في تطور لافت للأزمة بين المغرب والإمارات سحبت الرباط سفيرها وقنصلَيها في الإمارات، بسبب عدم تعيين سفير إماراتي في الرباط بعد عام من شغور المنصب، وفقا لما أفادت به تقارير إعلامية مغربية.
يأتي ذلك في ظل غياب إعلان أو تعقيب من السلطات المغربية على النبأ حتى مثول التقرير للنشر.
ودخل البلدان في أزمة بالعلاقات بدأت قبل أعوام، يُعتقد أن سببها الخلاف حول الحصار الإماراتي السعودي لقطر، ثم أضيفت إليها ملفات أخرى مثل الوضع في ليبيا .
تفاصيل الأزمة بين المغرب والإمارات.. الرباط تسحب المستشارين
وقالت مواقع محلية، بينها "مغرب أنتلجنس" و"الزنقة 20″، إن "أزمة دبلوماسية غير مسبوقة اندلعت بين المغرب والإمارات؛ حيث سحب المغرب سفيره في أبوظبي محمد آيت وعلي، منذ الأسبوع الماضي، والذي ظل في منصبه أكثر من 9 سنوات، كما تم استدعاء القنصلَين المغربيَّين في دبي وأبوظبي".
وحسب المصادر ذاتها، فإن "الرباط قامت أيضاً بإفراغ سفارتها (في أبوظبي) من جميع المستشارين والقائم بالأعمال؛ وهو ما قلل من تمثيليتها الدبلوماسية بشكل كبير".
وأرجعت التقارير الإعلامية سبب هذا التطور، نقلاً عن مسؤول مغربي لم تذكر اسمه، إلى موقف الإمارات التي لم تعين إلى الآن سفيراً لها لدى المغرب، منذ نحو عام.
من جانبه، قال موقع "برلمان كوم" المغربي (مقرب من السلطات)، إن "العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، بعد سحب السفيرين".
وأضاف أن "العلاقات بين البلدين تمر بفتور تعكسه مؤشرات عديدة، على رأسها عدم وجود سفير للإمارات في الرباط منذ أكثر من عام، وهو الأمر الذي عزز الأزمة بينهما ودفع المغرب إلى سحب سفيره من أبوظبي".
ولفت إلى أن "أبوظبي غاضبة من العلاقات الجيدة التي تربط المغرب وقطر الدولة المحاصَرة من قِبل السعودية والإمارات".
الموقف المغربي من حصار قطر أغضب السعودية والإمارات
ورغم بعد المسافة بين البلدين فإنها كانا يرتبطان بعلاقات وثيقة، باعتبارهما من أبرز أعضاء ما يمكن أن يوصف بالنادي الملكي العربي، الذي كان يتوجس دوماً من أفكار الوحدة العربية والاشتراكية والجمهورية، وكان كلاهما حليفاً موثوقاً به للغرب.
ولكن البلدين اختلفا في طريقة التعامل مع الربيع العربي والديمقراطية والإسلاميين بشكل كبير، فنصَّبت الإمارات نفسها قائدة للمحور المعادي للديمقراطية وللإسلاميين، في حين اتخذ العاهل المغربي الملك محمد السادس طريقاً مختلفاً تضمَّن فتح المجال لإجراء إصلاحات دستورية وعقد انتخابات ديمقراطية، أفضت إلى فوز الإسلاميين وتشكيل حكومة بقيادتهم، في حين مازال الملك هو الممسك الأساسي بقواعد اللعبة.
ولكن ثمة أزمة حوَّلت الاختلافات بين البلدين إلى خلافات.
فمنذ اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017، حين قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها بالدوحة، تشهد العلاقات المغربية الإماراتية والسعودية "فتوراً" غير مسبوق تعكسه مؤشرات عديدة.
وفي أبريل/نيسان الماضي، نشرت وسائل إعلام مغربية خبراً عن مغادرة السفير الإماراتي في الرباط علي سالم الكعبي، المغرب؛ بناء على "طلب سيادي عاجل"، من دون توضيح تفاصيل.
وخلال الأزمة الخليجية المستمرة حتى اليوم، اختار المغرب التزام الحياد، وعرض القيام بوساطة بين الأطراف المتنازعة، كما أرسل طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر، وزار العاهل المغربي الدوحة لاحقاً، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتقى أميرها.
الرباط تؤكد استقلال سياستها الخارجية
وفي 27 مارس/آذار الماضي، تحدث وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، بالعاصمة الرباط، عما فُهم بأنها "أربعة ضوابط لاستمرار التنسيق مع الإمارات والسعودية".
أولها أن السياسة الخارجية مسألة سيادية بالنسبة للمغرب، وثانيها أن التنسيق مع دول الخليج، خاصةً السعودية والإمارات، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين، وثالثها أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، ورابعها أن التنسيق يجب أن يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل الأزمة الليبية.
السعودية تصوت ضد المغرب في المونديال
والتوتر قد يكون أكثر وضوحاً مع الإمارات، ولكنه موجود مع السعودية أيضاً.
وبدا ذلك جلياً حين صوتت السعودية ضد استضافة المغرب مونديال 2026، إلا أن العلاقات المضطربة اشتدت وطأتها بعد ما أشيع عن رفض الملك محمد السادس استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال جولته بدول إفريقية، أعقبت مقتل الصحفي جمال خاشقجي، قبل أن يعلن المغرب أخيراً انسحابه من التحالف العسكري في الحرب على اليمن.
وكان لافتاً أيضاً هجوم قناة "العربية" على المغرب وإظهار خريطة البلاد مبتورة عن الصحراء، وهما النقطة التي أفاضت بكيل المغرب ودفعته إلى استدعاء سفيره في الرياض للتشاور.
يريدون نقل الحرب التي مزقت المشرق إلى المغرب
تحركات الإمارات في دول شمال إفريقيا، ومن بينها ليبيا، أغضبت المغرب، حيث تعمل الإمارات على عرقلة اتفاق "الصخيرات" وإفساد جميع مجهودات المغرب الدبلوماسية، وفقاً لما سبق أن قاله خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، لـ"عربي بوست".
وأشار إلى أن المغرب أسهم في إيجاد حل أممي، من خلال عمله على إدارة الحل الأمني والتقسيم السياسي بليبيا عبر اتفاق الصخيرات، إلا أن الإمارات أدت دوراً كبيراً في إفشال هذا المخطط المتفق عليه دولياً.
وينظر المغرب كغيره من دول المغرب العربي بريبة شديدة إلى الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، لأسباب كثيرة، منها أنهم يرونه على أنه تابع أو في أفضل الأحوال جزء من تحالف مصري إماراتي سعودي، يريد مد نفوذه في المغرب العربي.
والأسوأ أن هذا التحالف، ومن ضمنه حفتر، يريد إفساد التوازن الهش القائم في المغرب وكل دول شمال إفريقيا بين الأنظمة والإسلاميين.
إذ يريد التحالف الإماراتي المصري السعودي نقل المعركة التي يشنها على إسلاميي المشرق إلى المغرب.
ورغم حساسيات القصر المغربي تجاه حزب العدالة والتنمية الحاكم، الإسلامي التوجه، فإنه لم يسلك طريق الإقصاء والاستئصال؛ بل اختار تحجيمه من خلال تحميله مسؤولية السلطة بصلاحيات محددة أو أحياناً محدودة.
الأمر أصبح يمس الأمن القومي المغربي
كما يزداد قلق المغرب من حفتر وقواته بالنظر إلى أن معظم مؤيديه من أتباع معمر القذافي، والنخبة العسكرية الموالية لفكر القذافي كانت تدعم أطروحة جبهة البوليساريو الراغبة في انفصال الصحراء، لذا فإن عودة سلطة تسير وفق سياسة القذافي، يمثلها على الأرض حفتر وقواته العسكرية، لن تكون في مصلحة الوحدة الترابية للمغرب.
رؤية الإمارات للقضية الفلسطينية شكَّلت بدورها جزءاً من الخلاف بين البلدين، إذ باتت الإمارات المبادِرَ الفعلي ورأس المنظومة العاملة على السير قدماً بما يسمى "صفقة القرن" أو "صفقة ترامب"، وأخذت على عاتقها إعادة تموقع إسرائيل بالمنطقة، وهو ما أسهم في تهميش دور المغرب بالقضية الفلسطينية.
التدخل الإماراتي المستفز في الشؤون الداخلية للدول العربية، ومن بينها المغرب، كان النقطة التي أفاضت الكأس، وفق وجهة نظر خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة.
وخلال الأزمة السابقة التي أفضت إلى سحب السفير الإماراتي في أبريل/نيسان 2019، أفادت معلومات بأن بعض الأطراف المحسوبة على الإمارات تعمل على تحريك أشكال احتجاجية بالبلاد والمس باستقراره، حسبما قال الشيات لـ"عربي بوست".