لماذا لم يلتزم العالم بنصيحة “خليك في البيت” كما حدث في الصين؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/03/24 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/24 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
سيدة تتابع حديث جونسون بشأن كورونا / رويترز

تواجه أوروبا والولايات المتحدة تحدياً غير مسبوق لمحاولة احتواء تفشي فيروس كورونا بين مواطنيها، بعد أن تحولت القارة العجوز لبؤرة انتشار الوباء، وسط تساؤلات حول مدى التزام مواطني تلك الدول بالنصائح الحكومية المتكررة بالبقاء في المنازل وتطبيق التباعد الاجتماعي، فعلى من يقع اللوم؛ الحكومات أم الشعوب؟

إجراءات متدرجة ونصائح

استيقظ البريطانيون اليوم الثلاثاء 24 مارس/آذار على قرار رئيس الوزراء بوريس جونسون بحظر التجمعات على أكثر من شخصين وفرض قيود صارمة على ممارسة التمارين الرياضية، ووجه رسالة للشعب: "لابد أن تبقوا في المنازل".

رسالة جونسون جاءت بعد رسالة أخرى منه أمس الإثنين 23 مارس/آذار قال فيها إن بريطانيا ستوقف حفلات الزواج وغيرها من التجمعات وستغلق المتاجر والملاعب لدفع المواطنين للالتزام بتعليمات البقاء في المنازل لتخفيف آثار فيروس كورونا، مضيفاً أن كل المتاجر التي تبيع سلعاً غير ضرورية ستغلق وكذلك المكتبات ودور العبادة وستعلق الفعاليات الاجتماعية باستثناء الجنازات، مشيراً إلى أن بلاده تواجه أخطر تهديد منذ عقود.

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع الرئيس إيمانويل ماكرون
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع الرئيس إيمانويل ماكرون

وكانت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية كشفت قبل أيام أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد هدد جونسون بإغلاق الحدود مع بريطانيا إذا تقاعس عن اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لاحتواء تفشي فيروس كورونا، وتبع ذلك اتخاذ جونسون الجمعة الماضي 20 مارس/آذار قراراً بإغلاق الحانات والمطاعم والمسارح ودور السينما وصالات الألعاب الرياضية لإبطاء التفشي المتسارع للوباء.

لم يتعلم أحد مما حدث في إيطاليا

هذا التردد البريطاني في اتخاذ الإجراءات المحتومة يثير التساؤلات، خصوصاً في ظل ما حدث ويحدث في إيطاليا، التي شهدت أول وفاة بسبب الفيروس يوم 21 فبراير/ شباط الماضي فقط واليوم (خلال شهر وثلاثة أيام فقط)، يوجد فيها أعلى عدد من الوفيات عالمياً أكثر من 6000 وعدد الإصابات نحو 64 ألفاً.

وتمثل رد الفعل الإيطالي أيضاً بالتردد والبطء، فبدأت السلطات بإغلاق المناطق الحمراء المصابة في الشمال، ومع استمرار التفشي بنسق متصاعد، تم إغلاق البلاد بأكملها يوم 9 مارس/آذار ثم تهديد المخالفين لقواعد الإغلاق بغرامة 232 يورو والحبس 6 أشهر.

ورغم ذلك رصدت الشرطة الإيطالية مئات الآلاف من الخروقات للحظر، وقال مدير الصليب الأحمر الصيني الأسبوع الماضي إن القواعد الإيطالية – الأكثر صرامة حتى الآن في أوروبا – لم تكن صارمة بما يكفي لمواجهة الوباء. وتلى ذلك استدعاء الحكومة الإيطالية للجيش كي يفرض حظر التجول بالقوة بعد أن وصلت الإصابات والوفيات لأرقام مرعبة وعجزت المستشفيات تماما عن تقديم الرعاية للمصابين.

لكن اللافت أن كثيراً من الدول الأوروبية لم تتعلم الدرس مما حدث في إيطاليا، ولا تزال إجراءاتها تتسم بالتردد والتأخر خطوات خلف السرعة المربكة التي ينتشر بها الفيروس.

لا أحد يلتزم بنصيحة حكومية

ويفسر نيك تشيتر أستاذ علم السلوك في كلية ويرويك للأعمال عدم التزام المواطنين في الدول الغربية بنصائح الحكومات الالتزام في المنازل، بأن "الرسائل الصادرة عن قادة تلك الدول كانت ولا تزال مرتبكة جداً"، فهم يغلقون المطاعم والمقاهي والمسارح والمدارس تدريجياً وعلى مدى أسابيع، ويناشدون الناس الالتزام "بنصائح" البقاء في المنازل للمساعدة في احتواء تفشي الوباء.

الرئيس الصيني

"عندما توجه السلطات نصيحة هادئة للناس أن يفعلوا شيئاً ما، لا أظن أن عدم التزام الناس بتلك النصيحة يعتبر أمراً مستفزاً أو غير منطقي،" بحسب ما قاله تشيتر لسي إن إن، مضيفاً: "لأن الرسالة المبطنة هنا هي أن الأمر ليس ضرورياً أو حتمياً أو هاماً لهذه الدرجة، فلو كان الأمر بهذه الأهمية لما جاء في صورة نصيحة بل في صورة قانون مرتبط بعقوبة. لا أحد يقول لك "أنصحك بعدم كسر إشارة المرور الحمراء"، بل "إذا كسرت إشارة المرور، فأنت تخالف القانون وستعاقب".

وفي هذا السياق تأتي المقارنة بين الإجراءات الاستبدادية التي اتخذتها الصين في مقاطعة هوبي ومدينة ووهان – منشأ الفيروس – بوضع نحو 60 مليون مواطن قيد العزل الصارم واعتقال أي شخص يخالف القواعد وفرض رقابة مطلقة حتى داخل المنازل نفسها، وبين "النصائح" والإجراءات المترددة والمتأخرة التي تتخذها الحكومات الغربية.

ولا يمكن الدفع هنا بأن خطورة الوباء لم تكن قد اتضحت بالصورة الكاملة، فقبل أول وفاة بالفيروس في إيطاليا، كان العالم كله قد أدرك بالفعل أن هناك وباء سريع الانتشار ولا يوجد له علاج ولا لقاح أصاب عشرات الآلاف وقتل أكثر 3 آلاف شخص في الصين وانتقل منها لإيران، وبالتالي لا يوجد منطق وراء تلك الرسائل المترددة ولا "النصائح" الحكومية غير الملزمة، فتلك الرسائل تفسر ببساطة من جانب غالبية الناس أن الأمر لا ينطوي على خطورة كبيرة.

تحميل المزيد