بينما يواجه دونالد ترامب كارثة تفشي وباء كورونا والكساد الاقتصادي الناتج عنها، فاجأه بيرنس ساندرز، أحد المرشحين الديمقراطيين بالانسحاب من السباق، ليصبح جو بايدن منافس ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم، فهل يطيح كورونا بساكن البيت الأبيض الأكثر جدلاً على مر التاريخ؟
لماذا انسحب ساندرز؟
مساء أمس الأربعاء 8 أبريل/نيسان، أعلن السيناتور المستقلّ بيرني ساندرز انسحابه من سباق الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، مفسحاً الطريق عملياً لجو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما لفترتين، ليصبح منافس الرئيس دونالد ترامب.
ساندرز وعد بأنه سيعمل مع بايدن، داعياً إلى الاتحاد بغرض هزيمة ترامب، ووصف بايدن بأنه "رجل جدير بالاحترام"، وأكد أنه سيعمل معه بهدف المضي قدماً في برنامجه الذي يميل بشدة إلى اليسار.
ولم يُفصح ساندرز عن الأسباب التي دعته لاتخاذ قرار الانسحاب، باستثناء اعترافه بأن فرصه في الفوز بالترشيح أصبحت مستحيلة، لكن تقريراً لشبكة سي إن إن أشار أن أوباما قد لعب "دوراً مؤثراً، وإن كان غير معلن"، في قرار ساندرز، ونقل التقرير عن مصدر لم يسمه أن ساندرز وأوباما تحدثا مرات عديدة في الأسابيع القليلة الماضية.
أين يقف ترامب الآن؟
ربما لم يكن توقيت تأكيد المنافس الديمقراطي لترامب أكثر إرباكاً من الوقت الحالي؛ فمن ناحية يأتي حسم بايدن للأمور في وقت فقد فيه ترامب ورقته الرابحة التي كانت تجعله واثقاً بنسبة تقترب من اليقين أنه باق في البيت الأبيض فترة أخرى، وهي ورقة الاقتصاد الذي يواجه كساداً بالفعل بسبب وباء كورونا، ومن ناحية أخرى فإن الأزمة التي تواجهها البلاد تمثل فرصة كبيرة لترامب.
ففيما يتعلق بوباء كورونا، وعلى الرغم من ارتفاع وفيات أمس الأربعاء، 8 أبريل/نيسان، في الولايات المتحدة، إلى رقم قياسي جديد قرب الألفي وفاة، فإن هناك مؤشرات جيدة بشأن إجمالي الوفيات المتوقعة التي تم تخفيضها للمرة الثالثة على التوالي، لتصبح في حدود 60 ألفاً فقط، بعد أن كانت نحو 200 ألف، والسبب الرئيسي في مراجعة أرقام التوقعات هو إجراءات التباعد الاجتماعي والإغلاق.
وهنا بالتحديد يكمن لب المعضلة التي يواجهها ترامب؛ الرئيس يريد إعادة فتح البلاد بأسرع ما يمكن على أمل إعادة عجلة الاقتصاد إلى مسارها الذي يتمناه قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وفي نفس الوقت تسرعه في ذلك ربما يمثل الضربة القاضية له في حالة ارتفاع أعداد ضحايا الوباء.
وقد ارتكب ترامب بالفعل أخطاء متعددة فيما يتعلق بالوباء، بداية من تهوينه من خطر التفشي وتأخره في اتخاذ الإجراءات الحتمية لمواجهته، وتغاضيه عن التقارير التي حذرت من مخاطر فيروس كورونا في وقت مبكر، والآن لا يتحمل الأمر أي قرارات ترامبية أخرى، ولن يكون هناك وقت لتداركها في ظل توحد الديمقراطيين وراء بايدن.
مأزق بايدن وفرصته التاريخية
ونأتي لجو بايدن (77 عاماً)، الذي سيكون أكبر رؤساء أمريكا سناً حال تمكنه من هزيمة ترامب، فنجد أنه يواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل من ناحية في عدم قدرته على التواصل مباشرة مع ناخبيه، بسبب الإغلاق والتباعد الاجتماعي لمكافحة كورونا، ومن ناحية أخرى صعوبة جذب انتباه الناخبين الذين يواجهون أزمة غير مسبوقة تهدد صحتهم وأرزاقهم، فهو ليس في موقع المسؤولية.
لكن ترامب يستحوذ بالفعل على انتباه الجميع، ويتخذ قرارات مصيرية بالنسبة للأمريكيين في وقت أزمة قومية يتمتع فيها الرئيس عادة بدعم المواطنين؛ فجورج بوش الأب ارتفعت شعبيته إلى 89% أثناء حرب الخليج الأولى، وبوش الابن وصلت شعبيته إلى 90% أثناء هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، لكن الأمر الجيد بالنسبة لبايدن هو أن شعبية ترامب، رغم أنها ارتفعت أيضاً، فإنها لم تتخطَ 50%.
لكن استحواذ ترامب على الإعلام بفعل الأزمة يمكن أن يكون نقطة إيجابية لصالح بايدن، بحسب مات بينيت، الشريك المؤسس في معهد الأبحاث الديمقراطي ثيردواي، الذي يرى أن كل خطأ يرتكبه ترامب في إدارة وباء كورونا يخضع للتدقيق الإعلامي، ويؤذي الرئيس، وهو ما يتضح من كونه أقل رئيس يدير أزمة قومية من حيث الشعبية، بحسب تقرير لفايننشال تايمز.
هناك نقطة إيجابية أخرى في صالح بايدن -دون أن يضطر للصراع من أجل الظهور في المشهد الحالي- وترتبط أيضاً بترامب نفسه الذي يمتلك "أرضية مرتفعة وسقفاً منخفضاً"، بحسب تعبير كايل كونديك المحلل في مركز السياسات بجامعة فيرجينيا، بمعنى أن الرئيس يمتلك قاعدة انتخابية صلبة، لكن فرص اتساع تلك القاعدة لتضم ناخبين آخرين من خارجها تظل ضئيلة.
دعم أوباما المبكر
هناك عامل ربما يكون حاسماً هذه المرة، وبالتحديد الرئيس السابق باراك أوباما، وذلك لعدة أسباب، أولها أن الأزمة التي تواجهها الولايات المتحدة حالياً قد أظهرت الانقسام الحاد الذي تواجهه البلاد بفعل قرارات وتصريحات ترامب، وهو ما خلق حالة من القلق وعدم الطمأنينة، وظهور شخصية بحجم أوباما -رغم أنه ليس مسؤولاً- سيمثل دعماً هائلاً لبايدن في وقت مبكر، لم يكن متوقعاً قبل أغسطس/آب المقبل.
والمقصود هنا هو أن الانتخابات التمهيدية تنتهي في أغسطس/آب بإعلان المرشح الفائز رسمياً، وموقف أوباما منذ نهاية رئاسته الثانية هو ألا يدعم سوى المرشح الذي يقع عليه الاختيار من جانب الحزب، وبالتالي التزم الصمت طوال الفترة الماضية انتظاراً لأغسطس/آب، أما الآن وقد حسمت الأمور لصالح بايدن، فسيكون أوباما أكثر ظهوراً في الصورة، خصوصاً أن بايدن كان نائبه لفترتين متتاليتين.
ترامب نفسه علق على هذه النقطة بمجرد إعلان ساندرز الانسحاب لصالح بايدن، حيث قال مساء أمس للصحفيين: "سوف يظهر علناً، أنا متأكد أنه سيظهر في وقت ما، لأنه بالتأكيد لا يريد أن يراني في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى. إننا نفكر بشكل مختلف أنا وهو (أوباما)".
وكان دعم أوباما لهيلاري كلينتون في الانتخابات التي فاز بها ترامب عاملاً كبيراً في اقتراب هيلاري من الفوز، رغم أنه أعلن دعمها متأخراً، بسبب إصرار ساندرز على المنافسة حتى آخر لحظة، وهيلاري اتهمت ساندرز بالفعل بأنه أحد أسباب هزيمة الديمقراطيين، لذلك فإن دعم أوباما المبكر ووسط هذه الأزمة القومية ربما يكون عاملاً كبيراً مرجحاً لصالح بايدن.