يمثل البرنامج الصاروخي الإيراني المسوغ الرئيسي لإعادة العقوبات الأمريكية على إيران، ولكن المفارقة هي أن واشتطن لا تتحدث عن البرنامج الصاروخي السعودي السري أو كان سرياً على الأقل، الذي تم بناؤه بمعرفة الولايات المتحدة.
سيباستيان روبلين الحاصل على درجة الماجستير في حل النزاعات من جامعة جورج تاون والذي يكتب حالياً عن التاريخ الأمني والعسكري لمؤسسة War Is Boring ، كتب تقريراً في مجلة National Interest الأمريكية حول القدرات الصاروخية والنووية السعودية المحتملة وكيف حصلت عليها المملكة بموافقة أمريكية نادرة.
لطالما اعتُبِرَ استمرار إيران في تطوير الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تحمل أسلحة نووية بمثابة ذريعة حرب.
واستشهدت به الولايات المتحدة لتبرير انسحابها من الاتفاق النووي المبرم عام 2014 (الاتفاق منع إيران من تطوير رؤوس حربية نووية، ولكن ليس الصواريخ الباليستية اللازمة لحمل تلك الرؤوس).
ويشير الكاتب إلى أنه كثيراً ما يجري تجاهل حقيقة أن إسرائيل والمملكة العربية السعودية نفسها تحتفظان ببعض من أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية في المنطقة.
المفارقة.. دوافع البرنامج الصاروخي السعودي هي نفسها دوافع البرنامج الإيراني
بدأ برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية خلال مرحلة "حرب المدن" من الحرب العراقية الإيرانية المدمرة، عندما أطلقت بغداد المئات من صواريخ سكود على المدن الإيرانية.
على الرغم من أن إيران تمكنت من الحصول على عدد قليل من صواريخ سكود من ليبيا للرد على الهجمات العراقية، إلا أنها في الغالب لم تستطع إلا الرد بالهجمات الجوية -الأمر الذي عرَّض أسطولها المتناقص باستمرار من الطائرات الأمريكية الصنع للخطر.
كانت السعودية قلقة أيضاً من ترسانة الصواريخ العراقية الضخمة الواضحة.
الصين تلبي الطلب الذي رفضته واشنطن
وبعد حرمان الرياض من الحصول على الصواريخ الباليستية الأمريكية، طرقت الرياض باب بكين -التي أثبتت في السابق استعدادها لتصدير الأسلحة إلى إيران عندما رفضت موسكو وواشنطن القيام بذلك.
في عام 1987، نقلت الصين ما بين 30 إلى 120 صاروخاً باليستياً متوسط المدى من طراز دونغ فنغ (رياح الشرق) من نوع DF-3A والذي يبلغ طوله 24 متراً إلى جانب 12 شاحنة من وحدات النقل والنصب والقذف.
بمجرد ملء تلك الصواريخ بالوقود السائل، تستطيع تلك الصواريخ إصابة أهداف على بعد 2700 ميل -على الرغم من أنها تتطلب منصات إطلاق خاصة. شكلت المملكة العربية السعودية قوة الصواريخ الاستراتيجية الملكية لتشغيل الأسلحة، مما أثار انزعاج واشنطن.
ولكن عندما قصف صدام المملكة لم ترد لأن هذه الصواريخ دائرة خطئها شاسعة
بعد أربع سنوات فقط، دخلت الرياض في حرب مع بغداد، وسقط 46 صاروخاً عراقياً على الأراضي السعودية. ومع ذلك، لم تفكر الرياض في إطلاق الصواريخ على بغداد. لماذا؟
المشكلة في صواريخ DF-3 أنها تحتوي على خطأ دائري محتمل يبلغ 300 متر على أحسن الأحوال. هذا يعني أنك إذا أطلقت نصف دزينة من الصواريخ على هدف معين، فربما تتوقع أن تسقط ثلاثة صواريخ فقط في نطاق ثلاثة ملاعب كرة قدم من نقطة الهدف؛ على الأرجح ستسقط الصواريخ الثلاثة الأخرى أبعد من ذلك. تزعم مصادر أخرى أن الخطأ الدائري المحتمل قد يكون أكبر من ميل أو ميلين.
لذلك فإن هذا السلاح غير الدقيق لا جدوى منه لضرب هدف عسكري -إلا إذا كان مجهزاً برأس حربي نووي، وهو الغرض الذي صممت من أجله صواريخ DF-3.
وهذه الصواريخ معدلة لكي لا تحمل صواريخ نووية
لكن الصين لم تبع الأسلحة النووية للسعوديين. بدلاً من ذلك، جرى تعديل صواريخ DF-3 لحمل 3000 رطل من المتفجرات العالية. هذا يعني أن صواريخ DF-3 السعودية "مفيدة" فقط لإلقاء متفجرات عالية على هدف كبير مثل مدينة والقتل العشوائي لأي شخص سيئ الحظ تواجد بالقرب من نقطة التأثير.
ومع ذلك، فإن القوة النارية الوفيرة للطائرات الحربية الأمريكية خلال حرب الخليج كانت تعني أن السعوديين لم يكونوا بحاجة إلى مثل هذه التكتيكات.
بعد أكثر من عقد من الزمان، ازداد اهتمام الرياض بالحصول على درع صاروخي استراتيجي أكثر فاعلية.
والآن منحتها بكين ما تريد.. صواريخ دقيقة لدرجة استخدامها في قصف السفن وفائقة السرعة
توجهت الرياض مرة أخرى إلى الصين -هذه المرة للحصول على صواريخها طراز DF-21 IRBM الذي يتسم بتوجيهٍ أدق، والذي يبلغ الخطأ الدائري المحتمل بها 30 متراً فقط (حتى أن الصين طورت نموذجاً موجهاً طراز DF-21D موجهاً لضرب السفن الكبيرة في البحر.)
علاوة على ذلك، فإن استخدام صواريخ DF-21 للوقود الصلب يعني أنه يمكن إطلاقها في وقت قصير جداً.
رغم قصر المدى البالغ 1100 ميل، يُعَدُّ الصاروخ الذي يبلغ وزنه 30 طناً مناسباً تماماً لضرب أهداف في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وسيكون من الصعب اعتراضه حيث يندفع نحو هدفه بعشرة أضعاف سرعة الصوت.
يُقال إن مواقع الإطلاق السعودية قد صُوِّرَت ووُجِدَ أنها موجهة للإطلاق ضد إيران وإسرائيل، لكن التحالف المتزايد بين الرياض وتل أبيب في السنوات الأخيرة قد يجعل هذا الأمر للاستعراض فقط.
ولكن الأمريكيين حرصوا على أن تكون منزوعة القدرات النووية
في عام 2014، كشفت مجلة Newsweek الأمريكية أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ساعدت بالفعل في بيع صواريخ صينية إلى الرياض -طالما ثبت أن صواريخ DF-21 ليس بها رؤوس حربية نووية.
وهكذا، بعد سلسلة من الاجتماعات السرية في مطاعم بمنطقة واشنطن العاصمة بين بعض عملاء الاستخبارات الأمريكية والمسؤولين السعوديين، في عام 2007 جرى إرسال اثنين من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية لتفقد الصواريخ في صناديق الشحن الخاصة بها قبل نقلها إلى حوزة السعودية.
ويُقال إن المملكة العربية السعودية لم تختبر مطلقاً ترسانتها الصاروخية، تاركة الاستعداد التشغيلي لصواريخ RSSMF مفتوحاً للتساؤل.
ومع ذلك، فقد حافظت السعودية على أربعة أو خمسة مرافق تحت الأرض لإيواء الأسلحة. أخيراً،
لماذا أخرجته للعلن؟، وما حقيقة الصفقة النووية؟
في أبريل/نيسان 2014، عندما أصبحت الرياض خائفة من التقارب الأمريكي مع إيران بسبب الاتفاق النووي، عرضت الصواريخ العملاقة علناً.
فيما يخص نظام الأسلحة "الرادع"، رغم الحاجة إلى إظهار تلك الأسلحة بأنها تشكل تهديداً موثوقاً، إلا أن هذا الأمر لا يتحقق إلا إذا نجحت في تخويف العدو لتجنب الأعمال العدائية.
ومع ذلك، لا يمكن أن يحدث هذا الردع إذا لم يكن الخصم يدرك جيداً مدى هذا التهديد بسبب السرية، وهو ما قد يفسر القرار السعودي بالبدء في عرض الصواريخ علناً.
هناك أيضاً شائعاتٌ مستمرة بأن الرياض قد حصلت على كمية صغيرة من الأسلحة النووية من باكستان، أو رتبت لنقل بعضها في حالة حدوث نزاع. مرة أخرى، مجرد وجود شائعات هو أمر مفيد للردع السعودي، بغض النظر عن حقيقة الأمر.
ويبدو أن إيران قلقة من البرنامج الصاروخي السعودي؟
إن أخذ طهران للتهديد السعودي على محمل الجد يدعمه بيان لواء إيراني زعم في سبتمبر/أيلول 2018، أن إيران قد اختبرت في وقت سابق نظامها الصاروخي أرض – جو من طراز بافار 373 لاعتراض صاروخ باليستي.
ونظراً لأن التهديد الرئيسي لإيران من الولايات المتحدة يأتي من الغارات الجوية وصواريخ كروز، فمن المرجح أن يكون الاختبار موجهاً إلى قدرات الصواريخ السعودية أو الإسرائيلية. ويبدو أن النظام الصاروخي أرض – جو من طراز بافار 373 هو نسخة محلية من نسخة صواريخ سام طويلة المدى طراز S-300PMU-2 الروسية.
في النهاية، من الواضح أن واشنطن لديها اعتراضات أقل على امتلاك حلفائها الاسميين السعودية وإسرائيل لصواريخ باليستية وقدرات نووية محتملة.
يبدو أن كلاً من إيران والمملكة العربية السعودية، ضحيتان سابقتان لهجوم الصواريخ الباليستية، تعتقدان أن التضخيم من هذه الأسلحة سيردع بعضهما البعض عن الأعمال العدائية العلنية -ربما حتى لو كان لديهم رؤوس حربية تقليدية فقط.
ومع ذلك، فإن عشرات الآلاف من المدنيين الذين قُتلوا خلال حرب المدن في الثمانينيات لا يدعمون هذا الافتراض حقاً.