق طرابلس)، ويتفرع منه محور صغير يسمى القويعة، وشهد تقدماً لقوات الوفاق نحو الحدود الشمالية لترهونة، ويعتبر من المحاور الرئيسية التي تشهد قتالاً متواصلاً منذ أشهر.
والمحور الثاني هو القره بوللي (شمال ترهونة) ويسمى أيضاً المحور الساحلي، وتوجد به كتائب من مدينة مصراتة (200 كم شرق طرابلس)، ويمثل المحورَ الرئيسي لهجوم قوات الوفاق على ترهونة، وحقق أهم الانتصارات، السبت، حيث تمكن من طرد ميليشيات اللواء التاسع التابع لحفتر من جنوب القره بوللي، وسيطر رفقة القوات القادمة من الزطارنة على أهم المناطق شمال ترهونة، مثل الرواجح والشريدات والحواتم والعبانات والمصابح، وأَسَر عشرات من مسلحي الكانيات وغنم عدة دبابات وآليات ومدافع وذخائر.
أما المحور الثالث فهو مسلاتة (شرق ترهونة) ويسمى أيضاً محور وادي تارغلات، وتوجد فيه كتائب قادمة من مدينتي زليتن والخمس (شرق طرابلس)، وتتقدم هذه القوات باتجاه منطقة الخضراء البوابة الشرقية للمدينة. والمحور الرابع هو غريان (جنوب غربي ترهونة)، وينطلق من مدينة غريان (100 كم جنوب طرابلس) باتجاه منطقة فم ملغة، البوابة الغربية للمدينة، وسيطرت قوات الوفاق لحدّ الآن على بوابة الويف، الواقعة بين ترهونة وبلدة العربان.
وهناك أيضاً محور طويشة (غرب ترهونة)، وهو من المحاور الرئيسية جنوب العاصمة، ويقع غرب مطار طرابلس القديم الذي تسيطر عليه ميليشيات حفتر والكانيات، وحققت قوات الوفاق تقدمات جيدة بهذا المحور، وتسعى من خلاله للتقدم نحو بلدة سوق السبت (جنوب المطار القديم)، لقطع خط الإمدادات بين بلدة السبيعة (45 كم جنوب طرابلس) وحي قصر بن غشير (25 كم جنوب طرابلس) المحاذي للمطار، وإذا سيطرت على السبيعة فالطريق يصبح مفتوحاً نحو ترهونة، ويمكن أن تلتحم مع قوات الوفاق القادمة من غريان في فم ملغة، بحسب الأناضول.
ثم محور المشروع (جنوب طرابلس)، ويعتبر أخطر المحاور على العاصمة طرابلس، حيث يحاذي حي أبوسليم الشعبي، جنوب العاصمة، وتحاول قوات الوفاق استغلال الهجوم على ترهونة لدفع ميليشيات الكانيات إلى الانسحاب من المحور والعودة للدفاع عن مدينتها، وتمكنت قوات الوفاق من تحقيق بعض التقدم في هذا المحور، لكنه ليس حاسماً حتى الآن. وأخيراً محور صلاح الدين (جنوب طرابلس)، وهو محور موازٍ لمحور المشروع جنوب طرابلس، وحققت فيه قوات الوفاق بعض التقدم، لكنه يعتبر من نقاط الثقل الرئيسية لحفتر جنوب طرابلس، لذلك تركز قوات الوفاق على دفع الميليشيات ومرتزقة فاغنر الروسية و"الجنجويد" السودانية إلى التراجع بعيداً عن الأحياء المكتظة بالسكان جنوب طرابلس.
قوات حفتر تنفي سقوط ترهونة
على الجانب الآخر، قال شاهد من ترهونة، مساء السبت، لـ"رويترز"، إن السكان سمعوا دوي انفجارات منذ صباح السبت، أعقبها صوت اشتباكات عنيفة في منطقة نائية من البلدة استمرت ما يصل إلى ست ساعات، وقال مسؤولون في جيش حفتر لـ"رويترز"، إن قوات الوفاق فشلت في دخول ترهونة وإن الهجوم -وهو الأول منذ قيام حفتر بشن هجومه على طرابلس في أوائل أبريل/نيسان عام 2019- تم صدُّه. وقالوا أيضاً إنهم أسقطوا طائرة مسيَّرة.
وقال مسعفون محليون إن العاصمة شهدت قصفاً عنيفاً في الأيام القليلة الماضية، وإن القصف استمر يوم السبت؛ مما تسبب في إصابة عشرة مدنيين على الأقل.
يتزامن هجوم حكومة الوفاق الوطني مع محاولة السيطرة على قاعدة الوطية الجوية التي تبعد نحو 125 كيلومتراً جنوب غربي طرابلس، وكذلك على موطئ القدم الاستراتيجي للجيش الوطني الليبي في طرابلس، وهو ما يعد تحولاً نوعياً في معركة طرابلس.