بينما العالم يسعى جاهداً لمواجهة تفشي جائحة كورونا، بدأت بعض الأصوات تنادي بمحاسبة الصين قانونياً وسياسياً بسبب تسترها على الفيروس في بداية ظهوره على أراضيها، وسماحها بسفر ملايين كان بعضهم حاملاً للعدوى دون أن تظهر عليه أعراض، فهل هناك مواد في القانون الدولي تدعم مقاضاة بكين، وأي جهة يمكنها أن ترفع الدعوى وأمام من؟
هل هناك أساس قانوني لرفع دعوى؟
أواخر مارس/آذار الماضي بدأت تظهر مقالات لخبراء قانونيين غربيين يتوقعون مقاضاة الصين ومطالبتها بتعويضات قد تصل لتريليونات من الدولارات، بسبب ما قالوا إنه "تستر متعمّد من جانب الصين" على ظهور الفيروس في ووهان، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
الأدلة التي يسوقها أصحاب هذا الطرح تتمثل في اعتقال الشرطة الصينية للطبيب لي وينليانغ، الذي عبر عن قلقه من الفيروس الغامض يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، في إحدى غرف الدردشة على الإنترنت، وتم اعتقاله في نفس الليلة، وأجبرته الشرطة على توقيع اعتراف بأنه ينشر "ادعاءات وشائعات تضر بسلامة البلاد"، وقدم اعتذاراً علنياً ووعد بعدم تكرار ذلك في الثالث من يناير/كانون الثاني.
الطبيب الشاب توفي في السابع من فبراير/شباط في مستشفى ووهان المركزي، بعد إصابته بالفيروس الذي حاول تحذير السلطات منه فاعتقلته، ويبني أصحاب الرأي القائل بإمكانية محاكمة الصين على تلك الواقعة، حقيقة أن الصين بتسترها على تفشي الفيروس في بدايته أسهمت في انتشاره خارج حدودها، وإصابة العالم أجمع بالذعر، وتوقف الاقتصاد وخسارة مليارات الدولارات حتى الآن.
وفي تقرير كتبه جيمس كراسكا، أستاذ القانون الدولي، ونُشر يوم 23 مارس/آذار بعنوان: "الصين مسؤولة قانونياً عن كوفيد-19، والتعويضات قد تصل لتريليونات"، استشهد بحقيقة تعمد السلطات الصينية إخفاء المعلومات عن شعبها وإصدار تطمينات زائفة بشأن الفيروس، في الفترة من منتصف ديمسبر/كانون الأول وحتى منتصف يناير/كانون الثاني، في إطار الاستعداد لرأس السنة الصينية التي كانت في 25 يناير/كانون الثاني.
كما استشهد بعدد من التقارير الإخبارية المحلية في الصين التي تحدثت عن فيروس غامض يشبه فيروس "سارس" بنسبة 75%، نقلاً عن فني يعمل في أحد معامل ووهان، وكان ذلك في 26 ديسمبر/كانون الثاني.
دعوى بقيمة 6.5 تريليون دولار
وقبل بضعة أيام أعد ماثيو هندرسون وهو دبلوماسي بريطاني سابق في الصين ويعمل حالياً كمدير لمركز دراسات آسيا، تقريراً يقول إنه تجب مقاضاة الصين ومطالبتها بتعويض قدره 6.5 تريليون دولار مبدئياً لنفس السبب، وهو التستر على تفشي الفيروس، في وقت كان يمكن فيه محاصرته والقضاء عليه قبل أن يتحول إلى جائحة عالمية بسبب الملايين الذين غادروا ووهان، في الفترة من منتصف ديسمبر/كانون الأول و23 يناير/كانون الثاني عندما اتخذت الصين قرار إغلاق المدينة.
ما بنود القانون الدولي ذات الصلة؟
يستند هندرسون وغيره من المطالبين بمقاضاة الصين على المادتين 6 و7 من قانون الصحة الدولية، وهي معاهدة دولية وقعت عليها بكين، وملزمة قانونياً بالحفاظ على بنودها، فعلامَ تنص المادتان؟
المادة 6 من معاهدة قوانين تنظيم الصحة العالمية تنص على أن تلتزم كل دولة بالشفافية في التعامل مع المعلومات والحقائق المرتبطة بالأمراض المعدية والأوبئة بشكل فوري ومباشر، وأن تشارك باقي دول العالم كل ما يتوفر لديها من معلومات في هذا الشأن.
بينما تنص المادة 7 من ذات المعاهدة على أن تلتزم كل دولة بإبلاغ منظمة الصحة العالمية بشكل فوري عن ظهور أي مرض معدٍ داخل حدودها، وأن تسهل عمل منسوبي المنظمة في جهود استكشاف واحتواء العدوى.
الصين إذن ستدفع الثمن؟
الحقيقة أن الأمر ليس بهذه البساطة لأسباب قانونية أيضاً، فالذين يستندون للمواد 6 و7 من القانون الدولي المنظم للشؤون الصحية سيواجهون عائقاً قانونياً أساسياً يتمثل في "بند السيادة" في القانون الدولي، وهو ينص على أنه "لا يجوز محاكمة أي دولة أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أي هيئة دولية أخرى إلا بموافقة الدولة المطلوب محاكمتها"، وبالطبع الصين لن توافق على أن تتم محاكمتها دولياً.
سيناريو أمريكي للعقاب
أمس الإثنين 6 أبريل/نيسان، نشر موقع ناشيونال ريفيو الأمريكي تقريراً بعنوان: "كيف يمكن أن نحاسب الصين؟ منظمة الصحة العالمية تحابي الصين، لكننا لسنا مضطرين لذلك"، ناقش المسألة من منظور أمريكي يعترف باستحالة مقاضاة الصين في ظل القانون الدولي، لكنه وضع سيناريو أمريكياً لجعل بكين تدفع الثمن.
التقرير عدّد الطرق المتاحة قانونياً وسياسياً من خلال النظام الدولي الحالي؛ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يمكنه إدانة الصين، فهي تتمتع بحق الفيتو شأنها شأن روسيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة (الأعضاء الخمسة الدائمين)، وحتى لو نجحت الدول الكبرى في رفع دعوى قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية وصدر بالفعل حكمٌ بإدانة الصين، فإنها ببساطة ستتجاهله.
وقصة التجاهل هذه ليست افتراضاً، فهناك سابقة بالفعل عندما أصدرت محكمة التحكيم الدائمة التابعة للأمم المتحدة قراراً قانونياً بأن قيام الصين ببناء جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي هو انتهاك للقانون الدولي، تجاهلت بكين الحكم ببساطة، بل أعلن مسؤول صيني أن الحكم عبارة عن "قطعة من الورق لا أكثر"، وبالتالي فإن الأمر ذاته متوقع في حالة كوفيد-19.
البديل الأمريكي هو قيام واشنطن وحلفاؤها بتجميد أصول وأموال الشركات الصينية المملوكة للدولة، لإجبار بكين على دفع تعويضات، وفي حال لجأت الصين لمقاضاة تلك الدول يتم إذن الاحتكام للقانون الدولي فيما يخص الوباء ومسؤولية الصين عنه، وهذا السيناريو هو خطوة في سلسلة من الإجراءات تشمل اتخاذ إجراءات قانونية أمام محاكم أمريكية، تمكن الإدارة من إسقاط الديون الصينية لحكومات دول في إفريقيا وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية، في إطار مبادرة الحزام والطريق التي يستغلها الرئيس شي بين جينغ لفرض نفوذ الصين حول العالم.