يُنذر الدعم العسكري المكثف من تركيا لحكومة الوفاق الليبية، بتغيير مجرى الأحداث في الحرب الليبية التي تغيب تطوراتها عن أنظار العالم المشغول بحشد موارده لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد.
وتتأهب حكومة طرابلس المعترف بها دولياً، وبدعم عسكري رسمي من أنقرة، لتغيير ميزان القوى في حربها ضد ميليشيات حفتر المتمركزة شرق ليبيا، المدعومة من الإمارات ومصر ومرتزقة روس. تقول وكالة Bloomberg الأمريكية إن هذا التغير في مجرى الحرب يتكشف في قاعدة "الوطية" الجوية، الواقعة في صحراء إلى جنوب غرب العاصمة المتنازع عليها.
حصار قاعدة الوطية الاستراتيجية
في مارس/آذار 2019، شن خليفة حفتر هجومه على طرابلس عندما حلَّقت طائرات شحن مُحمَّلة بالذخيرة والأسلحة من معقله الشرقي إلى قاعدة "الوطية". وسرعان ما بدأت تقلع المقاتلات المتهالكة التي تعود للحقبة السوفيتية من القاعدة لقصف العاصمة، مقر الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة.
وبعد أكثر من عام، أصبحت "الوطية" ملجأ محاصراً للموالين لحفتر الهاربين بعد أن شنت قوات حكومة الوفاق المدعومة بالأسلحة التركية هجوماً كاسحاً، واستولت على سلسلة من البلدات الغربية في الأسبوع الماضي.
أفدح الخسائر
قال أسامة الجويلي، اللواء الذي يرأس العمليات المشتركة لحكومة طرابلس، في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ، إنَّ المواجهة ستنتهي برحيل قوات حفتر. وقال المحلل الليبي محمد الجرح إنه إذا حدث ذلك "فسيمثل أكبر خسارة استراتيجية لحفتر منذ بدء هجوم طرابلس".
وأدى تدخل تركيا لدعم رئيس الوزراء فايز السراج، على الأقل إلى الآن، إلى تغيير مجرى الحرب، التي اجتذبت المنافسين الدوليين الحريصين على تأمين نفوذ لهم في الدولة المضطربة، العضو في أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط) التي تُشكِّل معبراً رئيسياً للهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط إلى أوروبا.
على الجانب الآخر، من غير المرجح أن تتنحى الدول التي تدعم حفتر، فمن شأن السماح بهزيمة المشير الذي يسيطر على المنشآت النفطية الرئيسية في البلاد أن يسفر عن المزيد من المخاطر لهم. لذا يُرجَّح أن تشهد الدولة التي دخلت في حالة اضطراب منذ ثورة 2011 المدعومة من الناتو التي أطاحت معمر القذافي مزيداً من الصراع.
معركة طائرات بدون طيار
في الوقت الحالي فقدت الطائرات بدون طيار من طراز "وينغ لونغ"، صينية الصنع، التي يقول دبلوماسيون غربيون إنَّ دولة الإمارات هي التي تسيرها- حرية التحليق في سماء طرابلس ومصراتة المجاورة، حيث شنت غارات جوية حتى أواخر العام الماضي. وفي المقابل، تزداد هيمنة الطائرات التركية المسلحة بدون طيار من طراز "بيرقدار".
في هذا السياق، قال مسؤول تركي رفيع المستوى، مُطلِّع على سياسة بلاده إزاء ليبيا، طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه يناقش معلومات حساسة، إنَّ تركيا "تدعم بنشاط" الهجوم المضاد الذي تشنه قوات السراج لهزيمة حفتر. ومن جانبها، رفضت الحكومة التركية التعليق. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أقر بالخسائر التي لحقت بلاده في الهجمات التي شنّها الجيش الوطني الليبي، وتعهد بتلقين قائده حفتر درساً.
قال ولفرام لاخر، الخبير الليبي في مركز أبحاث SWP الألماني: "تغير ميزان القوى في الشهرين الماضيين بسبب الدعم التركي وما جلبته تركيا من حيث المعدات والمقاتلين. هذا يثير حقاً سؤالاً بشأن مؤيدي حفتر: "ماذا سيفعلون؟" ويثير احتمالات كذلك بحدوث مزيد من التصعيد إذا قرروا الرد، وهو ما أتوقع أن يفعلوه".
ويتفق معه في الرأي دبلوماسيون عرب وغربيون، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، ورجحوا أنَّ داعمي حفتر في القاهرة وأبوظبي سيعززون من دعمهم له، وهو ما سيزيد من تعقيد الاضطرابات.
وعلى مدار عدة أيام، استهدفت الطائرات بدون طيار التركية شاحنات الوقود وقوافل الإمدادات الخاصة بقوات حفتر في غرب ليبيا. وأسفرت غارة شنتها طائرة بدون طيار، الشهر الماضي، عن مقتل أحد كبار قادة قوات حفتر بالقرب من مدينة سرت. من جانبها، تواصل قوات حفتر تشغيل أنظمة الدفاع الجوي "بانتسير"، روسية الصنع، التي تُسقِط الطائرات بدون طيار التركية، لكنها لا تستطيع تغطية ساحة المعركة الآخذة في الاتساع.
حفتر وداعموه في موقف دفاعي
من جانبه، تعهد اللواء مبروك الغزوي، أكبر مسؤول عسكري في قوات حفتر بالمنطقة الغربية، بأنه إذا لم توقف تركيا ضرباتها فسيستهدف ناقلة نفط مملوكة لشركة النفط الوطنية الليبية وترسو في ميناء طرابلس، بالإضافة إلى أهداف أخرى في ميناء، حسب وصفه. وكان جيش حفتر قد هاجم في السابق المطار الرئيسي في المدينة والميناء، الذي يُستخدم لتفريغ شحنات الإمدادات التركية.
وفي وقت مبكر من العام، بدا أنَّ الجهود الدولية المبذولة لوقف الحرب وإعادة إعمار ليبيا تؤتي ثمارها؛ إذ اتفق الجانبان مبدئياً على وقف إطلاق النار، وتعهد مؤيدوهم في قمة يناير/كانون الثاني، باحترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلاد. لكن سرعان ما تداعت تلك الاتفاقيات، وكذلك الخطط اللاحقة لفرض هدنة إنسانية للمساعدة في احتواء فيروس كورونا المستجد.
وبدلاً من ذلك، تصاعدت الحرب. وتقول الأمم المتحدة إنَّ كل جانب لا يزال يتلقى الإمدادات من داعميه، حتى بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي انطلاق عملية لإنفاذ الحظر على الأسلحة. وقال دبلوماسيان غربيان إن شركة Wagner، التي يديرها مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرسلت مزيداً من المرتزقة إلى ليبيا خلال الشهر الماضي.
وعلَّق عماد الدين بادي، خبير في الشأن الليبي وزميل قديم غير مقيم في مؤسسة Atlantic Council البحثية: "حفتر وداعموه في موقف دفاعي، لكني لا أعتقد أنهم سيسمحون بأن تلحق به الهزيمة".
معركة ترهونة
وفي أحدث التطورات العسكرية على أرض المعركة، أطلقت حكومة الوفاق، السبت 18 أبريل/نيسان 2020، عملية عسكرية واسعة لاستعادة مدينة ترهونة الاستراتيجية، وهي مدينة تُمثل رأس الحربة لقوات حفتر جنوب طرابلس.
وقال مصدر عسكري تابع لحكومة الوفاق في تصريح لوكالة الأناضول إن "قواتهم بدأت عملية تحرير ترهونة"، التي تعتبر غرفة عمليات رئيسية لقوات حفتر غربي ليبيا. وأضاف المصدر -الذي لم تذكر الوكالة اسمه- أن "القوات الحكومية تحرز تقدماً باتجاه ترهونة من عدة محاور، أبرزها منطقة القربولي شرق طرابلس ومدينة مسلاتة جنوبها".
تكتسب مدينة ترهونة أهمية كبيرة لكونها تُعتبر رأس حَربة لقوات حفتر في المناطق الجنوبية للعاصمة طرابلس، كما أنها تضم اللواء التاسع، أحد أبرز الفرق العسكرية الداعمة لحفتر.
كانت أكبر خطورة شكَّلها اللواء التاسع ترهونة، أنه على عكس قوات حفتر القادمة من الشرق يعرف عناصره جيداً أرض المعركة، وجزء من أحياء وسكان طرابلس امتداد لترهونة ذاتها، لذلك فأغلب التقدمات التي أحرزها حفتر جنوبي طرابلس كانت بفضل اللواء التاسع، خاصة في بداية المعركة، وقبل دخول مرتزقة فاغنر الروسية.
وتشير الوقائع الميدانية إلى أن قوات حفتر في ترهونة ستواجه صعوبة في الصمود، فنظراً لوجود المدينة في منطقة تحيط بها جبال، وتفتقد لمطار أو منفذ بحري، فهي مضطرة للاعتماد بشكل كبير على الإمدادات البرية القادمة عبر بني وليد، خاصة بعد توقف الإمدادات القادمة من طرابلس ومصراتة وغريان.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، قد قال الثلاثاء 14 أبريل/نيسان 2020، إن قوات الوفاق "ستحتفل قبيل شهر رمضان المبارك (نهاية الأسبوع الجاري) بتحرير ترهونة وعديد من المناطق، وفقاً للخطط العسكرية".