أصبحت السماء خاوية على نحو غريب هذه الأيام، فيما يمثّل تحديّاً جديداً لشركات الطيران العالمية عندما تحاول العمل على حماية آلاف الطائرات المتوقفة أرضاً في مرافق التخزين وعلى مدارج الطيران.
وفقاً لشركة البحوث والتحليلات Cirium، هناك أكثر من 16,000 طائرة ركاب متوقفة أرضاً في العالم بسبب جائحة فيروس كورونا والقيود التي فرضتها على السفر والتي تسببت في ضغوط غير مسبوقة على شركات الطيران من الناحية المالية. إذ فجأة أصبحت أولويات شركات الطيران في 2020 هي العثور على المساحة والظروف المناسبين لإيقاف 62% من طائرات العالم والحفاظ عليها في حالة صالحة للطيران لاحقاً، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
الطائرات لا تعود ببساطة إلى العمل بعد التوقف لفترة طويلة، بل تحتاج إلى الكثير من العمل والعناية أثناء توقفها، من صيانة المحركات الهيدروليكية وأنظمة التحكم في الطيران إلى حمايتها من الحشرات والحياة البرية، وخاصة مشكلة تعشيش الطيور. وبعد ذلك هناك مشكلة الرطوبة التي قد تتسبب في تآكل وتلف الأجزاء الداخلية. حتى عندما تتوقف الطائرات على المدارج، غالبًا ما تكون مليئة بالوقود حتى لا تتأرجح تحت وطأة الرياح القوية ولضمان الحفاظ على كفاءة خزانات الوقود.
قال أناند بهاسكار، الرئيس التنفيذي لشركة إصلاح وصيانة الطائرات، Air Works، في نيودلهي: "لم يكن أحد يتخيل الحاجة إلى تخزين وحماية كل هذا القدر من الطائرات. توفير مساحة لإيقاف الطائرات مشكلة بحد ذاتها. تفاصيل الأزمة عبارة عن كوابيس لوجستية نحاول العمل على حلها".
توقف أرضي جماعي
وفقاً لشركة Cirium، عدد طائرات الركاب التي تعمل حالياً هو الأقل منذ 26 عاماً. إدارة عمليات تخزين بهذا الحجم تمثل تحدياً لشركات الطيران التي تعاني من أزمة طاحنة بالفعل، مع تخفيض شركات الطيران حول العالم طاقاتها إلى ما يقرب من الصفر أو لا تطير أي من طائراتها على الإطلاق. وحذر اتحاد النقل الجوي الدولي من أن عائدات طيران الركاب قد تنخفض بنحو ثلث تريليون دولار هذا العام وأن هناك 25 مليون وظيفة معرضة للخطر.
وتبحث شركات الطيران عن مساحات أرضية في المطارات أو في مرافق تخزين طويلة المدى في الأماكن القاحلة مثل المناطق النائية في أستراليا وصحراء موهافي في الولايات المتحدة. في مطار سخيبول أمستردام، تمتلك شركة الطيران KLM Group أكثر من 200 طائرة عند البوابات وعلى المدارج، مرتبة وفقاً للحجم والنوع، مع توفير مساحة كافية للطائرات لكي تُقطر في حال حاجة أي منها للصيانة.
وكتبت أنيميك كورنيلجي، مديرة مجتمع KLM: "مطار سخيبول ممتلئ عن آخره، ولكن للأسف ليس بالركاب، وإنما بالعديد من الطائرات المتوقفة في الحظائر وحتى على المدارج. كان تنفيذ هذا المشهد الحزين والفريد أشبه بألعاب وأحجيات مواقف السيارات"، مضيفةً أن مطار سخيبول لا يفرض رسوماً على إيقاف الطائرات.
تختلف رسوم إيقاف الطائرات من مطار لآخر. في الهند، تبلغ تكلفة التوقف 1,000 دولار في اليوم الواحد للطائرة الكبيرة، وفقاً لمارك مارتن، مؤسس شركة Martin Consulting LLC في دبي. وقال إن شركات الطيران التي تمتلك أسطول بأكثر من 250 طائرة، حتى إذا حصلت على نسبة خصومات كبيرة، قد تصل تكلفة إيقاف طائراتها أكثر من 12.5 مليون دولار لمدة ستة أشهر، دون الأخذ في الاعتبار تكاليف الصيانة.
وقال اتحاد النقل الجوي الدولي في مجلته الإلكترونية إنه طالب الحكومات بخفض رسوم إيقاف الطائرات، والتي تمثل عادة أقل من 2% من عائدات المطارات في الظروف العادية. ولكن في الظروف الحالية، تلك الرسوم "قد تمثّل حياة أو موت" بالنسبة لبعض شركات الطيران.
شامبو وتنظيف
قالت شركة طيران الاتحاد في أبو ظبي أن مهندسيها يعملون على مدار الساعة من أجل صيانة أسطولها المتوقف عن الطيران، في عملية تتضمن تشغيل المحركات والطائرات على الأرض، وفحص آليات التحكم، وتغطية أجهزة الاستشعار والمحركات لحماية الأجزاء الداخلية من الرمال والأتربة. ووفقاً لمقطع فيديو نُشر على الحساب الرسمي لشركة الطيران على تويتر، يعمل حوالي 200 فرد في كل مناوبة على تنظيف كبائن الطائرات المتوقفة، من استبدال أغطية المقاعد إلى غسيل السجاد بالشامبو.
وقال غاري بيرن رئيس العمليات الفنية بطيران الاتحاد: "لم يسبق لي طوال مسيرتي في مجال الطيران أن رأيت شيئاً كهذا". وأضاف: "الطائرات عبارة عن أجزاء وآلات شديدة التعقيد والتطلّب، الأمر لا يشبه إيقاف السيارات".
وذكرت شركة طيران َQantas أن الإطارات أيضاً تحتاج إلى عناية، وقالت إن جميع الطائرات، من طراز Boeing Co. 737 إلى Airbus SE A380 تحتاج إلى تدوير عجلاتها، عن طريق سحبها على المدرج أو رفعها في الهواء ولفها، مرة على الأقل كل أسبوع أو أسبوعين، مع وضع السوائل الهيدروليكية على معدات الهبوط لحمايتها من الصدأ. وتُوضع عبوات السيلكيا العملاقة لامتصاص الرطوبة داخل المحركات لإبقائها جافة، مع تغطية كل الفتحات الخارجية على جسم الطائرة لمنع دخول الحشرات وتعشيش الطيور.
وقالت شركة Qantas إن لديها أكثر من 200 طائرة متوقفة في مطارات أستراليا المختلفة. ويُذكر أن مناخ أستراليا في ذلك الوقت يجعلها أكثر ملاءمة لتخزين الطائرات، مقارنة بمعظم أنحاء آسيا تحديداً التي ترتفع فيها مستويات الرطوبة بالإضافة إلى تهديدات الأعاصير الكثيرة. وبالقرب من مدينة أليس سبرينغز في الإقليم الشمالي من أستراليا، تحتفظ شركة Asia Pacific Aircraft Storage لتخزين الطائرات بعدد من طائرات بعض خطوط الطيران مثل الخطوط الجوية السنغافورية وخطوط فيجي الجوية.
وتعمل شركة التخزين على رفع قدرتها التخزينية إلى حوالي 70 طائرة وتفكر في رفعها إلى أكثر من 100 طائرة، وفقاً للمدير الإداري توم فنسنت.
وقال فنسنت: "هناك تدافع وإقبال كبير على مرافق التخزين الملائمة. لدينا عدد كبير من الطلبيات خلال الأسابيع والشهور المقبلة".
وتشهد منطقة آسيا والمحيط الهادئ نموّاً سريعاً في سوق الطيران، مع طلب عدد من شركات الطيران الاقتصادية في إندونيسيا وفيتنام وماليزيا والهند وغيرها من المناطق تخزين آلاف الطائرات، إلى جانب عدد من شركات طيران الفئة المتوسطة. إلا أن هذا التوسع توقف بسبب جائحة فيروس كورونا، التي أضرت أيضاً بمعدلات الطلب من عمالقة صناعة الطائرات مثل Boeing وAirbus.
أوقفت شركة طيران Finnair Oyj الفنلندية طائراتها في مركزها الخاص في هلسنكي، ويمكنها أيضاً، إذا لزم الأمر، استخدام المطارات في تامبيري وروفانييمي، عاصمة إقليم لابي. وقالت شركة الطيران على موقعها الإلكتروني إن العمل يتضمن إعادة توصيل بطاريات الطائرات كل 14 يوماً، بالإضافة إلى إجراء فحص شامل مرة شهرياً يتضمن إزالة الأغطية الواقية، وتشغيل المحركات، وفحص مكيفات الهواء وأنظمة مكافحة الثلوج.
وذكر جوكا غلادر، نائب رئيس العمليات الأرضية بشركة الطيران Finnair، أن المكابح من أكبر التحديات التي تواجههم في أزمة توقف الطائرات. وقال إن كل طائرة تتطلب 10 إلى 12 وتر ساند خلف عجلاتها لإبقائها في مكانها. ومع توقف عدد كبير من الطائرات في نفس الوقت، طلبت شركة الطيران الفنلندية 500 وتد خشبي من ورش النجارة المحلية.
مناطق التوقف
أوقفت الخطوط الجوية البريطانية نصف أسطولها المكوّن من 12 طائرة Airbus A380 في شاتورو، فرنسا، لفترات تخزين طويلة. وتعمل شركة Tarmac Aerosave SAS، التي لديها مناطق تخزين في فرنسا وإسبانيا، على معالجة عدد أكبر من الطلبات، بينما تواجه شركة ComAv LLC طلباً متزايداً أيضاً على مرافقها في مطار جنوب كاليفورنيا للخدمات اللوجستية في فيكتورفيل، شمال شرق لوس أنجلوس.
في المطارات المزدحمة كما هو الحال في نيودلهي، والتي لا تحتوي على مناطق توقف كافية، تحولت المدارج إلى مساحات تخزين مؤقتة، مثل مطار سخيبول.
وقال ساتيندرا باندي، الاستشاري المستقل والرئيس الاستراتيجي السابق في شركة الطيران الهندية Go: "التخزين لفترات طويلة يعني تأثير فعال على كفاءة وصلاحية الطائرات للطيران، سواء أسطح التحكم المتعددة أو إلكترونيات الطيران أو الأنظمة الهيدروليكية. تخزين الطائرات لفترات طويلة مهارة بحد ذاتها، ويحتاج إلى ظروف مثالية من الحرارة والجفاف. ويحتاج هذا الجانب إلى إعادة نظر شاملة مع توقف الطائرات حالياً في المطارات والمدارج في جميع أنحاء العالم".
ومن بين شركات الطيران الأخرى، تتوقع شركة United Airlines Holdings Inc. القابضة إيقاف حوالي 400 طائرة، في مراكزها الخاصة في نيوآرك وشيكاغو، وفقاً لتصريحات المتحدث الرسمي. بينما أرسلت شركة Delta Air Lines Inc. طائراتها إلى مطار Pinal Airpark الإقليمي في أريزونا. وتستخدم شركة American Airlines Group Inc. قاعدة صيانة في مدينة تلسا، أوكلاهوما، ومرافق تخزين في مكان آخر.
وقال فنسنت من شركة Asia Pacific Aircraft Storage: "قد يبدو الأمر بسيطاً، ولكنه في الحقيقة عمل دقيق جداً. الأمر لا يقتصر على توفير مساحة لإيقاف الطائرة، بل يشمل فحوصات وصيانة دورية مستمرة".