ماذا سيحدث إذا جاءنا فيروس مماثل لكورونا من المريخ؟ الأمر ليس مجرد خيال.. يبحث العلماء افتراضاً لإمكانية جلب فيروس من المريخ بعد الارتباك الذي أصاب العالم جراء فيروس كورونا.
ليست هذه المخاوف جديدة، ولكنها انتابت العلماء مع وصول أرمسترونغ وألدرين وكولينز في مهمة "أبولو 11" بعد الهبوط على سطح القمر وإحضار عيِّنات من صخوره وتربته، حسبما ورد في تقرير لموقع Infobae الأرجنتيني.
نتساءل الآن عما إذا كانت المواد التي سنجلبها إلى كوكبنا في مهمة فضائية مأهولة أو غير مأهولة إلى الكوكب الأحمر، لن تؤدي أيضاً إلى إحضار كائن حي أو فيروس يُحتمل أن يكون خطيراً إلى محيطنا الحيوي الهشّ، وهي حالات وردت كثيراً في أفلام الخيال العلمي.
في أواخر ستينيات القرن الماضي، نشر المؤلف مايكل كرايتون روايته الأكثر مبيعاً "The Andromeda Strain" التي تحوّلت فيما بعد إلى فيلمٍ سينمائي للمخرج روبرت وايز، الحائز أربع جوائز أوسكار. في هذه الرواية، تصيب عدوى فتّاكة قادمة من الفضاء مدينةً بأكملها وتقتل جميع سكانها.
في عام 2019، قال مدير وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، جيم بريدينستاين: "ميزانية ناسا للعام المالي 2020، في عهد الرئيس ترامب، واحدة من أقوى الميزانيات المسجلة في تاريخها على الإطلاق. بتخصيص 21 مليار دولار، تمثل هذه الميزانية زيادةً قدرها حوالي 6% مقارنة ببيان ميزانية العام الماضي، وتأتي في فترة تتسم بالموارد المحدودة على مستوى الحكومة الفيدرالية الأمريكية بأكملها. وتُعتبَر أيضاً تصويتاً بالغاً على الثقة في عمل وكالة الفضاء الدؤوب وتفانيها".
وفيما يتعلق بالعينات التي ستُحضرها "ناسا" من المريخ، قال بريدينستاين: "سنذهب إلى القمر في العقد المقبل باستخدام تقنيات جديدة وأنظمة مبتكرة لاستكشاف أماكن على سطح القمر أكثر من أي وقت مضى. هذه المرة، عندما نذهب إلى القمر، سوف نمكث هناك. سوف نستغل ما نتعلمه، في الوقت الذي نتقدّم فيه نحو القمر من أجل الخطوة الكبيرة التالية؛ إرسال رواد فضاء إلى المريخ. بهذه الميزانية، سوف يعود عمل ناسا شديد الأهمية الذي يدرس كوكبنا والشمس بالفائدة على الإنسانية لأجيال عديدة. سنستمر في تخطيط وتطوير أول مهمة ذهاب وعودة إلى الكوكب الأحمر مع العودة بعيِّناتٍ من المريخ".
بالفعل الأرض تستقبل أجساماً فضائية
لكن لسنا بحاجة للانتظار إلى عام 2030 أو ما بعدها، حتى يصل جسم فضائي إلى الأرض رغم إرادتنا (إذ تفعل الأحجار النيزكية ذلك بصورة طبيعية). ففي نهاية هذا العام، من المُقرّر أن تعود مركبة "هايابوسا 2" اليابانية، التي جمعت عيناتٍ من الصخور والتربة من الكويكب ريوغو إلى الأرض بهذه العيِّنات.
من الناحية القانونية، ينبغي ألا تجلب الدول عيناتٍ خطيرة، وفقاً لما هو محدد في المادة 9 من معاهدة الفضاء الخارجي، التي تقتضي أن تسعى وكالات الفضاء جاهدةً لعدم إحضار أي شيء يمكن أن يضر بالحياة على الأرض.
هل تُعلِّمنا تجربة كورونا شيئاً، ولماذا يقلق العلماء تحديداً من المريخ؟
لكن بالعودة إلى الكوكب الأحمر، ماذا سيحدث إذا اتّضح أن هذه العينات خطيرة ومسببةٌ للعدوى؟ هل هناك أي دروس تتعلق بالمريخ يمكن تعلمها من فيروس كورونا المُستجد وغيره من الأمراض المعدية الخطيرة؟
في عام 1973، نشر عالم الفلك المساهم في تبسيط العلوم كارل ساغان كتاب "The Cosmic Connection: An Extraterrestrial Perspective"، مُقدِّماً فيه هذه الرؤية لمسببات الأمراض القادمة من المريخ.
كتب ساغان: "بالتحديد لأن المريخ هو بيئة ذات أهمية بيولوجية عظيمة محتملة، يُمكن أن تكون هناك مسببات لأمراض، وهي كائناتٌ حيةٌ يمكنها التسبب في أضرار بيولوجية هائلة إذا نُقلت إلى بيئة الأرض: آفة مريخية، مثل ذلك التغير الذي طرأ في أحداث رواية حرب العوالم لهربرت جورج ويلز، ولكن بصورة عكسية. وهذه مرحلة شديدة الخطورة.
من ناحية، يمكننا القول إن الكائنات المريخية لا يمكنها أن تسبب أي مشكلات خطيرة للكائنات الأرضية؛ إذ لم يكن هناك اتصال بيولوجي منذ 4.5 مليار سنة بين الكائنات المريخية والأرضية، لكن من ناحية أخرى، يمكننا القول بالمثل إن الكائنات الأرضية لم تُطوِّر دفاعاتٍ ضد مسببات الأمراض المريخية المحتملة، والسبب في ذلك تحديداً هو عدم وجود اتصال من هذا النوع على مدار 4.5 مليار سنة.
قد تكون احتمالية حدوث عدوى من هذا النوع ضئيلة للغاية، لكن إذا حدث ذلك، لا شكّ أن المخاطر ستكون كبيرة للغاية".
القلق والجهل
ماذا قد يحدث إذا حلَت مثل هذه العدوى؟ أوضح جون روميل، كبير العلماء بمنظمة معهد البحث عن الذكاء خارج الأرض (SETI) في كاليفورنيا الذي عمل في الحماية الكوكبية في وكالة "ناسا" بين عامي 1986 و1993 وعامي 1997 و2006: "أعتقد أنه قد يكون من المفيد دراسة أجواء القلق المصاحبة للوضع الراهن بسبب انتشار فيروس كورونا".
على سبيل المثال، ليست الاختبارات التشخيصية المتاحة حالياً لفيروس كورونا دقيقة تماماً، وقد يستغرق الأمر أكثر من 14 يوماً لظهور الأعراض رغم الإصابة بالعدوى. وعلى الرغم من أن الأمراض المُعدية على سطح الأرض يمكن أن تكون مقيَّدةً بتغيير الفصول، فإن هذا لن يكون صحيحاً بالضرورة فيما يتعلق بناقل مرض يأتي من مصدر فضائي.
أهم شيء الإجراءات الوقائية وعدم تكرار تجربة القمر
وأوضح روميل: "أعتقد أن التحدي الذي يواجه عملية عودة عينة من المريخ يتمثل في الصراحة حول الإجراءات الوقائية المُتّخذة في مواجهة جهلنا عندما نتحدث عن الحياة على المريخ".
واجهت "ناسا" مشكلة الحجر الصحي للأجسام الفضائية في عام 1967، أي قبل عامين من المهمة التاريخية التي قادت نيل أرمسترونغ و"باز" ألدرين إلى السير على سطح القمر، ولكنهم حينها توصلوا إلى حلولٍ سريعة ومنقوصة.
نسعى الآن إلى عدم تكرار الأخطاء نفسها التي ارتُكبت خلال استكشاف القمر، والتخطيط لأن تبقى جميع العيِّنات التي تأتي من المريخ في الحجر الصحي داخل مختبرٍ يُنشأ لهذا الغرض، مع التزام المعايير المُخصَّصة لدراسة فيروسات مثل الإيبولا.
قال جون وود، أحد الباحثين في وكالة الفضاء الأمريكية: "هو مشروع شديد التعقيد سيتطلب سبع سنوات على الأقل. ليس هناك وقت كثير لنضيعه". سيعمل المختبر على صقل تقنيات التعقيم الجديدة لفحص وتدمير أي بكتيريا موجودة في العيِّنات، بينما سيحاولون في الوقت نفسه الحدّ من الأضرار التي لحقت بالجزيئات التي يمكن أن تحتوي على آثار الحياة في ماضي الكوكب الأحمر.
بالإضافة إلى حماية الأرض من تهديد أي وباء محتمل قادم من المريخ، وهو ما يعتبره العماء احتمالاً ضعيفاً، يجب كذلك على المختبر منع الكائنات الحية الأرضية من تلويث العيِّنات.
بالفعل رواد الفضاء واجهوا خطر الفطريات
تُعتبَر الدراسة البيولوجية للعينات على كوكب آخر مهمة للغاية، ففي يوليو/تمّوز 2017، ذكرت دراسة نشرتها وكالة ناسا أن رواد الفضاء الذين يصلون إلى الكوكب الأحمر يتعرضون لخطر مرتفع، بالإصابة بأمراض مثل الربو والحساسية والتهابات الجلد التي يسببها فطر معين يُسمى Hitchhiking، الذي يتطور في بيئات يعيش فيها البشر.
وفي الدراسة، قال كاستوري فنكاتسواران، وهو باحثٌ رئيسي في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا: "يعتبر توصيف وفهم التغييرات المحتملة وتعاقب الأنواع الفطرية، أمراً بالغ الأهمية؛ لأن الفطريات ليست فقط خطرة على السكان؛ بل لها أيضاً تأثير كبير على تدمير البيئة".
عملت الدراسة المكونة من ثلاثة فرق من الدارسين الموجودين في كبسولة تسمى ILMAH، على محاكاة البيئة المواتية لرحلة فضائية، ما أدى إلى التحقق مما كان يُعتقد سابقاً. مع مرور الأيام، نمت المستعمرات الفطرية، بما فيها السلالات الضارة بالبشر، بمعدل كبير في الموقع الذي عاش فيه الفريق لمدة 30 يوماً دون مغادرة، اقتصر خلالها اتصالهم الجسدي بالعالم الخارجي على التعرُّض لمصدرٍ للهواء المُنَقّى.
ماذا سيحدث إذا جاءنا فيروس مماثل لكورونا من المريخ؟
لدى العلماء عدة نظريات حول طريقة نقل العينات من المريخ إلى كوكبنا. لكن النهج الوقائي المُخَطَّط له، والذي يقوم على أساس العزل المُشدّد والأدلة على وجود الحياة والمخاطر البيولوجية، يتوافق مع إمكانية اكتشاف الحياة في إحدى العينات، أو في أي مكان آخر على سطح المريخ.
أكد ذلك الأمر روميل قائلاً: "إذا عثر أحدهم على الحياة في عينة، فلديه فرصة جيدة لإمكانية دراستها في العزل. عيب هذا النهج هو أنه أغلى (من حيث توفير مُنشأة العزل)، مُقارنةً بتجاهل دراسة الحياة على المريخ".
قال روميل متشائماً إنه إذا ظهر شيء يشبه حالة مُماثلة لفيروس كورونا، حينها قد لا يتوافر أي مرفق عزلٍ آخر في الوقت المناسب، ومن الممكن ألّا يفي بالمتطلبات المتعلقة بالتطهير التي ستضمن أن أي كائن حي مُكتَشف في العينة بعد وصولها قد جاء من المريخ، وليس من الأرض.
هل يُمثل ظهور كورونا مؤشراً يدل على ضرورة اتّخاذ تدابير وقائية بشأن الحماية الكوكبية؟
عملت كاثرين كونلي، موظفةً في الحماية الكوكبية لدى ناسا منذ عام 2006 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2017. قالت كونلي هذا الأسبوع: "كما هو الحال مع أوبئة الأمراض المعدية على مدار التاريخ، يُعتبَر فيروس كورونا الذي ينتشر حالياً مثالاً آخر على أهمية فهم عواقب التفاعل مع البيئات التي نادراً ما يتصل بها البشر".
وأضافت: "في حالة استكشاف المريخ، من المحتمل للغاية أن تُسبب الكائنات الحية المنقولة إلى المريخ مشكلاتٍ لسكان المستقبل. إذا وجِدت حياة على كوكب المريخ وأُحضرت إلى الأرض، فمن المحتمل أن تتسبب في تأثيرات على البيئة، مثل الأعشاب البحرية التي تُسخِّن الجليد في الآونة الأخيرة في جرينلاند، ومن شأن ذلك أن يكون أحد مسببات الأمراض البشرية الخبيثة".
ومع ذلك، قالت كونلي إنه إذا كانت الحياة على المريخ مرتبطة بالحياة على الأرض: "فهذا يجعل التمييز بين ذلك وبين التلوث في كوكب الأرض أصعب بكثير، وأيضاً، كما هو الحال مع الأمراض التي تنتقل من نوعٍ إلى آخر، من المحتمل أيضاً أن تؤثر علينا".