فيروس كورونا يثير الذعر حول العالم ويحصد الأرواح في أوروبا وأمريكا وآسيا، بينما تبدو قارة إفريقيا صامدة حتى الآن، فهل السبب هي درجات الحرارة المرتفعة؟ أم هي خبرة التعامل مع الأوبئة مثل الإيبولا، أم أن هناك أسباباً أخرى أخرت تفشي كورونا في القارة السمراء؟
إصابات قليلة مصدرها أجانب
فيروس كورونا الذي يجتاح أوروبا الآن ظهر فيما لا يقل عن 27 من بين 49 دولة في إفريقيا جنوبي الصحراء، لكن في معظمها، لم يتجاوز عدد الحالات المسجلة رقم تسعة، باستثناء السنغال التي وصل بها عدد الإصابات إلى 26، ولم تظهر على الأغلب في الداخل وإنما جاءت من الخارج، ومن أوروبا بالأساس، بحسب تقرير لرويترز اليوم الأربعاء 18 مارس/آذار.
وفي الكاميرون، قال مسؤولو الصحة إنه عندما تبين ارتفاع درجة حرارة راكب قادم من بروكسل لدى وصوله إلى مطار نسيمالين في ياوندي العاصمة، نُقل بسرعة إلى المستشفى وبعد أربع ساعات جرى تشخيص إصابته بفيروس كورونا المستجد ليصبح بذلك رابع حالة إصابة في البلاد.
وتجري الكاميرون الواقعة في وسط إفريقيا فحصاً طبياً أشمل منذ وقت طويل قبل كشف الصين عن الفيروس الجديد الذي قتل أكثر من 7500 شخص على مستوى العالم، وتأمل الكاميرون وبلدان أخرى في القارة الإفريقية، أن تساعد خبرتها في التعامل مع الإيبولا وغيرها من الأوبئة نظامها الصحي على التعامل مع جائحة قد تنتشر فيها بسرعة.
وقال جورج ألن إيتوندي مبالا، الذي يدير وحدة الاستجابة في وزارة الصحة بالكاميرون، لرويترز: "لدينا حالات لم تكتشفها التدابير في فرنسا وإيطاليا اكتُشفت هنا" واصفاً عملية الفحص "بشبكة التجسس"، ومضى يقول: "الأوبئة تأتي وتذهب، لكننا نستمر في المراقبة".
خبرة التعامل مع الأوبئة
أمس الثلاثاء، قررت الكاميرون إغلاق حدودها البرية والجوية والبحرية إلى أجل غير مسمى وهي خطوة غير مألوفة في قارة تخشى منظمة الصحة العالمية من أن الحدود غير المحكمة بين دولها تعني أن حركة التنقل قد تستمر دون رقابة.
وفي العاصمة السنغالية دكار، تدوي إعلانات عبر مكبرات صوت على سيارات تجوب الشوارع لحث الناس على غسل أيديهم، وينقل بعض تلاميذ المدارس أبرز النقاط من درس تلقوه مؤخراً وهو دورة دراسية سريعة عن الوقاية من كوفيد-19.
والدول التي لا توجد فيها حالات إصابة بفيروس كورونا تتحرك، وقالت حكومة مالي أمس أيضاً إنها قررت تعليق الرحلات الجوية القادمة من بلدان ظهر فيها الفيروس بينما قال محمد إيسوفو رئيس النيجر في بيان إن بلاده قررت وقف الرحلات الدولية وإغلاق الحدود البرية لمدة أسبوعين اعتباراً من يوم الخميس.
والمستشفيات في أنحاء القارة مثقلة بالفعل بحالات الحصبة والملاريا وغيرهما من الأمراض المعدية المميتة وأدت الصراعات إلى نزوح مئات الآلاف ودمرت البنية التحتية.
نشرت صحيفة فايننشيال تايمز تقريراً حول ما قد يكون تفسيرات لعدم تفشي فيروس كورونا في القارة السمراء كما يحدث في أوروبا وآسيا وأمريكا على الأقل حتى الآن، على الرغم من الظروف التي تمثل بيئة مثالية لتفشي الفيروس في أغلب دول ومناطق إفريقيا من نقص حاد في التجهيزات الطبية إلى تكدس الملايين في تجمعات سكنية لا توجد فيها أبسط مقومات الحياة مثل المياه.
أحد التفسيرات لانخفاض حالات الإصابة بكورونا في إفريقيا السمراء يعود إلى خبرة التعامل مع الأوبئة؛ فعلى الرغم من قلة الموارد المتوفرة لدى النظم الصحية الإفريقية، إلا أنها اعتادت التعامل مع الأمراض المعدية. ففي عام 2014 على سبيل المثال، انهار رجل ليبيري مصاب بفيروس إيبولا في صالة الوصول بمطار لاغوس، وقامت السلطات النيجيرية بعمل رائع في تعقب الأشخاص الذين اتصل بهم ووضعوهم في الحجر الصحي، وتفادوا انتشار المرض.
وفي فبراير/شباط الماضي، اكتشفت السلطات في نيجيريا إصابة رجل أعمال إيطالي بفيروس كورونا وكانت تلك أول حالة في البلاد، وعلى الفور بدأت السلطات – التي تتعامل بالفعل مع انتشار حمى لاسا – بمتابعة المرض ولم تسجل فيها سوى 3 حالات فقط حتى اليوم.
وفي هذا السياق، رغم أن فيروس الإيبولا أودى بحياة أكثر من 11 ألف شخص في غرب إفريقيا بين عامي 2013 و2016، معظمهم في غينيا وليبيريا وسيراليون، ودمر مجتمعات لكنه قدم دروساً قيمة، وتتعاون المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، التي أنشأها الاتحاد الإفريقي في 2017، مع منظمة الصحة العالمية لتعزيز التنسيق في مواجهة الطوارئ وتحسين الفحص والمراقبة وتجهيز مراكز العلاج.
درجة الحرارة المرتفعة
أحد التفسيرات أيضاً هو العلاقة بالحرارة؛ أن الفيروس لا ينتشر بشكل كبير في الطقس الحار، وإن كان عدد قليل من العلماء يميلون لهذا التفسير لعدم وجود أدلة قوية تدعمه، وإذا كانت تلك العلاقة بين الحرارة والفيروس صحيحة، فإن هذا بالطبع بشرى سعيدة بالنسبة لنصف الكرة الأرضية الشمالي الذي قد يشهد هدنة لالتقاط الأنفاس مع انقضاء فصل الشتاء ودخول فصل الربيع ثم الصيف، وهو ما قد يعطي فرصة للأنظمة الصحية لإعادة ترتيب الأوراق وتكثيف العمل على التوصل للقاح تحسباً لجولة أخرى مع الفيروس المخيف.
ربما تكون إفريقيا قد نجت من أسوأ تفشي لفيروس كورونا، في الوقت الحالي على الأقل، بينما، في كثير من الأحيان، تكون في طليعة المعركة ضد أمراض معدية، وفي الشهر الجاري، تم تسريح آخر مريض بالإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبدأ العد التنازلي لمدة 42 يوماً للإعلان عن القضاء على المرض الذي قتل 2264 من بين 3444 شخصاً مصاباً، وهو "معدل قتل" مخيف، بينما معدل الوفاة من كورونا لا يزيد عن 3%.
هل إفريقيا ليست في خطر إذاً؟
لكن المخاطر بالنسبة لإفريقيا تظل كبيرة، فإذا وصل المرض إلى المناطق الأشد فقرا، فإن عوامل كالظروف المعيشية البائسة والازدحام قد تجعله ينتشر بسرعة البرق، وقال جون نكنجاسونج، رئيس المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يوم 11 مارس/آذار "على إفريقيا أن تستعد لتحد كبير"، وأضاف: "ما زلت أعتقد أن احتواء التفشي ممكن، لكن من خلال توسيع الفحص والمراقبة".
فالاحتواء والتباعد الاجتماعي يبدوان مستحيلين في بعض المناطق، ففي جنوب السودان، الذي دمرته حرب أهلية استمرت لمدة خمس سنوات، قال الدكتور أنجوك جوردون كول، مدير حوادث التفشي في وزارة الصحة، إنه لا يوجد لدى الحكومة سوى 24 سريراً لعزل المرضى، وأضاف أن مسؤولي الصحة العامة يحثون الناس على غسل اليدين، لكن الكثيرين في الدولة الفقيرة، التي تقع في شرق إفريقيا ويبلغ عدد سكانها 12 مليوناً، لا يستطيعون شراء الصابون وليست لديهم مياه نظيفة جارية.
وفي بوركينا فاسو، التي تواجه جماعات متشددة مرتبطة بتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، قالت وزارة الصحة في تقرير إن البلاد لا تملك الموارد للتعامل مع تفشي الفيروس، وقال التقرير إنه لا توجد عند المعابر الحدودية مواقع لعزل الحالات المشتبه بإصابتها، ولا يوجد في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا ما يكفي من العمالة المدربة في قطاع الصحة. وأضاف التقرير: "قد يؤدي هذا إلى معدلات وفيات مرتفعة وتزايد خطر انتشار المرض".