"100 دولار تُختلس من المنح المخصصة لكل أسرة لتمويل حفتر"، مفاجأة كشفتها مصادر ليبية مطلعة لـ"عربي بوست" عن الأساليب التي يلجأ إليها الجنرال الليبي المتقاعد لتعويض الأزمة المالية التي يواجهها، خاصة مع تحركات حكومات الوفاق لوقف استنزافه للموارد الليبية التي تهدد بانهيار المصارف بشرقي البلاد.
ويعتمد الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في تمويل قواته على مزيج من سندات غير رسمية وأموال نقدية مطبوعة في روسيا، وودائع من بنوك المنطقة الشرقية بليبيا، مراكماً بذلك ديوناً على الدولة الليبية قاربت الـ50 مليار دينار ليبي، أي (أكثر من 35 مليار دولار) خارج النظام المصرفي الرسمي بطرابلس، إضافة إلى بعض العمليات المشبوهة كتصدير الخردة وبيع النفط خارج المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وتجارة البشر، ناهيك عن الدعم المالي واللوجستي المقدم من دول إقليمية ودولية كفرنسا وروسيا والإمارات ومصر والأردن، وفق التقارير التي نشرتها منظمات ومؤسسات دولية، وعلى رأسها تقارير هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
ووصل الأمر إلى الاختلاس من المخصصات التي توجهها حكومة الوفاق لأرباب الأسر في شرق ليبيا للتعامل مع الظروف التي تعاني منها البلاد، وذلك بهدف التغطية على الخسائر التي سببها حفتر لأحد المصارف.
فقد ذكر مصدر "مسؤول" بمصرف التجارة والتنمية بشرقي ليبيا أنه تم حجز 100 دولار من مخصصات أرباب الأسر (كل أسرة تنال 500 دولار) لاستخدامها لدعم رصيد مصرف التجارة والتنمية المنخفض لدى المصرف المركزي بطرابلس إلى 130 مليون دينار ليبي، بعد أن كان برصيد 250 مليون دينار نتيجة تمويله للواء المتقاعد خليفة حفتر.
ومن المفارقات أن حفتر يستغل أموال الدولة الليبية التي توزعها حكومة الوفاق لإسقاط هذه الحكومة.
ويبدو أن هذه الحكومة قررت التحرك بفاعلية لوقف استنزاف الجنرال المتقاعد لموارد البلاد، خاصة أن التمويل هو بمثابة شريان الحياة بالنسبة لهجومه على طرابلس.
التصدي لتجارة النفط والخردة غير المشروعة
وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق الوطني (فتحي باشا أغا) قال لـ"عربي بوست"، إن الوزارة اتخذت جملة من الإجراءات كانت بالتعاون مع الإدارة الأمريكية في المجال الأمني وتدريب العناصر الأمنية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ومكافحة تهريب الهجرة غير الشرعية، حيث قامت الوزارة بمكافحة تهريب الخردة وبيعها، وذلك بما ينص عليه القانون الليبي، وأيضاً مكافحة بيع النفط خارج المؤسسة الوطنية للنفط المعترف بها في طرابلس، ومكافحة تهريب الهجرة غير الشرعية.
وقال إن هذه الإجراءات تحد من تمويل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي تشكل أكثر من 60% من مصادر تمويله. مؤكداً أن وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني نجحت في عديد من الأمور التي من شأنها تجفيف منابع تمويل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وفي بيان لها اتّهمت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق بتسيير رحلات جوية بين دمشق وبنغازي عبر شركة أجنحة الشام، المدرجة ضمن لوائح عقوبات وزارة الخارجية الأمريكية، وإقامة نشاطات تجارية مشبوهة معها.
وحثّت وزارة الداخلية عبر بيانها مصارف المنطقة الشرقية بعدم التعامل مع هذه الشركة، ودعت البعثة الأممية وفريق العقوبات بمجلس الأمن إلى توثيق 5+5 الأفعال المخالفة لقرارات مجلس الأمن.
الخارجية أبلغت مجلس الأمن بخروقاته
"وزارة الخارجية خاطبت مجلس الأمن بكل الخروقات التي يقوم بها حفتر وأولها بيع النفط بطريقة غير مشروعة"، حسبما قال الناطق باسم وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني محمد القبلاوي لـ"عربي بوست".
وأضاف: "لقد وجدنا تجاوباً من المجتمع الدولي، ما أعاق عملية البيع هذه، موضحاً أنه كان للوزارة بالتعاون مع وزارة الداخلية أيضاً دور فعال في الحد من بيع الخردة، والتي تعتبر ثاني أهم المصادر لتمويل قوات حفتر".
وأكد القبلاوي أن كل الإجراءات التي اتخذتها الوزارة كانت بالتنسيق مع باقي الوزارات والمؤسسة الوطنية للنفط.
هل اقتربت نهاية العملة التي زورتها روسيا لصالحه وأسهمت في تمويل هجوم طرابلس؟
"إنها عملة مزيفة"، هكذا وصف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج العملة التي طبعتها روسيا لصالح حفتر.
وقال إن المجلس الرئاسي يعتبر أن عملية طباعة النقود التي يقوم بها مصرف ليبيا المركزي الموازي بمدينة البيضاء شرقي ليبيا خارج الإطار الذي رسمه القانون، تقليد للنقود الوطنية المتداولة في البلاد ويعاقب عليه القوانين المنصوص عليها في الدولة الليبية.
وحذّر المصارف التجارية من تداول هذه العملة أو قبولها أو التعامل بها على أي وجه، مطالباً بتوعية المواطنين بخطورة حيازتها كونها جريمة يعاقب عليها القانون.
ولجأ البنك المركزي الموازي التابع لحفتر إلى طبع العملة الليبية في روسيا، حيث تحدثت مصادر صحفية عالمية عن حصول 10.8 مليار دينار ليبي على موافقة جمركية روسية خلال أعوام 2016، و2017 ، و2018.
وصادرت السلطات المالطية حاويتين من العملة الليبية كانتا متوجهتين إلى البنك الموازي في مدينة البيضاء شرقي ليبيا.
وكانت بيانات جمركية روسية كشفت أن المركزي الموازي التابع للحكومة المؤقتة في البيضاء الموالية لحفتر كثف من عمليات تسليم الأوراق النقدية الجديدة من موسكو، قبل بدء الحرب التي شنها حفتر على طرابلس وحتى الآن.
حافظ الغويل، عضو معهد الدراسات الدولية بجامعة جون هوبكنز الأمريكية اعتبر في تصريح صحفي أن عدم الاعتراف بالعملة المطبوعة في روسيا من قبل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قرار صائب اقتصادياً وسياسياً، كان يجب اتخاذه منذ فترة، عندما بدأ بنك البيضاء الموازي بطباعة الأوراق النقدية في روسيا.
وأوضح الغويل أن الأموال المطبوعة في روسيا مكنت حفتر من الاستمرار في بناء ماكينته العسكرية، وعند قراره بالاعتداء على طرابلس احتاج للكثير من الأموال لمساعدته في تحمل نفقة الحرب الباهظة على العاصمة طرابلس.
وأضاف الغويل أن العملة الروسية تُسهم في رفض -حفتر خصوصاً والمنطقة الشرقية عموماً- أي حل سياسي، حيث إن توفر المورد المالي يبعد حفتر عن اللجوء إلى التفاوض السياسي.
وتمنع المصارف التجارية والمحلات في طرابلس والمدن المجاورة غربي البلاد من تداول النقود المطبوعة في روسيا.
شبح الإفلاس يهدد بعض المصارف التجارية شرقي ليبيا بسبب تمويل حفتر
وذكّر مصدر تابع لمصرف ليبيا المركزي طرابلس بأن المصرف فرض عقوبات على مصرفي التجارة والتنمية والوحدة، بعد منحهما مهلة للكشف عن حساباتهما، حيث إن أرصدة مصرف التجارة والتنمية بمصرف ليبيا المركزي طرابلس انخفضت إلى 130 مليون دينار ليبي من واقع 250 مليون دينار، موضحاً أن مصرف التجارة والتنمية شهد عدة تعثرات نتيجة لوجود إدارته بالمنطقة الشرقية.
أوضحت مصادر صحفية متخصصة في الشأن الاقتصادي الليبي أن رئيس مصرف التجارة والتنمية "جمال عبدالمالك"، بادر منذ بداية الحرب التي يشنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس بتخصيص مئات الملايين من الدنانير لصالح قوات حفتر، بالإضافة إلى اختلاس أموال شركات الاتصالات.
ووصل الأمر إلى اختلاس 100 دولار من المخصصات الموجهة لأرباب الأسر التي أقرها مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، بقيمة 500 دولار لكل شخص بسعر الصرف الرسمي.
كما يبدو أن عملية نهب موارد الدولة الليبية شملت شركات الاتصالات الحكومية.
وفي بيان رسمي لها طالبت الشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات القابضة والمالكة لشركة ليبيانا للاتصالات والتقنية رئيس حكومة الوفاق ومحافظ مصرف ليبيا المركزي بالتدخل لحماية أموال الشركة في المنطقة الشرقية، بعد أن تمت ملاحظة حركة مصرفية غير سليمة بحساب الشركة بمصرف الوحدة في بنغازي.
وبحسب المصادر فإنه قد تم سحب ما لا يقل عن 112 مليون دينار ليبي من حسابات شركة ليبيانا بمصرفي التجارة والتنمية ومصرف الوحدة بالمنطقة الشرقية، لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعدها قامت شركة ليبيانا بسحب أموالها وإقفال حساباتها بهذه المصارف، ورفضت فتح وكالة لها إلى الآن بالمنطقة الشرقية.
ويرى مراقبون أن نتائج تحركات حكومة الوفاق في المجال المالي كان لها تأثير على المعركة.
إذ يواجه الجنرال المتقاعد خليفة حفتر مشاكل في تمويل حملته العسكرية للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، في ظل شح الموارد المالية، خاصة بعد أن قامت حكومة الوفاق الوطني بخطوات لتجفيف منابع تمويل قوات حفتر.