اختتم عام 2019 عقداً من ارتفاع استثنائي في درجات الحرارة، إضافة إلى أنه يوشك أن يكون ثاني أو ثالث أدفأ عام مسجل. وفي حين يتأرجح متوسط درجة الحرارة العالمية عند 1.1 درجة مئوية أعلى من القياسات التي سجلت قبل عصر الصناعة، فإن الأنهار الجليدية في العالم تذوب وتتراجع بشكل كبير.
تقول مجلة The National Interest الأمريكية، إن أمد ذوبان المستمر للجليد في المناطق الجبلية المرتفعة في فصل الربيع يكفي الناس بالماء لأجيال عديدة. وفي يومنا هذا، يعيش ما يقارب 2 مليار شخص –أو ما يعادل 22% من سكان العالم– في مصبات الجليد والأنهار الجليدية التي يعتمدون عليها مصدراً رئيسيّاً لمياه الشرب. ومن الممكن أن نعد هذه المناطق الجبلية الثلجية والجليدية أبراجاً للمياه؛ إذ توفر إمدادات منتظمة من المياه لأغراض الشرب، والري، وتوليد الطاقة، وتعمل بمثابة مؤن منقذة للحياة في أثناء فترات الجفاف.
ولكن مع اختلاف أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة بفعل تغير المناخ، فإن هذا الجليد آخذ في التراجع والانكماش. وعندما ينكمش الجليد تنكمش كمية المياه المخزنة في أبراج المياه تلك. يقول بيثان دايفيس، الباحث في علم الجليد بكلية رويال هولواي في جامعة لندن: إنني جزء من فريق يضم 32 عالماً دوليّاً تفقدوا 78 برجاً من أبراج المياه تلك حول العالم، وقد حاولنا معرفة كم المياه الذي تخزنه وتمدُّ به، وعدد الناس الذين يعتمدون عليها من أجل البقاء.
مواسم الجفاف قادمة
يُعدُّ حوض السند أهم وحدة تخزين للمياه في قارة آسيا. يؤمن الماء القادم من البحيرات والأنهار الجليدية هنا 206 ملايين شخص في أفغانستان، والصين، والهند، وباكستان؛ إذ يُغذى من الأمطار والجليد في النطاق الجلبي للهيمالايا، والقراقرم، والهندوكوش، واللداخ. ويُستخدم القدر الأكبر من تلك المياه لأغراض ري المحاصيل الزراعية، والصناعة، والشرب.
لكن برج السند المائي يعد أيضاً الأكثر هشاشة في العالم. ومن المتوقع أن تزيد أعداد المعتمدين عليه بشكل مباشر لإمدادهم بالمياه خلال الأعوام الثلاثين المقبلة. في الوقت نفسه، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 1.9 درجة مئوية. ومن الممكن أن يعني انصهار هذا الجليد أن يصبح ملايين الأشخاص في عوز إلى كميات كافية من المياه خلال المواسم الجافة، خاصة في سنوات الجفاف. ونتيجة لهذا، قد تصبح مجتمعات برمتها مجبرة على اللجوء لأماكن أخرى.
وفي أوروبا، تُعدُّ جبال الألب أهم الأبراج المائية للأشخاص الذين يعتمدون على إمداداتها، وتتبعها أحواض أنهار الرون، والراين، والبو. وفي أمريكا الشمالية، يُعدُّ حوضا فرايزر وكولومبيا برجي الماء الأكثر أهمية. ولنهر فرايزر أهمية كبيرة في الطبيعة، إذ يمد بالمياه اللازمة لنظام الغابة البيئي الموجود عند مصبه، في حين أن حوض كولومبيا غني بالجليد والثلوج، ويُعتمد عليه بشكل كبير في أغراض الزراعة بالحقول المحلية.
أما في أمريكا الجنوبية، فإن أبراج جنوب تشيلي، وجنوب الأرجنتين ونيجرو، ولا بونا، وشمال تشيلي، تعد مصادرَ المياه الأكثر أهمية للسواحل العطشى جنوب المحيطين الأطلنطي والهادئ.
وكما هو الحال في السند، فإن مخزون المياه وإمداداتها مهددان في تلك المناطق. ومن شأن تغير المناخ الحاد الخارج عن السيطرة أن يتسبب في تقليل مخزون المياه المتجمدة في الجبال بنحو ما يصل إلى 80% بحلول عام 2100. ولكن، إن تمت السيطرة على الاحترار العالمي عند حدِّ 1.5 درجة مئوية، يستطيع العالم الحفاظ على 75% من المناطق الجبلية الجليدية وتجنب معظم التأثيرات الشديدة.
على حافة الكارثة
من شأن الحدِّ من الاحترار العالمي عند حدود 1.5 درجة مئوية أن يكون محوريّاً أيضاً في الحفاظ على الغطاء الجليدي في القطبين. فقد أظهرت دراسة حديثة أخرى أن شبه الجزيرة القطبية التي تمتد شمالي القارة القطبية المتجمدة حتى أمريكا الجنوبية تشهد تغيرات سريعة حاليّاً من جراء الاحترار العالمي. إذ تنحسر هناك الأنهار والجروف الجليدية وتنهار. تمتلك أجزاء بعض الأنهار الجليدية أحواضاً تمتد لـ1000 متر تحت سطح البحر، وهي تتآكل بفعل التغيرات في دورات المحيطات التي تأتي إليها بالمياه الدافئة.
تُمثِّل شبه الجزيرة القطبية حاليّاً 25% من خسائر الثلوج في القارة القطبية المتجمدة، فأنهارها الجليدية الصغيرة نسبيّاً وسريعة التدفق حساسة لأية تغييرات. وهكذا، فإن شبه الجزيرة تُعدُّ بمثابة تحذير مبكر يسبق الخسارة الكارثية للثلوج من الصفائح الثلجية الأكبر حجماً غرب القارة القطبية المتجمدة. ويمكن لانصهار الجليد في شبه الجزيرة القطبية وحدها أن يرفع مستوى سطح البحر العالمي بقدر يتراوح من 64 إلى 74 مليمتراً، وهو يضيف حاليّاً 0.09 مليمتر سنويّاً للارتفاع العالمي لمستوى سطح البحر.
كيف يمكن تجنب الكارثة؟
ولكن، إن توقف الاحترار العالمي عند الحدِّ الحرج المقدر بـ1.5 درجة مئوية، فسيكون من الممكن إنقاذ معظم الثلوج القطبية. وسوف تُبطئ هذه الأنهار الجليدية المتراجعة التي تنتهي في البحر من تراجعها عند وصولها إلى اليابسة وعثورها على توازن جديد. وسيصبح من المحتمل ألا تنهار الجروف الجليدية، وستواصل الحفاظ على استقرار الأنهار الجليدية التي تغذيها. سيتمكن العالم على الأرجح من تجنب الخسارة الكارثية لثلوج غرب القارة القطبية الجنوبية إن تم حدِّ الاحترار دون 1.5 درجة مئوية.
أظهر بحثنا قدر تهديد الاحترار العالمي لإمدادات المياه لثلث سكان العالم، غير أننا وجدنا أيضاً مبعثاً للأمل. إذ إن العمل القوي في هذه الآونة للحفاظ على درجات الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية، سوف يعني الحفاظ على معظم الأنهار الجليدية في العالم، ما يحول دون حدوث الجفاف الذي قد يؤثر على ملايين الأشخاص. سوف تحتفظ الصفائح الجليدية القطبية بمعظم كتلتها، وهذا يعني إمكانية تجنب حدوث فيضانات كبرى في المناطق المنخفضة. وسيحدد العقد القادم إذا ما كان العالم جاداً بشأن ضمان حدوث ذلك.