يشير إعلان إيران في السادس من أبريل/نيسان الجاري عن أنَّ تنسيقها مع دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن فيروس كورونا قد حسَّن العلاقات بين البلدين، إلى الصدع المتنامي في تحالف أبوظبي التقليدي مع المملكة العربية السعودية، ويُظهِر كيف تسعى الإمارات لاستغلال التفشي الإقليمي للفيروس من أجل زيادة نفوذها. وقد تؤدي هاتان الاستراتيجيتان المتناقضتان إلى تغيُّرٍ أكبر في ميزان القوى الجيوسياسي المستقبلي في الشرق الأوسط.
التقرب الإماراتي لإيران
فطوال شهر مارس/آذار الماضي، شحنت الإمارات عدة دفعات من المستلزمات الطبية إلى إيران، التي تعاني من أسوأ تفشٍّ لفيروس كورونا في المنطقة بوجود نحو 3600 حالة وفاة معلنة، إلى جانب تدهور الوضع الإنساني في ظل العقوبات الأمريكية المستمرة. وتحدث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان هاتفياً يوم 15 مارس/آذار، ليبحثا سبل احتواء الجائحة، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
ومن الواضح أنَّ هذه المساعدات والاتصالات كانت غير مسبوقة، في ظل الانطباع السائد بأنَّ الإمارات وإيران خصمان إقليميان منذ أمدٍ بعيد تماشياً مع الموقف التقليدي لمجلس التعاون الخليجي المتمثل في معارضة التوسع الإقليمي لإيران. ويُنظَر إلى الإمارات، التي تُعَد فاعلاً أحدث عهداً في السياسة الخارجية، باعتبارها متناغمة في الغالب مع المواقف السعودية. وتُعَد الشراكة السعودية الإماراتية في صميم أمن مجلس التعاون الخليجي، لاسيما بالنظر إلى الخلاف مع اليمن.
لكنَّ الإمارات تُظهِر مساراً مستقلاً عن السعودية والولايات المتحدة، في الوقت نفسه الذي تواصل فيه التشديد على علاقاتها الأمنية الوثيقة مع كلا البلدين.
عبِّرت منظمة الصحة العالمية عن "خالص امتنانها" للإمارات لتوفيرها طائرة مستأجرة تسمح بنقل فريق المنظمة والإمدادات الطبية إلى إيران، وسيُعزّز هذا صورة أبوظبي الإنسانية على الصعيد العالمي بدرجة أكبر.
السعودية على الطرف الآخر
تُميِّز هذه التطورات في نهاية المطاف الإمارات عن حليفتها ورفيقتها ذات الثقل الجيوسياسي السعودية، التي توترت علاقاتها مع إيران أكثر خلال الأزمة الحالية.
إذ أغلقت السعودية مدينة القطيف الواقعة بالمنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية يوم 11 مارس/آذار الماضي، بعد عودة عدد من مواطنيها من رحلات حج دينية في إيران. وتتهم الرياض كذلك "التصرفات غير المسؤولة" من جانب إيران بنشر الفيروس المُسبِّب لمرض فيروس كورونا المستجد (COVID-19) عالمياً.
وفي الـ18 من مارس/آذار، "اعترضت رسمياً" وحالت كذلك دون صدور بيان عن حركة عدم الانحياز يهدف لإدانة العقوبات الأمريكية على إيران، التي منعت وصول إمدادات مهمة من المساعدات إلى الجمهورية الإسلامية لتخفيف الأزمة.
وأدان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سيد عباس موسوي، الإجراء الذي قادته الرياض باعتباره "أمراً مؤسفاً جداً يمثل وقوفاً ضد الشعب الإيراني في هذه الظروف الخطيرة".
ومن الواضح أنَّ منح الرياض الأولوية للتصدي للتوسع الإقليمي لإيران وبرنامجها النووي، وهو الأمر الذي يُحرِّكه بصورة أكبر إذكاء الرياض المستمر للتوترات الطائفية، قد تزايد خلال هذا الخلاف.
تاريخ من اختلافات الرؤى
وهذه الاختلافات بين النهجين الإماراتي والسعودي ليست جديدة. فعلى مدار العام المنصرم، 2019، حدَّت أبوظبي من إدانتها لإيران وتبنَّت استراتيجية متباينة عن الرياض تجاه الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، والتي شنَّتها تحت مُسمّى هزيمة الحوثيين المدعومين من إيران.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أفرجت الإمارات عن 700 مليون دولار من الأموال الإيرانية المُجمَّدة في ظل تحسُّن العلاقات بين البلدين. وقال البرلماني الإيراني أكبر تركي: "فهم الإماراتيون.. أنَّ الدول الغربية والسعودية لا يمكنها توفير الأمن للبلاد في الظروف الحالية"، مستشهداً بتزايد العلاقات الاقتصادية بين طهران وأبوظبي.
في الوقت نفسه، أفادت تقارير بسعي الإمارات لإجراء محادثات سرية مع الحوثيين المدعومين من إيران شمالي اليمن، وأعلن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، لاحقاً في نوفمبر/تشرين الثاني أنَّ الحوثيين "جزءٌ من المجتمع اليمني وسيكون لهم دور في مستقبله".
وفي ظل سعي الإمارات لإيجاد دولة جنوبية مستقلة في اليمن، من أجل تسهيل بسط نفوذها على البحر الأحمر وتعزيز تجارتها البحرية الدولية، فإنَّ هزيمة الحوثيين ليست أولوية أبوظبي. بل سيؤدي التفاوض مع الحوثيين وداعميهم الإيرانيين إلى تعزيز طموحاتها.
ويشير استئناف الرياض حملتها الجوية على مناطق الحوثيين في مارس/آذار، والتي قالت إنَّها تستهدف أهدافاً عسكرية إيرانية، إلى أنَّ خوفها المُتصوّر من وجود إيران في اليمن لا يزال يُحرِّك عملياتها المستمرة، حتى بالرغم من فشل حرب الرياض في تحقيق أهدافها ودفعها إلى تقارب الحوثيين وإيران أكثر العام الماضي.
وبينما تسعى السعودية لتهدئة التوتر مع إيران، لا تزال تعارض النفوذ الإقليمي الإيراني، الذي يُقوِّض جهود الوساطة، على الرغم من أنَّ طهران كانت أكثر تقبُّلاً لاستعادة العلاقات مع الرياض مثلما قال دبلوماسي إيراني كبير في فبراير/شباط الماضي.
علاوة على ذلك، تحاول الإمارات تأمين النفوذ في سوريا بتحسين علاقاتها مع الرئيس بشار الأسد، وهناك يُعَد التفاهم مع إيران ضرورياً بسبب دعم طهران للأسد والوجود القوي لميليشياتها في البلاد. وتنظر أبوظبي إلى وجود الأسد باعتباره حائط صد في وجه خصمتها الإقليمية الكبرى حالياً، تركيا، إلى جانب القوى الإسلامية التي تعتبرها معادية، وهما الطرفان اللذان يسعى الأسد أيضاً للتصدي لهما.
عبور الإمارات من بوابة سوريا
ويشير الاتصال الهاتفي الذي أجراه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مع الأسد في الـ27 من مارس/آذار، وعبَّر خلاله عن دعمه للشعب السوري، كذلك إلى الكيفية التي تستغل الإمارات بها الأزمة لتعزيز علاقاتها الناشئة مع سوريا.
كانت السعودية في السابق تدعم المعارضة المناهضة للحكومة في الحرب السورية، لكنَّ المبادرات الإماراتية للتواصل مع الأسد منذ إعادة افتتاح سفارتها بدمشق في ديسمبر/كانون الأول 2018 دفع بالمثل الرياض للاستجابة على نحوٍ شبيه. لكن يمكن القول إنَّ أبوظبي تقوم بدور استباقي أكثر في تعزيز علاقاتها مع سوريا.
وفي خضم التوتر المتصاعد مع إيران، لم تكشف هجمات سبتمبر/أيلول الماضي على منشآت شركة أرامكو السعودية –التي حمَّلت إيران مسؤوليتها- ضعف الرياض وحسب، بل وكذلك ضعف أبوظبي. وتزايدت المخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي أيضاً بعد مقتل الفريق الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني الماضي؛ إذ توعَّدت طهران بالثأر. ومن ثَمَّ ترى الإمارات أنَّ تحسين العلاقات مع طهران إجراء أساسي لتحسين أمنها، وهو الأمر الذي لم تسع الرياض وراءه بصورة كاملة بعد.
وفي ظل تفاقم أزمة فيروس كورونا، ستلجأ الدول المتضررة إلى بعضها أكثر فأكثر من أجل الدعم، وأظهرت الإمارات بالفعل أنَّها مستعدة للقيام بهذا الدور، مُستخدِمةً الدبلوماسية والمساعدات لتحقيق مصالحها الخاصة.