الإجابة القاطعة على لسان المحامي المحافظ جيري فالويل كانت "لا"، مؤكداً أنه لا يمكن أن يتخيل أن ترامب يقدم شيئاً ضاراً بمصلحة البلاد، نعم يدرك رجال السياسة والدين في أمريكا جيداً أن ترامب ليس نموذجاً للرئيس المؤمن، لكنهم يعرفون أن هذا الرجل يجيد تحقيق أهدافهم التي كاد الديمقراطيون من قبله في تبديدها، بل إن هذا الرجل مخلص لوعوده بصورة حاسمة، بدأها بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واليوم يعلن سيادتها على هضبة الجولان، فهو عدو أعدائهم بلا أدنى مهادنة في معركة الخير والشر ضد العالم العلماني، حيث يمثل الأخير تهديداً للقيم المسيحية.
هدية السماء في مهمة إلهية
الثقة التي استمدها ترامب من الإنجيليين انعكست في صورة تأييد مطلق لسياساته وتبرير أخطائه حتى الشخصية منها، مستخدمين الخطاب الديني في إقناع المواطن الأمريكي بأن ترامب هو المخلص، وربما جاء أحدث تشبيه أطلقه مايك بومبيو وزير خارجيته: "من الممكن أن يكون ترامب قد أرسل إلينا لحماية الشعب اليهودي من خطر إيران".
التصريح المثير الذي أدلى به بومبيو خلال مقابلته مع شبكة البث المسيحية Christian Broadcast Network، جاء ضمن حديثه حول دور ترامب في حماية إسرائيل، مؤكداً بقين أن "الربّ يعمل هنا".
المحاور كريس ميتشل ربط بوضوح بين تصريح بومبيو بقصة إنجيلية موازية، عن الملكة "إستير" التي تزوجت ملك من بلاد فارس لإنقاذ اليهود من خطر هامان قبل 2500 عام، بحسب الرواية اليهودية، مضيفاً ميتشل أن هامان هذا الزمان هو إيران، خاصة مع تزامن زيارة بومبيو للقدس في عطلة "بوريم" اليهودية التي تخلد ذكرى تتويج الملكة إستير.
بينما من جانبه وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن قرار ترامب بشأن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان بعد أن كانت جزءاً من سوريا منذ 1967، بمعجزة "بوريم".
بومبيو الذي يبدو للجميع كواعظ إنجيلي أكثر من كونه وزيراً للخارجية، يستغل إيمانه "كمسيحي إنجيلي" -حسبما يكرر مراراً- في تلميع صورة ترامب وسياساته، لذا ثمة رسالة هامة حملها بومبيو إلى القاهرة في زيارته الأخيرة، والتي عبر عنها من خلال خطابه بالجامعة الأمريكية حين ألمح أن الولايات المتحدة على استعداد لاحتضان الأنظمة المحافظة بالشرق الأوسط، بغض النظر عن قمعها، فقط إذا تحالفت مع أمريكا ضد إيران، مغلفاً خطابه باللمحة الإنجيلية قائلاً: "أضع أمامي دائماً الإنجيل مفتوحاً، لكي يذكرني بالرب وكلمته والحقيقة".
رجل الله المختار
بحسب استطلاعات الرأي التي جرت في ولاية ألاباما عام 2016، على نحو مليون مواطن إنجيلي، أظهرت النتائج أن 80% من الإنجيليين البيض صوتوا لصالح ترامب، فهم يرونه رجل الله المختار، والأنسب لهذا المنصب.
الجميع يعرف أن ترامب ليس النموذج المثالي للرئيس المسيحي، فهو رجل مطلق مرتين، وله فضائح جنسية مع ممثلة أفلام إباحية، بل وقدم لها الرشاوى نظير صمتها، فضلاً عن تصريحاته العنصرية ضد الأقليات والمهينة للمرأة، كل تلك الصفات لم تهز للزعماء الدينيين شعرة، ولم تفقدهم حماسهم تجاه ترامب.
الشعب الأمريكي في الانتخابات النصفية في نهاية 2018، أرسلوا رسالة للعالم أنهم راضون عن رئيس يتجه بهم إلى الرخاء الاقتصادي، بل يؤيدون سياساته، وإن كانت تبدو قاسية، لكنها حكيمة وتخدم مصالح البلاد.
كل رجال الرئيس
مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، يصف نفسه دائماً بمسيحي محافظ وجمهوري، وفق هـذا الترتيب، له آراء مجتمعية متشددة حول المثلية والإجهاض، كما آن تاريخه السياسي داعماً لقتال من وصفهم أعداء الولايات المتحدة، في الحرب التي وصفت بالصليبية المقدسة في عهد جورج بوش الابن، كما يدعم حق إسرائيل في استخدام القوة المفرطة في حربها ضد قطاع غزة.
المحامي المخضرم جيري فالويل، رئيس جامعة ليبرتي والتي أسسها وتهدف إلى تخريج أجيال تغير العالم من خلال المسيحية، حين سئل في حوار لصحيفة واشنطن بوست حول ما إذا كان نوعاً من النفاق أن يدعم بقوة رئيساً متهما بالخيانة الزوجية والكذب ويدعم العنف، ربما يغفر له الرب ولكن هل يصلح لقيادة البلاد؟ جاء رد فالويل بأن "القادة لا يجب اختيارهم بناءً على سلوكهم الشخصي"، مضيفاً أن "هناك مملكتين إحداهما أرضية وأخرى سماوية، وهو مسؤول عن المملكة الأرضية"، لذا فهو يراه الشخص الأمثل لقيادة البلاد لخبرته العميقة في مجال المال والاقتصاد.
من جهته اختار ترامب في مراسم تنصيبه 6 من الزعماء الدينيين، أربعة منهم من الإنجيليين.
البيت الأبيض: الرئيس يعشق اليهود
كوشنر سليل الناجين من الهولوكوست وزوجته التي تحولت لليهودية بعد زواجهما، يلتزمان بالشعائر اليهودية ويعلقان آيات التوراة على أبوابهما، ويلحقان أبناءهما بالمدارس اليهودية.
وفي الوقت الذي يشكك فيه اليهود في إخلاص ترامب للشعب اليهودي، يؤكدون أن إيفانكا وكوشنر هما الحملان اللذان يستخدمهما الرئيس الأمريكي لتحسين صورته، ولتجنب الاتهام بمعاداة السامية، حتى أشد اليهود انتقاداً لسياسات ترامب، يتراجعون عن التشكيك في صدق نوايا أبرز زوجين أرثوذكس يهود على الساحة السياسية.
الأمر ليس خفياً على أحد، فالبيت الأبيض بيَّض وجه ترامب أمام اليهود بإعلانه ديانة ابنته وزوجها، فيما وصف الرئيس الأمريكي بأنه "يعتز بالجالية اليهودية الأمريكية لما أسهمت به لصالح البلاد، بل ويعشق اليهود فهم جزء من عائلته، وهو جد لعدد من الأطفال اليهود وصهره من نسل الناجين من المحرقة، فكيف له أن يعادي السامية؟".