شرعت قوات الحكومة الليبية الشرعية في استهداف مدينة ترهونة ومحيطها، خلال الأسابيع الأخيرة، ولوّحت بإمكانية اقتحامها وتحييد ميليشيات اللواء التاسع، التي تعتبر رأس حَربة ميليشيات حفتر في المناطق الجنوبية للعاصمة طرابلس.
حيث قال قائد غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية التابعة لقوات حكومة الوفاق اللواء أسامة الجويلي، في تصريح صحفي، بث الأسبوع الماضي: "قوات الوفاق قد تضطر لأعمال عسكرية في بعض مدن المنطقة الغربية، على غرار ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)".
لكن بعد تحرير قوات الوفاق لكامل الشريط الساحلي غرب طرابلس، الإثنين الماضي، قال خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، الثلاثاء، في تصريح لقناة "ليبيا الأحرار"، إنهم سيحتفلون قبيل شهر رمضان المبارك (نهاية الأسبوع المقبل) بتحرير ترهونة وعديد المناطق، وفقاً للخطط العسكرية.
وسبق هذه التهديدات، قصف قوات الوفاق لترهونة بـ10 صواريخ غراد، في 22 مارس/آذار الماضي، أي قبل 3 أيام من انطلاق عملية "عاصفة السلام". والجمعة الماضية شنت قوات الوفاق غارات عنيفة على نقاط عسكرية في ترهونة، وإن لم يَرشح الكثير عن نتائج هذه الغارات.
لكن القائد الميداني في قوات الوفاق الطاهر بن غربية، في مداخلة هاتفية مع قناة "التناصح" الليبية، السبت الماضي، قال إن "الجميع عرف، الجمعة، حجم قوة الضربات التي وُجهت إلى ترهونة المارقة، مثلما عرفوا أيضاً دقة الضربات على خطوط الإمداد في بني وليد، والمعسكرات والذخائر ومنظومات الدفاع الجوي التي تقوم بتركيبها (شركة) فاغنر الروسية".
في حين تداولت صفحات موالية لقوات الوفاق على شبكات التواصل الاجتماعي، لم يتسن التأكد من صحتها من مصدر موثوق، عن استهداف مقر يتبع اللواء التاسع بترهونة أثناء اجتماع بعض قادته، ومنظومة دفاع جوي "بانتسير"، كانت طور التركيب، بالإضافة إلى مخزن ذخيرة، ونقاط عسكرية أخرى بالمدينة.
غير أن المؤكد أن ترهونة أصبحت هدفاً لغارات قوات الوفاق، على غرار استهداف طائرة شحن عسكرية عند نزولها في مهبط للطائرات بمحيط المدينة، في 5 أبريل/نيسان الجاري، قالت قوات الوفاق إنها كانت تحمل ذخائر ومعدات عسكرية لميليشيات حفتر.
رأس حربة قوات حفتر
استمر طيران الوفاق في استهداف شاحنات نقل الوقود والذخائر وإمدادات الأسلحة على الطريق بين مدينتي بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس) وترهونة.
ونظراً لوجود ترهونة في منطقة تحيط بها جبال، وتفتقد لمطار أو منفذ بحري، فهي مضطرة للاعتماد بشكل كبير على الإمدادات البرية القادمة عبر بني وليد، خاصة بعد توقف الإمدادات القادمة من طرابلس ومصراتة وغريان، بسبب الحرب.
ومع استهداف طيران الوفاق لخط الإمداد: قاعدة الجفرة الجوية – بني وليد – ترهونة، بعد أن تم غلق خط الجفرة – غريان، أصبحت ترهونة شبه محاصرة، ونقص الوقود بالمدينة يكاد يتحول إلى أزمة خانقة، ونقص الوقود طال حتى بني وليد، ما قد يؤدي إلى تنافس أو حتى صدام بين المدينتين حول تقاسم حصص الوقود القادمة من الشرق.
ورغم أن ترهونة سعت منذ 2016 لتشييد مطار دولي بإمكانياتها الذاتية، فإنها أخفقت حتى الآن لنقص الموارد، وكل ما لديها مهبط للمروحيات وطائرات الشحن العسكرية، وهذا ما يفسّر إصرارها على السيطرة على مطار طرابلس الدولي (لا يبعد عنها سوى نحو 65 كلم) رغم خروجه من الخدمة في 2014.
وباستهداف طيران الوفاق لطائرة شحن عسكرية عند هبوطها بمهبط المدينة، تكون ترهونة شبه مطوقة براً وجواً وبحراً.
خنجر غائر في ظهر طرابلس
يشعر كثير من أهالي ترهونة بالتهميش، رغم أنهم يمثلون أحد أكبر قبائل الغرب الليبي، ولديهم امتدادات داخل طرابلس، فكثير من سكان أحياء جنوبي العاصمة يتحدرون منها على غرار قصر بن غشير، والخلة، والخلاطات.
وحتى بعد مشاركة جزء من أبنائها في الثورة على القذافي في 2011، إلا أن ترهونة لم تنل نصيبها من الثروة والسلطة، خاصة وأن شيوخ المدينة دعموا نظام القذافي، كما أن "اللواء 32 معزز"، أحد الكتائب القوية للنظام السابق، كان متمركزاً بترهونة.
وافتقاد المدينة لأي منفذ جوي أو بحري قلَّص من أهميتها الاستراتيجية وترَكها متوارية خلف الجبال، لذلك سعى اللواء السابع (الكانيات) بترهونة، للسيطرة على مطار طرابلس القديم في 2017، مستغلاً المواجهات بين قوات حكومة الوفاق وكتائب حكومة الإنقاذ في طرابلس، لكن التوازنات لم تسمح له بالاستمرار داخله سوى لأيام معدودة.
عاد اللواء السابع ومعه اللواء 22 ترهونة (الموالي لحفتر) في 2018، وبشكل مفاجئ هاجم الأحياء الجنوبية للعاصمة، واستولى على المطار القديم وتوغل إلى أن وصل إلى قلب حي أبوسليم، الشعبي، أكبر أحياء العاصمة، رافعاً شعار "محاربة دواعش المال العام".
لم تكن أهداف اللواء السابع واضحة، فمن جهة يعتبر نفسه جزءاً من قوات الوفاق، والأخيرة تتبرأ منه، بل حتى حفتر تنصل منه حينها. كان خليطاً مشكلاً من السلفيين وعساكر اللواء 32 معزز، وأنصار حكومة الإنقاذ، وموالين لحكومة الوفاق، وخصوم لحفتر وآخرين داعمين له، الشيء الوحيد الذي كان يجمعهم هو انتماؤهم القبلي لترهونة.
في 2018، وقع اتفاق بين اللواء السابع ترهونة، وكتائب طرابلس برعاية حكومة الوفاق، على أن ينسحب من مناطق سيطرته جنوبي العاصمة، وأن يتعهد بعدم مهاجمتها.
لكن ومع إطلاق حفتر عمليته العسكرية للسيطرة على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، انضم اللواء السابع له، وأصبح يسمى اللواء التاسع، بعد توحيده مع اللواء 22 ترهونة، لكن دون أن يكشف في البداية عن تحالفه مع حفتر، فبينما كانت قوات الوفاق تتصدى لميليشيات حفتر القادمة من غريان، فإذا بها تتلقى هجوماً مفاجئاً من الجنوب الشرقي للعاصمة "أبطاله" عناصر الكانيات واللواء التاسع. كانت ضربة خنجر لترهونة في ظهر حكومة الوفاق، وتملّصاً من تعهداتها دون سابق إنذار.
ماذا يمثل اللواء التاسع في ترهونة؟
أكبر خطورة شكلها اللواء التاسع ترهونة، أنه على عكس قوات حفتر القادمة من الشرق، يعرف عناصره جيداً أرض المعركة، وجزء من أحياء وسكان طرابلس امتداد لترهونة ذاتها، لذلك فأغلب التقدمات التي أحرزها حفتر جنوبي طرابلس، كانت بفضل اللواء التاسع، خاصة في بداية المعركة وقبل دخول مرتزقة فاغنر الروسية.
ولم ينجُ من اللواء التاسع حتى عائلات في ترهونة، فبعد مقتل قائد اللواء التاسع عبدالوهاب المقري، والقائد الميداني لكتيبة الكانيات محسن الكاني، في سبتمبر/أيلول، ارتكب عناصر التنظيم مجزرة راح ضحيتها العشرات من المدنيين والمسلحين داخل المدينة، بحسب الأمم المتحدة.
لذلك تحاول قوات الوفاق تحييد مسلحي الكانيات واللواء التاسع من القتال إلى جانب ميليشيات حفتر، لكن اقتحام المدينة يتطلب إمكانيات عسكرية وبشرية كبيرة.
وشكلت "الوفاق" قوة حماية ترهونة من أبناء المدينة، وشنت هجوماً من ثلاثة محاور على ترهونة (شمالاً وشرقاً وغرباً)، في ديسمبر/كانون الأول 2019، لكن افتقادهم للغطاء الجوي أوقف تقدمهم.
ومع عودة طيران الوفاق لسماء المعركة وهيمنته على الجو، أصبحت خيارات شن عملية عسكرية ضد ترهونة متاحة، خاصة إذ تمكن الطيران من تدمير منظومة الدفاع الجوي التي يسيّرها مرتزقة فاغنر داخل المدينة.