من الخطر أن تكون مواطناً صينياً مقيماً في مصر هذه الأيام. قال طالب صيني في جامعة الأزهر، يعيش في مصر منذ 5 سنوات، لموقع "درج" اللبناني، إنه لطالما حظي بمعاملة جيدة وقوبل بالترحيب في كل مكان يذهب إليه. لكن "الجميع أصبح خائفاً مني الآن، ولم يعد أحد يرغب في التواصل معي، سواء للأكل أو الدراسة".
وهو ليس الوحيد الذي يعاني من ذلك. إذ أظهرت فيديوهات على صفحات الإنترنت رجلاً آسيوياً يطرده الركاب من الحافلة، وفي مطعم شهير في القاهرة الناس يفرّون بعد ظهور رجل آسيوي.
دليل التعامل مع الكورونا على مواقع التواصل
وإذا رغب المصريون في الحصول على دليل عن كيفية محاربة فيروس كورونا المستجد، فلن يجدوه على صفحة وزارة الصحة المصرية، بل على الشبكات الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، تقترح المواقع أكل الأسماك المملحة (الفسيخ) التي عادةً تؤكَل في الأعياد.
وتدعو نصيحة أخرى إلى تطهير الجسد قبل الصلاة، مع التركيز على فتحتي الأنف؛ لأنَّ الماء الطهور يقضي على الفيروس. فيما يحذر البعض الآخر من ممارسة الجنس لأنه يمكن أن ينقل الفيروس، وآخرون يحذرون من الاقتراب من الحيوانات الأليفة. وهناك نصيحة تدعو على الأخص إلى "عدم تناول الأسبرين إذا كنت مصاباً (بكورونا المستجد) بالفعل؛ لأنه من المعروف أنَّ الأسبرين يقتل مرضى الفيروس"، وغيرها من النصائح الغريبة التي تغرق وسائل التواصل الاجتماعي.
وينشر الأطباء أيضاً فيديوهات على صفحات الإنترنت، لكن الأسعار التي يعرضونها مقابل تقديم العلاج مغالى فيها. إلى جانب ذلك، رفع أصحاب الصيدليات أسعار أدوية الإنفلونزا والأقنعة الطبية، ووصل سعر هذه الأخيرة إلى 10 أضعاف السعر السابق.
هل الوضع تحت السيطرة حقاً؟
تقول صحيفة Haaretz، مع ذلك، تواصل السلطات المصرية إصرارها على أنَّ كل شيء تحت السيطرة، وأنَّ الخدمات الصحية مستعدة لاستقبال المرضى المصابين في أجنحة خاصة معزولة. ولم تغلق مصر حدودها إلى الآن، ولا تزال المدارس والجامعات تعمل بكامل طاقتها.
لكن اكتشاف العشرات من حالات الإصابة -من الصعب الحصول على أرقام دقيقة- في بلد يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة، بعد أيام قليلة من إعلان وزارة الصحة أنَّ مصر خالية من الفيروس، أجَّج الوضع. ويبدو أنه سيتعين على مصر الانضمام إلى دول أخرى في المنطقة وإغلاق أبوابها.
وبدأ الضرر الاقتصادي بمجرد اتخاذ السعودية قراراً بمنع دخول الزوار الأجانب القاصدين مكة والمدينة. وقبل هذا القرار، أصدرت وكالات السفر المصرية 4000 تأشيرة حج، لكن الحجاج أصبحوا عالقين في وضع حرج.
وكل عام، يتوافد 200 ألف حاج مصري إلى المملكة العربية السعودية، وعادةً ما يبدأ التسجيل للحصول على تأشيرات الدخول في هذا الوقت من السنة. وسيبدأ موسم الحج في شهر يوليو/تموز من العام الجاري، لكن هذه المرة معدل التسجيل منخفض. إذ لا يرغب الأشخاص الذين يسعون للحصول على تأشيرات في إيداع الأموال اللازمة خشية ألا يتمكنوا من السفر.
القطاع السياحي يعاني
إلى جانب ذلك، تلقت السياحة الوافدة إلى مصر ضربة كبيرة، وهي مصدر دخل مهم (بقيمة وصلت إلى 12.5 مليار دولار في العام الماضي). فوفقاً لأصحاب الفنادق والمرشدين السياحيين، انخفض عدد الزيارات إلى 10% عن مستواه الطبيعي وقد يتقلص أكثر بعد إصابة 55 سائحاً بفيروس كورونا المستجد أثناء وجودهم على متن قارب سياحي في النيل، مع وفاة سائح ألماني مصاب.
يُذكَّر أنَّ قطاع السياحة في مصر بدأ يتعافى منذ عامين فقط بعد اضطراب الربيع العربي وغياب السياح الروس بعد سقوط طائرة ركاب روسية في عام 2015 أسفرت عن مقتل 224 شخصاً كانوا على متنها. وكان الغرض من زيارتي الأسبوع الماضي التي أجراها وزيرا الصحة والسياحة إلى الأقصر إظهار أنَّ المواقع آمنة وأنَّ السياح ما زالوا يتوافد إليها، لكن ذلك لم يوقف اندفاع عمليات الإلغاء بالجملة.
أزمة أكبر من ذلك تلوح في الأفق
ويعني تجميد السياحة زيادة في معدل البطالة وصفعة لتوقعات الميزانية، التي تضاف إلى المخاوف من تباطؤ الاستثمار الأجنبي، خاصة في صناعة الطاقة. ويعني انخفاض أسعار النفط والغاز، وما يصاحبه من تباطؤ في الاقتصاد أن المستثمرين قد يبتعدون عن قطاع صناعة الغاز الطبيعي والنفط المزدهرة في مصر. ويراقب أسعار النفط عن كثب مئات الآلاف من المصريين الذين يعملون في دول الخليج ويرسلون معظم دخلهم إلى الوطن.
وتشير التوقعات إلى أن هذه التحويلات، التي تُقدَّر بنحو 25 مليار دولار سنوياً، قد تنخفض بشكل كبير إذا بدأت دول الخليج في إعادة العمال إلى أوطانهم. وهذا سيضر مصر ومعظم الدول العربية الأكثر فقراً، وكذلك باكستان والفلبين، اللتين توفران معظم القوى العاملة الأجنبية في الدول الغنية بالنفط في المنطقة.
ونتيجة لذلك، سيتدفق آلاف العمال إلى سوق العمل في مصر، الذي يعجز بالفعل عن توفير وظائف كافية للعاطلين عن العمل. وسيعود بعض العمال بأموال طائلة، لكنهم سيجدون صعوبة بالغة في شراء شقة بسبب النقص المزمن (نقص في مئات الآلاف من الشقق). بالإضافة إلى أنَّ الزيادة في الطلب التي سيخلقونها ستؤدي إلى تفاقم التضخم الهائل في سوق الإسكان؛ ما سيؤثر بالسلب على الطبقة المتوسطة والفقراء.
وستجد مصر نفسها في مواجهة فقاعة عقارية عرضة للانفجار، تماماً مثلما حدث في الأردن في فترة التسعينيات حين طردت دول الخليج العمالة الأردنية بعدما ساندت عمّان صدام حسين. وأدت الفقاعة العقارية التي انفجرت في الأردن إلى أزمة اقتصادية عميقة.
وفي ظل أزمات اقتصادية متراكبة بعضها فوق بعض وأخرى سياسية متشعبة، تشمل الآن شواغل مصر الكثيرة، فيروس كورونا، الذي يمكن أن يصير العامل رقم 1 ليصبح مصير مصر مُعلقاً بالفيروس الصغير.