بدت اتفاقية السلام التي وقَّعتها الولايات المتحدة مع طالبان، الأربعاء 4 مارس/آذار 2020، في وضع حرج؛ بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية شن أول غارة جوية لها على "طالبان" منذ 11 يوماً، وصار مصير الاتفاقية مهدَّداً عقب اندلاع خلافات مريرة بين الحركة الإسلامية المتطرفة والحكومة الأفغانية، إلى جانب الانقسامات الداخلية في كابول.
وما بين خوفٍ وأمل، حبس الناس أنفاسهم، مع تصاعد موجة جديدة من العنف، في بلدٍ تمزقه الحرب منذ سنوات. وأشار مسؤولون أفغان وأمريكيون إلى أنَّ حركة طالبان تنتهك اتفاق السلام رغم إجراء مكالمة هاتفية غير مسبوقة بين الرئيس دونالد ترامب والقائد السياسي للحركة الملا عبدالغني بارادار، يوم الثلاثاء 3 مارس/آذار، والتي قال ترامب بعدها إنَّهما اتفقا على أنه "لا يوجد عنف، لا نريد عنفاً"، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
وفي سلسلة تغريدات، قال الكولونيل سوني ليجيت، المتحدث باسم القوات الأمريكية في أفغانستان، إنَّ "طالبان" شنت 43 هجوماً على قوات الأمن الوطنية الأفغانية يوم الثلاثاء وحده. ورداً على ذلك، أوضح الكولونيل: "نفذت الولايات المتحدة الأمريكية ضربة جوية في 4 مارس/آذار، ضد مقاتلي طالبان في نهر السراج بإقليم هلمند، والذين كانوا يهاجمون بنشاطٍ نقطة تفتيش تابعة لقوات الأمن الوطنية الأفغانية. وكانت هذه ضربة دفاعية لوقف الهجوم، وهي أول ضربة لنا ضد طالبان منذ 11 يوماً".
نقطة الخلاف
وفي الوقت نفسه، بات مستقبل الرئيس الأفغاني أشرف غني مهدَّداً؛ ليس فقط بسبب "طالبان"، التي ترغب في تشكيل حكومة انتقالية؛ بل أيضاً لأنَّ معارضة غريمه في الانتخابات عبدالله عبدالله ألقت شكوكاً على اتفاقية السلام. وتنص الاتفاقية، التي وقَّعها بارادار والمبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد في 29 فبراير/شباط، على أنَّ الولايات المتحدة "ستعمل مع جميع الأطراف ذات الصلة على خطة للإطلاق العاجل" لسراح سجناء "طالبان"، مع تحديد موعد إطلاق سراحهم قبل 10 مارس/آذار، التاريخ المقرر لانطلاق المحادثات المباشرة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية. لكن الرئيس أشرف غني قال إنه "لا يوجد التزام" من جانب الحكومة بتحرير السجناء.
من جانبه، قال المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، في تغريدة، يوم الإثنين 2 مارس/آذار، إنَّ الاتفاق لن يمضي قدماً ما لم يُطلَق سراح السجناء. وهناك ما يُقدَّر بنحو 10000 من أعضاء "طالبان" محتجزين في أفغانستان، واتُّفِق على إطلاق سراح نحو 5000 سجين من "طالبان" مقابل إطلاق سراح 1000 سجين سياسي من جانب الحكومة.
وكان الرئيس ترامب قد صرَّح بأنَّ 5000 من الجنود الأمريكيين سينسحبون من أفغانستان بحلول مايو/أيار، معرباً عن استعداده للقاء قادة "طالبان" في المستقبل القريب.
لكن نتيجة لهذا المأزق، يعتقد بعض المراقبين أنَّ الموعد المقرر "للحوار بين الأفغان"، كما ينص عليه الاتفاق، سيُؤجَّل. وقال شهرزاد أكبر، رئيس اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان بأفغانستان، في تصريح لمجلة Foreign Policy الأمريكية: "قضية تبادل الأسرى قد تُؤخِّر المحادثات بين الأفغان".
وأضاف أكبر: "مما يثير الدهشة أنَّ الحكومتين الأفغانية والأمريكية لم تتوصلا إلى تفاهم شامل على هذه النقطة قبل إتمام الاتفاق الأمريكي مع طالبان. وهذا يفسر فوضى هذه العملية وصعوبتها، والغموض القائم فيما يتعلق بالدور الحقيقي والمتوقع من مختلف الأطراف الفاعلة في كل مرحلة".
"طالبان" ستحمل السلاح مجدداً
ومنذ ذلك الحين، أعلنت "طالبان" -التي لا تعترف بشرعية الحكومة الأفغانية- أنها ستحمل السلاح مرة أخرى ضد كابول (مع الامتناع عن مهاجمة القوات والأهداف الأمريكية)، بعد خفض أعمال العنف مدة أسبوع، والذي كان من المتوقع أن يستمر فترة أطول من ذلك، مع إعلان الرئيس الأفغاني أنَّ الهدف كان "تحويله إلى وقف لإطلاق النار".
وفي أثناء زيارة الرئيس الأفغاني لمقاطعة نانجارهار شرق أفغانستان، يوم الثلاثاء 3 مارس/آذار، خاطب "غني" حركة طالبان مرة أخرى، قائلاً إنَّ قتل الأفغان الآخرين جريمة. وتساءل: "لقد اتفقتم على السلام مع الأجانب، فماذا يعني جهادكم الآن؟". لكن مسؤولي "طالبان" يقولون إنَّ "جهادهم" سيستمر.
من جانبها، قالت قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية، إنها مستعدة "للرد بقوة" على هجمات "طالبان" المحتملة. يُذكر أنَّ عشرات القتلى سقطوا منذ توقيع اتفاقية السلام، إلى جانب أنَّ الجيش الوطني الأفغاني أبلغ عن مقتل 16 جندياً، على الأقل، في مقاطعة قندوز الشمالية.
وكان أوستن سكوت ميلر، قائد بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأفغانستان، قد صرَّح، في بيان، يوم الإثنين 2 مارس/آذار، بأنَّ الحد من العنف قبل توقيع الاتفاق كان بهدف بناء الثقة. وأضاف: "نحن جادون بشأن التزاماتنا، ونتوقع أن تكون طالبان جادة بشأن التزاماتها. لقد كانت الولايات المتحدة واضحة جداً… يجب أن يظل العنف محدوداً".
وكما هو معتاد، يعرب الأفغان في جميع أنحاء البلاد عن مزيج من الأمل والخوف. إذ قالت ظريفة غفاري، عمدة ميدان شهر، عاصمة ولاية وردك، وهي مقاطعة تسيطر حركة طالبان على أجزاء كبيرة منها: "إنَّ رحيل القوات الأمريكية (عن أفغانستان) يُقلقني". وأضافت أنها لا تشعر بالتفاؤل بشأن احتمال اندماج الحركة في الحكومة.
وأعربت عديد من النساء الأفغانيات عن مخاوف "ظريفة" نفسها. فعلى الرغم من أنَّ الأجواء في كابول كانت مريحة ومفعمة بالأمل خلال الأسبوع الذي خفَّت فيه حدة العنف، عادت التوترات تسود مرة أخرى، مع تأرجح كثير من الناس بين الأمل والقلق، وذلك بسبب الشعور بالإحباط من استئناف العنف في جميع أنحاء البلاد.
وفي هذا السياق، قال أندرو وتكنز، محلل بمجموعة الأزمات الدولية غير الربحية، ومقرها بلجيكا: "استئناف طالبان للعنف مَدعاة للقلق، ولن يساعد في تهيئة المناخ المناسب للمحادثات المقبلة، لكنه لا يثير الدهشة أيضاً. فباعتبارها حركة متمردة، تكتسب الجماعة معظم نفوذها السياسي من التهديد بالعنف وممارسته".
وحشية الحرب في أفغانستان
واتسمت حرب أفغانستان بالوحشية. ففي العام الماضي وحده، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 10 آلاف ضحية، من ضمن ذلك ما لا يقل عن 3403 قتلى من المدنيين. ومنذ بدء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001، قُتِل أكثر من 3500 جندي من القوات الأمريكية وقوات التحالف.
واعتُبِر اتفاق السلام، الذي وُقِّع يوم السبت 29 فبراير/شباط، بدايةً لنهاية أطول حرب أمريكية في التاريخ، وتقول كل من "طالبان" والولايات المتحدة إنهما ما زالتا ملتزمتَين به. بدورها، وصفت حكومة أفغانستان، التي لم تنضم إلى المفاوضات لحد الآن، الاتفاق بأنه "خطوة مهمة في عملية السلام".
وعلى الرغم من أنَّ النزاعات حول تبادل الأسرى والانقسامات الحكومية يمكن أن تُؤخِّر بدء المفاوضات بين الطرفين الأفغانيَّين، أعرب واتكينز، من مجموعة الأزمات الدولية، عن ثقته بأنَّ الصفقة ستصمد.
وقال: "لا يبدو أنَّ الصفقة بدأت تنهار بالفعل. فحتى أنجح عمليات السلام في التاريخ شابها سوء فهم".