اختبار صعب لترامب.. التوتر بين روسيا وتركيا يضع الرئيس الأمريكي في مأزق

عربي بوست
تم النشر: 2020/02/28 الساعة 15:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/28 الساعة 20:48 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/رويترز

عقب استهداف القوات التركية بضربة جوية من روسيا أو حلفائها السوريين، قد يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه مرغماً على الاختيار ما بين موسكو وأنقرة.  

وسعى ترامب لوقت طويل إلى تجنب اندلاع مواجهة بين قائدي روسيا وتركيا -وهما رجلان قويان أجنبيان يواجهان بعضهما في الحربين الأهليتين في سوريا وليبيا. لكن عقب غارة قوية، أمس الخميس 27 فبراير/شباط، قتلت عشرات الجنود الأتراك في شمال غربي سوريا، قد يضطر لاختيار صف أحدهما، بحسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.

ويدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الحليفان الرمزيان، بقوات عسكرية وأشكال أخرى من الدعم في صراعين دمويين ولَّدا معاناة بشرية هائلة؛ مما يهدّد بتحطيم الاستقرار الهش في الشرق الأوسط، وقد يرسل مئات الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا.      

ترامب لا يريد التدخل هنا أو هناك!

وبالرغم من النداءات الدولية المُطالِبَة بمزيد من التدخل الأمريكي، امتنع الرئيس ترامب عن أي تدخل ملحوظ في كلا الصراعين، وهو القرار الذي يتماشى مع تعهداته بإنهاء "الحروب التي لم تضع أوزارها" طوال العقدين الماضيين.    

لكن مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية أوضحوا أنهم يرون أنَّ روسيا هي السبب في إثارة الاضطرابات، وخاصة في سوريا. في حين تسعى القيادات التركية، إلى استخدام كلا النزاعين لتبرهن للولايات المتحدة أنه ينبغي على الدولتين إنهاء التوترات الدبلوماسية المستمرة منذ عام والاتحاد ضد خصم مشترك يتمثل في موسكو.

ولا تزال تفاصيل هجوم يوم الخميس مبهمة، ولم يكن من المؤكد ما إذا كانت القوات الروسية أم حلفاؤها في سلاح الجو التابع للنظام السوري هي منفذ الهجوم الذي أودى بحياة 33 جندياً تركياً على الأقل في مدينة إدلب، التي أصبحت الآن محور الأزمة السورية. وفي كلتا الحالتين، يؤكد المسؤولون الأمريكيون والأتراك أنَّ روسيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من جميع أذرع الجيش السوري تقريباً.

إضافة إلى ذلك، ألقى وزير الخارجية مايك بومبيو باللوم على روسيا، في تصريح يوم الثلاثاء 25 فبراير/شباط، في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى إدلب، وقال إنَّ رئيس النظام السوري بشار الأسد بدأ "عدواناً جديداً وحشياً هناك بدعم من موسكو وطهران".

من جانبه، دعا السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، ليندسي غراهام، وهو حليف مقرب لترامب، أمس الخميس، إلى إقامة منطقة حظر الطيران فوق إدلب من أجل "إنقاذ آلاف الرجال والنساء والأطفال الأبرياء من موت مروع".   

ترامب مشتت الرأي!

ومع ذلك، لفت خبراء إلى أنَّ ترامب قد يكون مُشتَّت الرأي. إذ قال جيفري إدموندز، الذي تولى قضايا روسيا حين كان يعمل في مجلس الأمن القومي تحت إدارة ترامب وأيضاً أثناء إدارة أوباما: "هناك بالتأكيد توتر" لأنَّ ترامب بدا وكأنه منجذب إلى كلا الرئيسين. وأضاف إدموندز: "هو مؤيد لروسيا في معظم الأوقات حتى أنَّ بوتين يضعه في موقف حرج مع تركيا".

وفي الأسبوع الماضي، استخف ترامب بالأدلة التي توضح أنَّ موسكو حاولت التأثير في سير الانتخابات الرئاسية عام 2016 لتنتهي لصالحه، واصفاً اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية بأنه "جنون". وبعدها بدقائق، ناقش ترامب مكالمة هاتفية أجراها مؤخراً مع نظيره التركي "دارت حول إدلب"، وأضاف أنهما "يعملان معاً لمعرفة ما يمكن فعله" بهذا الشأن".   

وكان الدبلوماسيون ينتظرون لمعرفة ما إذا كان أردوغان سيتوجه إلى الناتو بعد الهجوم للحصول على الدعم وفقاً لبند الدفاع المشترك للحلف. وكان الزعيم التركي قد خيَّب آمال أعضاء الناتو سابقاً، وربما واشنطن أكثر من أي عضو آخر، بتبني قرارات أحادية تشمل شراء أنظمة دفاع جوي روسية؛ مما أدى إلى تهديد واشنطن بفرض عقوبات على أنقرة.

وقال السفير الأمريكي لدى الناتو كاي بيلي هتشيسون، أمس الخميس، إنَّ الحلف لم يناقش ما إذا كان يمكن تطبيق مبدأ الدفاع الجماعي المحوري في المنظمة -الذي ينص على أنَّ الهجوم على دولة عضو واحدة هو هجوم على الجميع- على تركيا.

وبالرغم من ذلك، لم يستغل ترامب على النحو الكافي الأدوات غير العسكرية المتاحة له للتأثير على الأحداث في سوريا أو ليبيا.

اختبار حقيقي لترامب

وهذا الشهر، قال فولكان بوزكير، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، إنَّ بلاده تدرك أنها تقف أمام "لحظة حاسمة في علاقاتنا مع الولايات المتحدة". وأشار تحديداً إلى النزاعين في ليبيا وسوريا باعتبارهما موضعين تحتاج فيهما كل من تركيا والولايات المتحدة إلى أن تقفا بجانب بعضهما البعض.

وأضاف بوزكير، في تصريح للصحفيين في واشنطن في 12 فبراير/شباط: "يجب أن تحافظ الولايات المتحدة وتركيا على قوتيهما؛ لتجاوز كل هذه الأحداث".  

من جانبها، تدافع روسيا عمّا تصفه بحملة الأسد العسكرية ضد الإرهابيين وتزعم أنه لا يمكن إقناع الرئيس السوري بحماية المدنيين المحاصرين وسط تبادل إطلاق النار.

وقال بوزكير: "في الواقع، جميع النظام العسكري في سوريا من إنتاج روسيا. فكل شيء من تصنيعها. ومن الواضح إذاً أنه إذا حدث أي استخدام لطائرة أو صاروخ أو حتى وقَّع تفجير، فلا يمكن أن يتم ذلك من دون علم روسيا".     

وتساعد روسيا قوات النظام السوري على استعادة السيطرة على إدلب، في شمال غربي سوريا، حيث أجبرت حملة القصف الوحشي أكثر من 900 ألف من السكان على الفرار وخلقت أسوأ أزمة إنسانية في الحرب المُستَعِرة منذ 9 سنوات. إذ ذكرت الأمم المتحدة أنَّه ما لا يقل عن 100 شخص لقوا مصرعهم في هجمات شنتها الحكومة السورية وحلفاؤها هذا الشهر وحده.

ويصمم الأسد على استعادة السيطرة على إدلب، متجاهلاً تحذيرات تركيا بالتراجع. يُذكَّر أنَّ الأسد وأردوغان خصمان قديمان.

من جانبهم، دعا دبلوماسيون أمريكيون تركيا وروسيا وقوات أجنبية أخرى إلى التصدي لتصعيد الحرب في كل من ليبيا وسوريا، والتمسك بدلاً من ذلك باتفاقات وقف إطلاق النار وتطبيقها بوصفها الطريق للوصول إلى التفاوض حول تسويات.

وقال روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، في مؤسسة Atlantic Council البحثية الشهر الجاري: "لا أعتقد أنّ أيّ شخصٍ في هذا البلد على استعدادٍ لإرسال الفرقة 82 المحمولة جواً إلى هذه البيئة الفوضوية في محاولةٍ لحل مشكلةٍ أخرى لم نتسبّب بها".

روسيا الفاعل الأول والأخير في سوريا

وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، وفي مواجهة حشدٍ من اللاجئين على حدودها، أرسلت تركيا آلاف الجنود وأقامت مراكز مراقبة في إدلب بموجب اتفاقها مع روسيا وإيران على خفض العنف في سوريا. وقال مسؤولٌ بارز في إدارة ترامب إنّ روسيا هي على الأرجح القوة الوحيدة التي تستطيع إقناع الأسد بالتراجع سواءً في إدلب أو حلب، وهذا هو أحد المكاسب الاستراتيجية للحرب السورية.

لكنّ ذلك لم يحدث حتى الآن. إذ قال جيمس جيفري، مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية الخاص للشؤون السورية وتنظيم الدولة الإسلامية، إنّه لم يتضح بعد ما إذا كانت روسيا عاجزةً عن ردع الأسد أو لا ترغب في ذلك ببساطة.

وصرّح جيفري للمراسلين في الخامس من فبراير/شباط، قائلاً إنّه بغض النظر عن ذلك، "فإنّ روسيا ليست مُتعاونة".

فضلاً عن أنّ تركيا وروسيا تدعمان طرفين مُختلفين على جانبي الصراع في ليبيا، حيث يتنافس جنرال الجيش الليبي السابق خليفة حفتر وقواته مع الحكومة المدعومة من قبل الأمم المتحدة على السيطرة.

وتقف روسيا إلى جانب حفتر الليبي الذي يحمل الجنسية الأمريكية، وكان يعمل في السابق لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلى جانب اتّهامه بالتعذيب. ويتمتّع حفتر أيضاً بدعم مصر والسعودية والإمارات، وجميعهم حلفاء للولايات المتحدة. وتُعَدُّ الإمارات العربية المتحدة مصدره الأساسي للحصول على الأسلحة والطائرات المُقاتلة.

لكن موسكو التي تسعى أيضاً لزيادة نفوذها في الشرق الأوسط وإفريقيا نشرت أسلحتها مع قرابة الـ1400 من المرتزقة، التابعين لمجموعة فاغنر الأمنية الروسية الخاصة، من أجل مساعدة حفتر. كما ساعدت جيشه الليبي الحُر في تشكيل حكومةٍ مُنافسة بالعديد من السُبل، ومن بينها طباعة العملة.

وخلال جلسة استماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الشهر الجاري، ذكر دبلوماسيٌ أمريكيٌ بارز ليبيا وسوريا قائلاً إنّ الحملات العسكرية الأجنبية التي تشُنّها روسيا هي السبب في تصعيد الحربين.

وقال كريستوفر روبنسون، نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية، إنّ الدعم العسكري والسياسي الروسي للأسد "أدّى إلى تأجيج الصراع الذي كلّف مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء أرواحهم، وأجبر الملايين على الفرار. وباتت ليبيا الآن معرضة لخطر أن تكون الوجهة التالية لجهود روسيا الخبيثة في استغلال الصراعات الدولية من أجل تحقيق مكاسبها السياسية والاقتصادية الضيقة".

تحميل المزيد