منذ نهاية عام 2019، تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بشكل ملحوظ، مستكملاً مسلسل صعود الجنيه المصري، بعدما كان الدولار قد قفز من نحو تسعة جنيهات قبل التعويم إلى نحو 19 جنيهاً بعد التعويم.. فما هي أسباب انخفاض الدولار أمام الجنيه؟ وهل يتدخل البنك المركزي المصري في تحديد سعر الدولار أم هذا الانخفاض جراء حركة السوق؟
المصادر الرسمية والمتخصصون الاقتصاديون أرجعوا في تصريحات متعددة عبر الصحف الرسمية والقنوات الإعلامية، انخفاض الدولار أمام الجنيه نتيجة عدة أسباب، أهمها ارتفاع عوائد السياحة، وزيادة تدفقات النقد الأجنبي، بالإضافة إلى تزايد شهية المستثمرين الأجانب، للاستثمار في أدوات الدين العام، نظراً لارتفاع العائد عليها.
ونقلت وسائل إعلام مصرية عن وكالة بلومبرغ الأمريكية أن الجنيه المصري مستمر في تقديمه أداء قوياً هذا العام، مدعوماً بصعوده أكثر من 2% أمام الدولار الأمريكي، ليصبح أحد أفضل العملات العالمية أداء خلال العام الجاري 2020، مضيفاً إنجازاً آخر إلى إنجازات العام الماضي، بعد انضمامه لقائمة أفضل ثلاث عملات عالمية أداء في نهاية العام الماضي "2019".
وسجل سعر صرف الدولار في البنوك المصرية حتى اللحظة الأخيرة 15.55 جنيه للشراء، و15.65 جنيه للبيع كأعلى سعر صباح يوم الأربعاء 26 فبراير/شباط 2020.
أسباب انخفاض الدولار أمام الجنيه.. محافظ البنك المركزي هو الذي يتحكم بالسعر
يقول باحث في الشأن الاقتصادي والمصرفي يعمل مستشاراً في أحد البنوك المصرية الكبرى لـ "عربي بوست": "بداية نحن لسنا أمام انخفاض حقيقي لسعر الدولار أمام الجنيه ، وقولاً واحداً هو انخفاض وهمي"، حسب تعبيره.
وأضاف الباحث، الذي طلب عدم ذكر اسمه لحساسية موقعه، إن "محافظ البنك المركزي ما زال يتحكم في سعر الدولار، ويعطي تعليماته يومياً للبنوك في خفض السعر".
وأردف قائلاً: "لو لاحظت أن سلسلة الانخفاضات الأخيرة التي طرأت على الدولار مقابل الجنيه جاءت بعد صدور قرار الرئيس السيسي بالمد لطارق عامر كمحافظ للبنك المركزي 4 سنوات أخرى بعد انتهاء مدته الرسمية، فهو يريد من هذه الخطوة إرضاء الرئيس وإيهامه بنجاح سياسته النقدية التي اتخذها منذ مطلع 2016 حينما أصدر قراراً بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار".
ورأى الباحث أن "التراجع وهمي ولا يستند على معايير ولا أسس اقتصادية".
وبشكل أعمق ودقيق يطرح الباحث تساؤلاً: "متى يمكن أن نقول إن الدولار تراجع سعره فعلياً وإن الجنيه صعد؟".
ويجيب قائلاً إن "كل ما يتردد عن أسباب تراجع الدولار مثل التدفقات الدولارية نتيجة السياحة، أو ارتفاع عوائد قناة السويس، أو زيادة تحويلات المصريين في الخارج، كلها أسباب قد تبدو منطقية، ولكن إذا حللنا بالأرقام هذه الأسباب سنجد أنها ليست أسباباً حقيقية لتراجع الدولار".
ويضيف الباحث: "يحدث الانخفاض الحقيقي والدائم للدولار عندما يحدث توازن في الميزان التجاري المصري، ولكن هذا لم يحدث، كما نلمس انخفاضاً حقيقياً للدولار، حينما أذهب لشراء 100 دولار مثلاً من أي بنك، إذا فعلت ذلك، ستواجه بتعقيدات لا حصر لها، وقد لا تحصل علي المئة دولار في النهاية".
وعن العجز في الميزان التجاري، قال الباحث: "نحن لدينا عجز في الميزان التجاري يقدر بحوالي 55 مليار دولار، فمصر تستورد ما قيمته حوالي 77 مليار دولار، ونصدر بحوالي 25 مليار دولار وذلك وفق الأرقام الرسمية التي تعلنها الحكومة".
مصادر الدولار وأين تنفق في مصر؟
ما هي مصادر النقد الأجنبي في مصر، وأين تنفق؟
يجيب الباحث: "مصادر النقد الأجنبي في مصر وغالبيته من الدولار بالطبع سنجدها كتالي "23 مليار صادرات، 11٫2 مليار عوائد السياحة، 5 مليارات دولار من قناة السويس وما بين 20 و21 ملياراً تحويلات المصريين في الخارج، والاستثمارات المصرية في الداخل والخارج لا تتعدى 4 مليارات على أقصى تقدير، ومعظمها يتمثل في التنقيب عن البترول، وليست حتى استثمارات إنتاجية كتشغيل مصانع مثلاً، ويأتي المصدر الأخير من مصادر النقد الأجنبي وقدره 2 مليار دولار وهي عبارة عن إعانات خارجية، وهي غير القروض".
أما إلى أين تذهب هذه التدفقات الدولارية؟ فبحسب الباحث: "نجد أن غالبيتها يصرف على القروض الخارجية، فخلال الست سنوات الماضية ارتفع الدين الخارجي من 42 ملياراً إلى 110 مليارات دولار، هذا وما زلنا حتى الآن لم نسدد الودائع الخليجية، وقد طلبت الحكومة تأجيل سدادها حتى عام 2022، وتقدر هذه الودائع بحوالي 13 ملياراً ونصف المليار دولار، وهذا العام المالي الجديد مطلوب من مصر سداد ما يقدر بحوالي 18 ملياراً و900 ألف دولار كجزء من أقساط ديون وفوائد، كل هذه المؤشرات تؤكد أن الانخفاض في سعر الدولار أمام الجنيه ليس حقيقياً أو أنه أسس هذا الصعود في قيمة الجنيه ليست قوية".
بعد عرضه لهذه الأسباب التي تؤكد عدم منطقية انخفاض الدولار أمام الجنيه المصري، نأتي إلى سؤال آخر: متى يتوازن فعلياً سعر الدولار مع الجنيه المصري؟ وإن شئنا الدقة، متى ينخفض الدولار أمام الجنيه بناء على أسس اقتصادية سليمة؟
يجيب الباحث: "يحدث هذا الأمر عندما تدخل استثمارات خارجية حقيقية داخل مصر، استثمارات يطلق عليها اقتصادياً، "استثمارات للتوطين"، وتدر عائداً سنوياً لا يقل عن 30 مليار دولار، ولكن خلال السنوات الست الماضية، زاد الدين الخارجي، حوالي 70 مليار دولار، وهذا الأمر يختلف تماماً عن الاحتياطي النقدي من الدولار الذي يعلنه البنك المركزي المصري، وهذا الاحتياطي لا تمتلك مصر منه فعلياً سوى 4 مليارات دولار، أما الباقي ويقدر بحوالي 40 مليار دولار، فجزء كبير منه عبارة أموال ساخنة، جاءت عبر استثمارات أجنبية في أذون الخزانة.
ويرى أن هذا يمثل كارثة، لأنه لأول مرة في التاريخ أن تحصل دولة في العالم خلال سنتين فقط على 20 مليار دولار كأذون خزانة، وهي أداة من أدوات الدين سوف تسدد على 40 عاماً، أي أن أبناءنا هم من سيقع عليهم تسديد هذه الديون، وهو ما يمثل كارثة"، حسب قوله.
وعلق مصدر مسئول بأحد البنوك العامة الكبرى لـ"عربي بوست" على هذه النقطة تحديداً بقوله، إن السبب وراء انخفاض الدولار، هو الطلب المرتفع من الأجانب على الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، فنحن نرى طلباً للأجانب على أدوات الدين الحكومية، لذلك يبيعون الدولار ويشترون بالعملة المحلية، وهو ما يؤثر على سوق الصرف ويجعل هناك وفرة في الدولار.
وكان محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر ذكر، في مقابلة مع وكالة "بلومبرغ"، أن سعر صرف الجنيه قد يشهد تحركاً بشكل أكبر في الفترة المقبلة، وذلك بعد إنهاء العمل بآلية ضمان تحويل أموال الأجانب.
وأكد عامر أن "المركزي" ملتزم بضمان وجود سوق صرف حر خاضع لقوى العرض والطلب، مرجعاً استقرار أسعار الصرف خلال الفترة الماضية إلى تحسن في الحساب الجاري، بسبب زيادة التحويلات والسياحة والصادرات، والتحسن في التصنيف الائتماني لمصر".
ما يحدث الآن .. هو تعويم مُدار للجنيه المصري وليس مطلقاً
كان البنك المركزي قد قرَّر تعويم الجنيه المصري منذ عام 2016 وتركه وفق آلية السوق خاضعاً للعرض والطلب، ضمن ما سمّته الحكومة المصرية وقتها "خطة الإصلاح الاقتصادي" تنفيذاً لتوجيهات صندوق النقد الدولي، حتى تحصل مصر على قرض 12 مليار دولار، وحصلت عليه بالفعل.
السؤال: إذا كان الجنيه قد تم تعويمه، فكيف يتحكم البنك المركزي المصري الآن في تحديد سعر الدولار أمام الجنيه المصري؟
فاجأنا الباحث الذي التقى به "عربي بوست" بقوله: "فعلياً واقتصادياً لم يقُم البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه المصري، هو فقط أجرى عملية تعديل وإصلاح مالي من خلال لجنة "السياسة النقدية" في البنك المركزي التي يترأسها طارق عامر محافظ البنك، هو فعلياً قام بما يسمى "التعويم مدار"، بمعنى أطلق الدولار، ولكنه في نفس الوقت يمسك بلجامه".
وأضاف: "فليس هناك تعويم مطلق، لأنه لا توجد معايير حقيقية لتحديد سعر العملات في مصر، كما نراها في معظم البلدان، حتى القريبة منا، فتحديد سعر العملات في مصر خاضع للتحكم من الأعلى، وتحديداً من إدارة النقد الأجنبي في البنك المركزي المصري، فلو كان هناك تعويم مطلق للجنيه المصري، لكان مثلاً يرتفع أو ينخفض أمام اليورو".
نعم تحجيم الاستيراد أدى إلى تراجع الدولار، لكن ليس إلى هذا الحد
ويقول مصدر اقتصادي خاص في "البورصة المصرية" لـ "عربي بوست": "إن ارتفاع الجنيه أمام الدولار يرجع لكثرة العرض وقلة الطلب، فنحن أصبح لدينا فوائض دولارية نتيجة زيادة الاستثمار في أدوات الدين الخارجية، وفي نفس الوقت شهد العجز في الميزان التجاري انخفاضاً بسبب تحجيم الاستيراد إلى حد كبير، خاصة التوقف عن "استيراد الغاز الطبيعي"، فإذا قلَّ الاستيراد قلَّ الطلب تلقائياً على الدولار، وبالتالي يتراجع سعره أمام الجنيه".
ويستدرك المصدر متشككاً ويقول: "نعم.. كل المؤشرات تدعم تراجع الدولار أمام الجنيه حتى الآن، لكن ما ليس منطقياً ولا طبيعياً هو التراجع بوتيرة سريعة، فيومياً تقريباً أصبحنا نسمع عن انخفاضات كبيرة للدولار وبالمقاييس الاقتصادية هذه الأرقام التي يعلن عنها حول انخفاض الدولار ليست طبيعية".
التركيز على الصناعة هو الحل
وأوضح مصدر مسؤول في بنك مصر لـ "عربي بوست" أن "ما يجري حالياً ليس تراجعاً حقيقياً للدولار أمام الجنيه المصري، كل ما حدث هو قلة طلب عليه مع وجود فائض منه، ما زلنا نتعامل بنفس الآليات السابقة حتى قبل التعويم في بيع الدولار للمواطنين والأجانب على حد سواء".
وأكد المصدر أن "التوازن الحقيقي بين سعر الدولار والجنيه المصري يحدث فعلياً عندما نصل إلى أعلى معدلات الإنتاج، خاصة الصناعية والوصول لمعدلات تصدير بقيمة 25 مليار دولار على الأقل، فالإنتاج الحقيقي، سواء كان زراعياً أو صناعيا، هو الضمان الحقيقي لمزيد من تراجع الدولار أمام الجنيه".
كورونا يدخل على خط الدولار في مصر
أما أكثر مفاجآت رقص الدولار أمام الجنيه، فيكشفه لنا "مرعي.ص"، مدير إحدى شركات الصرافة في مصر، فيقول: "من الطبيعي أن يتراجع الدولار في مصر الآن بسبب قلة الطلب عليه في هذا الوقت، فهو وقت إجازة الصينيين السنوية، التي تستغرق شهراً و10 أيام، بل زادت هذا العام لتصبح شهرين بسبب تفشي فيروس كورونا، حيث توقف شحن البضائع تقريباً من الصين إلى مصر خلال هذه الفترة، ونتيجة لذلك يصبح هناك ركود في حركة بيع وشراء الدولار، ورغم سياسة الحكومة المصرية في تحجيم الاستيراد، فإن 85% من الاستيراد ما زالت صينية، خاصة المنتجات الإلكترونية والمعدات، لذا فنحن أمام عرض كثير من الدولار، وأمام طلب أقل".
ويؤكد مرعي أن "تفشِّي كورونا زاد الطين بلة، وحجّم عملية الاستيراد أكثر، حتى إن الصين نفسها أوقفت شاحناتها إلى مصر، ما أدى إلى هبوط الدولار بوتيرة سريعة".
ويؤكد مرعي أنه "رغم أن كورونا قد ساهم في الإسراع بخفض الدولار أمام الجنيه، فإن هناك نسبة تدخل في الأساس من البنك المركزي، بل وزادت التعقيدات لصرف الدولار من محلات الصرافة والبنوك على حد سواء".
ومن هذه التعقيدات كما أشار مرعي: "ضرورة أن يقوم المواطن بملء استمارة تغيير عملة في محل الصرافة، أو البنوك، مع أخذ صورة من هوية المواطن "البطاقة الشخصية" أو جواز سفر، وإرفاقها مع المبلغ الذي تريد شراءه أو بيعه بل على العكس، زادت التعقيدات أكثر وأكثر، فقبل التعويم، كانت صورة البطاقة تطلب إذا كان المبلغ الذي تريد شراءه أو بيعه أكثر من 50 ألف جنيه، الآن لابد من تقديم صورة البطاقة حتى ولو ستشتري أو تبيع 100 دولار، أما في البنوك، فإذا أردت شراء دولار لابد أن تقدم جواز سفرك وتذكرة الطيران إذا كان الشراء لغرض السفر، وإذا كان لغرض التجارة فلابد أن تقدم سجلاً تجارياً وبطاقة ضريبية، وأوراقاً أخرى تثبت احتياجك للدولار".
وأشار مرعي إلى أن الدولة خلال السنوات الأربع الماضية أغلقت معظم شركات الصرافة بحجة التجارة في السوق السوداء للدولار، فتم إغلاق 90 شركة من إجمالي 115، فكيف وأين هي حرية تداول العملة، أو تعويم الجنيه كما تزعم الحكومة؟".
السؤال الأهم: إلى متى سيستمر انخفاض الدولار؟ وما هي فوائد أو أضرار هذا الانخفاض على المواطن؟
يقول ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي المعروف رئيس تحرير صحيفة الأهرام السابق: "نحن أمام انخفاض للدولار بشكل غير منطقي، وبالتالي ليس هناك تحليل فني نتوقع منه استشراف اللامنطقي في هذه المسألة".
وتابع الولي: "بينما يشهد الدولار على مستوى العالم أزهى أوقاته ويرتفع في معظم دول العالم نجده ينخفض في مصر بشكل ثابت منذ يناير/كانون الثاني 2019، فما المنطق في ذلك؟".
وأضاف الولي أن "القياس الحقيقي لارتفاع الدولار أمام الجنيه المصري لا يحدث إلا إذا ارتفعت صادراتك، ولكن ما حدث في مصر هو العكس، فطبقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد وصل حجم انخفاض صادراتنا إلى 47 ملياراً و700 ألف دولار حتى عام 2019.
ووفقاً لأبسط قواعد الاقتصاد، فإن أي دولة بها عجز في الميزان التجاري فهذا ينعكس على عملتها المحلية بالسلب ومن ثم تنخفض، فكيف ترتفع في مصر وسط هذا العجز الكبير في الصادرات، إلا إذا كان هناك تدخل في تحديد السعر".
وبحسب الولي، فإن الحكومة المصرية تقول إن سبب الانخفاض الملحوظ للدولار أمام الجنيه يرجع إلى وفرة المعروض من الدولار، ونحن نتساءل: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تستمر في الاقتراض؟ كل الجهات الحكومية والبنوك تقترض من الخارج، فهذا الاقتراض يؤكد أن هذه الوفرة ليست حقيقية، كما أنه رغم ارتفاع حصيلة الاحتياطي من النقد الأجنبي، فإن هذه الارتفاعات متآكلة، فتقريباً كل أواخر شهر ينقص هذا الاحتياطي حوالي مليار دولار بسبب الديون، ومن ثم يلجأ البنك المركزي لتعويض هذا النقصان بالاقتراض من صندوق أبوظبي، ولكن لا أحد يناقش أو يكشف الحقيقة، وهذا ما يعتمد عليه محافظ البنك المركزي المصري، ومن يتدخل أو حتى يناقش هذه السياسة من قِبل المسؤولين في بنوك مصرية يتم التنكيل به".
ويشير الولي إلى أن "السبب في وفرة الدولار وانخفاضه أمام الجنيه، هي الإغراءات التي تقدمها الحكومة للأجانب في الاستثمار في أدوات الدين الحكومي، والتي بلغت حتى نهاية 2019 حوالي 23 مليار دولار، حسب تصريحات وزير المالية المصري، وهي استثمارات تعتبر أموالاً ساخنة في أي وقت يمكن أن تنسحب من مصر، وليست استثمارات حقيقية تغطي احتياجاتك أو تنمي اقتصادك.
فقد أغرى محافظ البنك المركزي هذه الاستثمارات برفع سعر الفائدة لهم 14% وأيضاً بانخفاض سعر الدولار المتوالي أمام الجنيه المصري، الذي وصل من بداية يناير/كانون الثاني 2019 حتى الآن إلى 10%، وببساطة شديدة، إذا دخل أي مستثمر، بـ100 دولار مثلاً واشترى بها أذوناً وسندات، فعندما يخرج سيحصل على 124 دولاراً، وهنا يقع الضرر الحقيقي، لأن هذه الفائدة، وفرق انخفاض العملة، هي أموال المصريين واقعياً، فهي تتسرب بهذا الشكل إلى الخارج وإلى جيوب الأجانب، ويعتمد البنك المركزي لتجنب ذلك على أن من سيخرج سيأتي آخر مكانه، بتقديم المزيد من الإغراءات والتنازلات، وهكذا ندور في حلقة مفرغة".
ولفت ممدوح الولي إلى أن "محافظ البنك المركزي في مسألة إغراءات الأجانب بالاستثمار في أدوات الدين المصري، لم يخترع العجلة، فقد فعلها قبله محافظون سابقون للبنك المركزي، ولكن بحسابات دقيقة وفي أوقات محددة".
ويكشف ممدوح الولي أن من بين المتضررين في مسألة خفض الدولار أمام الجنيه هم المصدرين، فارتفاع الجنيه أمام الدولار يعني ارتفاع سعر السلعة المصرية المصدرة، وبالتالي لن يكون هناك إقبال على شرائها، ولذلك منذ صعود الجنيه بداية يناير/كانون الثاني 2019 انخفضت الصادرات المصرية بشكل كبير".
إذاً ما هو الهدف من هذه السياسة النقدية اللامنطقية في مسألة ارتفاع الجنيه المصري أمام الدولار إذا لم يستفد منها المواطن ولا المصدرون؟
يجيب ممدوح الولي قائلاً: "الهدف هو فقط إرضاء قيادته السياسية".