"لن نسمح بوجود رئيس وزراء ينتقد إيران"، جاءت تلك الكلمات على لسان الجنرال إسماعيل قاآني قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري، في اجتماعه بالقادة السياسيين الشيعة في العراق، في زيارة يقال إنها الأولى من نوعها إلى بغداد، أو بالأحرى أول زيارة علنية.
خلف الجنرال إسماعيل قاآني، قاسم سليماني الذي قتل في غارة جوية بطائرة أمريكية بدون طيار فى شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بالقرب من مطار بغداد الدولي.
محاولة لترتيب البيت الشيعي
"زيارة الجنرال إسماعيل قاآني، تهدف إلى إنهاء الخلاف على رئيس الوزراء العراقي المكلف عدنان الزرفي"، حسبما قال مسؤول سياسى شيعي عراقي لـ "عربي بوست".
وكشف المسؤول الذي اشترط عدم عدم ذكر هويته "أن هناك صراعاً سياسياً كبيراً داخلاً بين الشيعة من جهة، وبين الشيعة والسنة والأكراد أيضاً، من جهة أخرى".
وأردف قائلاً "المشهد السياسي العراقي، أصبح مرتبكاً بعد اغتيال سليماني".
واجتمع إسماعيل قاآني مع القادة السياسيين الشيعة الكبار، في محاولة للتوصل إلى حل بخصوص أزمة تعيين رئيس الوزراء الجديد، ومنح البرلمان الثقة لحكومته.
يقول مصدر مطلع على هذا الاجتماع لـ "عربي بوست"، "إن الفصائل السياسية الشيعية تكافح من أجل تشكيل حكومة جديدة، لكن تكليف الرئيس برهم صالح للزرفي، زاد الأمور سوءاً"، حسب تعبيره.
وإلى الآن، لم يحصل الزرفي على الدعم الشيعي
بعد أن فشل البرلمان العراقي، في الاتفاق على اسم مرشح لرئاسة الوزراء، رشح الرئيس برهم صالح فى 17 مارس/آذار 2020، عدنان الزرفي، الذي يتعين عليه تشكيل حكومة جديدة وكسب ثقة البرلمان بحلول 30 يوماً، تنتهي يوم 17 أبريل/نيسان الجاري.
لكن حتى الآن مازالت الفصائل السياسية الشيعية، والكتل البرلمانية الكبيرة داخل البرلمان العراقي منقسمة بخصوص الزرفي، مما يعرضه لخطر عدم نيل ثقة البرلمان.
ويعارض تيار الفتح بقيادة هادي العامري، وائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، تكليف الزرفي برئاسة الوزراء.
فالزرفي، أعلن في أكثر من موقف، أنه مؤيد لتحالف العراق مع الولايات المتحدة، وانتقد النفوذ الإيراني في البلاد.
كما أن رئيس الحكومة المكلف دعم الاحتجاجات العراقية، وانتقد دور الحشد الشعبي خاصة الفصائل الموالية لإيران في قمعها لتلك الاحتجاجات، مما دفع قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق المقربة من إيران، لوصف الزرفي بأنه "فاسد"، ولا يقبل تكليفه.
ويقول مصدر مسؤول في مكتب هادي العامري، رئيس تيار فتح في البرلمان العراقي، لـ "عربي بوست"، "لا يمكن القبول بالزرفي، فالرجل يحظى بمباركة الولايات المتحدة، ولا يتبنى سياسة الصداقة بين العراق والجمهورية الإسلامية".
ويرى المصدر، أن مواقف الزرفي السياسية، ستعرض المشهد السياسي العراقي إلى صراعات جديدة، في حال توليه منصب رئاسة الوزراء.
إيران تريد الإبقاء على عادل عبدالمهدي
في اجتماع قاآني بالقادة السياسيين العراقيين، أعلن عن عدم رغبة إيران في التدخل في الشئون الداخلية للعراق في تلك المرحلة، لكنه وبحسب مصدر مطلع على هذا الاجتماع، قال "إن إيران والحرس الثوري، لا يوافقان على الزرفي وانتقاده لإيران".
يقول المصدر لـ "عربي بوست"، "إن قاآني كشف عن أنه يرغب في إبقاء عادل عبدالمهدي (رئيس الوزراء المستقيل)، في منصبه، حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2022".
ويرى المصدر، إن هذا الأمر يؤيده السياسيون الشيعة أيضاً، وقادة الفصائل المسلحة الموالية لطهران داخل الحشد الشعبي.
لكن عادل عبدالمهدي، كان قد اختار الابتعاد طوعاً عن منصبه، المؤقت في بداية شهر مارس/آذار 2020، وكان قد سلم مقاليد الأمور إلى حسين فؤاد وزير المالية في حكومته المؤقتة.
تيار الصدر يلتزم الصمت
تيار سائرون، التابع للتيار الصدري، والذي يعتبر أكبر كتلة برلمانية في البرلمان العراقي، في بداية تكليف الزرفي، كان يظهر بعض الموافقة، لكن حتى الآن لم يتخذ موقفاً صريحاً من تكليف الزرفي.
مقتدى الصدر كان حاضراً الاجتماع مع الجنرال إسماعيل قاآني، والذي اجتمع به مرة ثانية بشكل منفرد، بحسب مصدر مقرب من التيار الصدري.
ويقول المصدر في مكتب الصدر لـ "عربي بوست"، "السيد مقتدى ينتابه الكثير من الشكوك حول الزرفي، بسبب ميله للأمريكيين، ولأنه جاء بتكليف من برهم صالح الذي يتخذ موقفاً سلبياً من إيران"، حسب تعبيره.
ويرى المصدر، أن هناك احتمالاً كبيراً لفشل الزرفي في جمع الأصوات البرلمانية اللازمة لمنح حكومته الثقة، حتى وإن تحالف معه السنة والأكراد.
لكن، السنة والأكراد مازالوا ينتظرون موافقة الشيعة على الزرفي
ونقلت وسائل الإعلام العراقية، عن مصادر مقربة من عدنان الزرفي، أن الأخير يقوم بعقد اجتماعات يومية مع القادة السنة والأكراد بشكل شبه يومي، لضمان الحصول على دعمهم إياه في البرلمان، لكن الأمر لا يبدو بتلك السهولة.
وبحسب مصدر حكومي، رفض الكشف عن هويته، فإن هناك عدداً من النواب السنة والأكراد، مؤيدون للفكرة الإيرانية، بالإبقاء على عادل عبدالمهدي، حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2022.
يقول المصدر لـ "عربي بوست"، "حتى إذا إفترضنا أن الزرفي حصل على الدعم السني والكردي، فلا يمكنه بهذا الدعم، الحصول على ثقة البرلمان، يجب أن ينتظر الجميع موافقة الشيعة أولاً".
إشادات وتنازلات.. يحاول الحصول على الدعم الإيراني
مع اقتراب مهلة الثلاثين يوماً من الانقضاء، يحاول عدنان الزرفي، الحصول على الدعم الإيراني بشتى الطرق، لكي يفوز بثقة البرلمان، فشدد على أهمية مساعدة المجتمع الدولي لإيران في تخفيف العقوبات لتمكينها من مكافحة تفشي جائحة كورونا، مؤكداً على العلاقات الوثيقة بين العراق والجمهورية الإسلامية في إيران.
وبالرغم من انتقاده السابق للحشد الشعبي، كتب تغريدة على موقع تويتر، يؤكد بها على قانونية تأسيس الحشد، ودوره في إنقاذ العراق من براثن تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن بالرغم من كل تلك الخطوات لنيل الدعم الإيراني، والشيعي الداخلي، إلا أنه لم يحصل على ثقة الجنرال إسماعيل قاآني إلى الآن.
ففي اجتماع قاآني بالقادة الشيعة العراقيين، وبحسب المصدر المطلع على هذا الاجتماع، كشف قاآني بشكل صريح، عن أنه لا يثق في الزرفي بشكل كبير.
وقال قاآني "كل محاولات الزرفي لإظهار الدبلوماسية في مواقفه من الجمهورية الإسلامية، والولايات المتحدة، ستنهار أمام أول هجوم أمريكي على قوات الحشد، أو العكس، في تلك المرحلة الحساسة، لا نريد مواقف متخاذلة من ناحية المقاومة"، حسبما نسب إليه.
كان الزرفي، من النواب البرلمانيين الرافضين لقرار البرلمان لمشروع قانون لطرد القوات الأجنبية، من الأراضي العراقية، عقب اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي.
قاآني يسعى حل الخلافات داخل وحدات الحشد الشعبي
كانت زيارة إسماعيل قاآني قائد قوة القدس بالحرس الثوري، في الأساس من أجل فك الاشتباك السياسي على رئيس الوزراء المكلف حديثاً، ومحاولة لاستكمال نهج سلفه قاسم سليماني، في التعامل مع المشهد السياسي العراقي.
لكن، كان لدى قاآني مهمة أخرى، خاصة بالفصائل المسلحة الموالية لإيران داخل الحشد الشعبي، وتداعيات عمليات الهجوم الأخيرة على القوات الأمريكية بالعراق.
فمنذ اغتيال قاسم سليماني، ويعاني الحشد الشعبي العراقي، من الصراعات الداخلية، فبعد موت سليماني وأبو مهدي المهندس، حاولت الفصائل داخل الحشد، ترشيح أحد قادتها ليحل محل المهندس، ويدير عمليات الحشد.
ونظراً لأن فصائل الحشد الشعبي، لا تخضع بأكملها لسيطرة إيران والحرس الثوري، فهناك فصائل موالية لآية الله العظمى السيستاني في النجف، وظهرت الخلافات بين فريق السيستاني، وفريق المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، وحاول كلا الفريقين السيطرة على إدارة الحشد الشعبي.
وقام مجموعة من قادة الحشد الكبار، خاصة الموالين لطهران، بتأسيس مجلس من سبعة أعضاء لإدارة أمور الفصائل المسلحة خوفاً من تمزق الحشد.
نصر الله هو القائد الفعلي للحشد الشعبي
وفي الآونة الاخيرة، كان أبو الفدك الأمين العام لكتائب حزب الله العراقية، هو صاحب اليد العليا في قرارات الحشد، ولم يتدخل إسماعيل قاآني بشكل كبير حتى الآن، بحسب مصادر مقربة من الحشد الشعبي.
ويقول مصدر مقرب من كتائب حزب الله العراقية لـ "عربي بوست"، "إلى الآن لم يثبت الجنرال قاآني وجوده في العراق، ولم يتمكن من توطيد علاقات قوية مع كافة أطراف الحشد".
لكن بحسب المصدر، مازال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، هو من يسيطر على أمور الفصائل المسلحة في العراق.
ويظهر تأثير حسن نصرالله بشكل واضح، في تشكيل فصيل عصبة الثائرين، الذي أعلن مسئوليته عن الهجوم الصاروخي على معسكر التاجي، والذي يضم قوات أمريكية.
ويرى الخبير الاستراتيجي هشام الهاشمي، إن عصبة الثائرين تأسست بشكل واضح لمهاجمة الأهداف الأمريكية، وقوات التحالف الدولي في العراق، مما يعني أن العراق سيشهد مزيداً من تلك العمليات في المستقبل القريب.
اجتمع قاآني في زيارته لبغداد، مع قادة عصبة الثائرين، وكتائب حزب الله العراقية، جاء فيما يبدو لحل بعض الخلافات، التي وصفها مصدر مطلع على الاجتماع، بأنها "صغيرة".
ويقول المصدر لـ "عربي بوست"، والذي رفض الكشف عن هويته لحساسية منصبه "نشبت بعض الخلافات الصغيرة بين قادة عصبة الثائرين وكتائب حزب الله، لكن الأمر ليس بالخطير، فقط أراد الجنرال قاآني الاطمئنان، ومن ناحية أخرى، مناقشة بعض الأمور الهامة مع قادة الطرفين".
لم يفسر المصدر ما نوعية تلك الخلافات، أو الأمور التي تمت مناقشتها في اجتماعهم مع إسماعيل قاآني.
بعد زيارة قاآني، ترامب يحذر إيران
وقام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الأربعاء الماضي، بتوجيه تحذير لإيران بعد زيارة إسماعيل قاآني إلى بغداد، وكتب في تغريدة له على تويتر "بناء على معلومات أو اعتقاد، تخطط إيران أو وكلاؤها للهجوم على القوات أو الأصول الأمريكية في العراق، وإذا حدث ذلك، ستدفع إيران ثمناً باهظاً".
وكان بعض من مسئولي المخابرات الأمريكية قد قالوا لوسائل الإعلام المحلية، إن هناك تحذيرات من قيام وكلاء إيران بهجوم على القوات الأمريكية.
تجدر الإشارة إلى أن القوات الامريكية بمعسكر التاجي، تعرضت إلى هجوم صاروخي الشهر الماضي أدى إلى مقتل جنديين أمريكيين وآخر بريطاني.
وقامت الولايات المتحدة منذ هجوم مارس/آذار الماضى، بنقل قواتها في العراق إلى قواعد أكبر في أماكن متفرقة من البلاد، كما سلم التحالف الدولي بالعراق مطار القيارة غرب شمال العراق إلى القوات الأمنية العراقية.
ومن المتوقع بحسب بيان التحالف الدولي، أن تنسحب القوات الأمريكية من قاعدة k1 الجوية في مدينة كركوك. كما أعلن المتحدث باسم العمليات العسكرية الأمريكية في العراق، أن مئات الجنود الأمريكيين غادروا العراق بشكل مؤقت، كإجراء وقائي لمكافحة الإصابة بفيروس كورونا.
وبالعودة إلى تهديد ترامب الأخير للجمهورية الإسلامية الإيرانية، جاء الرد سريعاً من رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، الذي صرح في مؤتمر صحفي يوم 2 أبريل/نيسان قائلاً "في الأيام الأخيرة زادت الاستفزازات الأمريكية في العراق، وإن إيران تراقب التحركات الأمريكية في المنطقة، وسترد رداً قاسياً على أي فعل أمريكي".
ورداً على اتهام الولايات المتحدة لإيران في الهجمات الأخيرة على القوات الأمريكية بالعراق، اعتبر باقري "إن الأحداث التي وقعت في الأسابيع الأخيرة ضد القواعد الأمريكية، هي رد فعل طبيعي لشعب العراق، وجماعات المقاومة رداً على اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وليس لنا صلة بها".
احتمالات التصعيد بين الأمريكيين والإيرانيين
يرى بعض الخبراء داخل إيران، أن واشنطن وطهران، لديهما استعداد للتصعيد في الميدان المشترك بينهما: العراق.
يقول المحلل السياسي المقيم بطهران شهيد رنجي بور، لـ "عربي بوست"، "موقف الولايات المتحدة المتعنت من أزمة إيران في مكافحة أزمة فيروس كورونا، زاد من تعقيد الأمور بينهما، وجعل احتمالية زيادة التصعيد أقرب من أي وقت".
ويري رنجي بور، أن أزمة كورونا، في إيران كان من الممكن أن تكون نقطة إيجابية في الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، لكن العكس هو ما حدث، وأصبحت سيناريوهات خفض التصعيد، بعيدة المنال، مقابل توتر الأمور أكثر من ذي قبل.