هل تتخلى سلطنة عمان عن علاقتها الودية مع إيران أم تستمر في هذه العلاقة وتحافظ على دورها كوسيط بين طهران والغرب.
حافظت طهران ومسقط على قوة علاقتهما لعقود، وظلت هذه العلاقة على حالها حتى بعد الثورة الإيرانية عام 1979.
لكن السلطان قابوس بن سعيد، الذي تولى قيادة عمان لفترة طويلة، توفي في 10 يناير/كانون الثاني 2020، عن عمر ناهز 79 عاماً، وأصبح المصير المحتمل للعلاقات الودية بين إيران وعُمان مثار تكهنات، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
سويسرا الشرق الأوسط التي أسهمت في إبرام الصفقة النووية مع أوباما
اعتادت عمان أداء دور الوسيط، وأسهمت بدرجة كبيرة في القضايا الأكثر إثارة للجدل المتعلقة بإيران على الساحة الدولية، من المفاوضات النووية بين طهران والقوى العالمية -التي شملت محادثات تاريخية مباشرة بين أمريكا وإيران- إلى إطلاق سراح سجناء أمريكيين.
وفي عهد قابوس، تمكنت سلطنة عمان من الالتزام بالحياد في سياستها الخارجية، وكانت تسمى أحياناً بـ "سويسرا الشرق الأوسط".
فعلى عكس دول الخليج العربية، حافظت مسقط على علاقتها مع طهران في أوج التوترات، التي شهدت خلاف جمهورية إيران الإسلامية مع معظم حلفاء واشنطن الإقليميين. ويبدو أن إيران تفهمت وقدّرت قيمة هذا الدعم في لحظات الأزمات.
ففي كشف نادر في يونيو/حزيران عام 2015، ألمح المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى المحادثات غير الرسمية بين طهران وواشنطن بوساطة عمانية، دون التصريح باسم قابوس مباشرة بقوله: "أحد القادة المبجلين في المنطقة نقل رسالة من الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) بأنهم على استعداد لحل المشكلة النووية مع إيران ورفع العقوبات".
ولكن الآن السلطان الجديد يواجه تحدياً داخلياً يلقي بظلاله على العلاقات مع طهران
يُذكر أن السلطان قابوس، عيّن في خطاب مختوم لم يُفتح إلا بعد وفاته، ابن عمه البالغ من العمر 65 عاماً، وزير الثقافة السابق، هيثم بن طارق آل سعيد، خليفة للعرش.
وأدى السلطان الجديد اليمين الدستورية رسمياً في 11 يناير/كانون الثاني 2020، فيما تحوم سحابة من عدم اليقين حول مسار العلاقات الإيرانية العُمانية.
إذ يواجه الزعيم الجديد قرارات صعبة في السياسة الاقتصادية والخارجية، إلى جانب تحديات أخرى. فقد انخفض معدل النمو الاقتصادي السنوي في البلاد إلى مستوى قياسي بلغ 0.9% عام 2017، بانخفاض عن نسبة نمو بلغت 5% فقط قبلها بعام.
ويتعين على مسقط، في الوقت نفسه، أن تتصدى للتهديدات الأمنية، وأن تحافظ على حصانتها ضد نيران الصراعات الشاملة في الشرق الأوسط المشتعل.
أول زيارة لوزير خارجيتها في العهد الجديد كانت لإيران
حضر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ممثلاً للجمهورية الإيرانية، جنازة قابوس، واجتمع مع الزعيم الجديد يوم 12 يناير/كانون الثاني.
وقبل خمسة أيام من هذا الاجتماع، كان نظير ظريف العماني، يوسف بن علوي، في طهران، وهي وجهة زارها كثيراً في السنوات الأخيرة.
وزار علوي العاصمة الإيرانية مرة أخرى، في 21 يناير/كانون الثاني، في أول رحلة له في عهد السلطان الجديد، وفي أعقاب التصعيد الأمريكي الإيراني الجديد الناجم عن اغتيال القائد الإيراني اللواء قاسم سليماني.
إذ دفعت هذه الضربة الأمريكية، التي أدت إلى مقتل سليماني بالقرب من مطار بغداد الدولي، طهران إلى الرد بهجوم صاروخي على منشآت أمريكية في قاعدة عين الأسد الجوية في العراق.
غير أن طهران أبلغت الوسيط أنها غير معنية بالتهدئة بعد مقتل سليماني
وفقاً لدبلوماسي بارز بوزارة الخارجية الإيرانية، أثبتت مسقط حسن نيتها تجاه طهران في مسار العلاقات الودية التي استمرت لسنوات.
وقال: "بعد اغتيال سليماني اتصل العمانيون على الفور بإيران، وطالبوها بضبط النفس في ردها على الهجوم". وأخبر الدبلوماسي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، موقع Al Monitor أيضاً عن آخر مهمة لوزير الخارجية العماني في طهران، حيث نقل عرضاً أمريكياً لإجراء محادثات مع الجمهورية الإسلامية.
أضاف الدبلوماسي: "لكن لا يوجد في طهران من يتعامل بجدية مع استعداد الولايات المتحدة للمفاوضات"، مضيفاً أن القيادة الإيرانية تفسر هذه العروض على أنها لفتة لإقامة بعض العلاقات العامة، أكثر منها رغبة حقيقية في نزع فتيل التوترات. وقال: "لقد أخبرنا العمانيين، مع كل الاحترام الواجب، أنه في ظل الظروف الحالية، لا ترى إيران حداً أدنى من الاستعداد الجاد من جانب الولايات المتحدة لوقف التصعيد".
وناقش المحلل والصحفي في شؤون الخليج كَمران كرامي، مع موقع Al-Monitor، مسألة مدى إمكانية استمرار سلطنة عمان في أسلوب الوساطة، الذي تميز به قابوس في القضايا المتعلقة بإيران.
السعودية والإمارات تحاولان جذب النظام الجديد لصفهما
قال كرامي: "ومما لا يثير الدهشة أن السعودية والإمارات سوف تحاولان الاستفادة من النظام السياسي الجديد في عُمان لمصالحهما الخاصة. وفضلاً عن ذلك، بالنظر إلى التحديات الاقتصادية التي يواجهها السلطان العماني الجديد، فمن المحتمل أن تصبح السياسة الخارجية للبلاد أقل توازناً في السنوات المقبلة".
ومن المتغيرات الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار في السياسة الخارجية لسلطنة عمان العلاقات التقليدية للبلاد مع المملكة المتحدة.
فبعد طلاقها الرسمي من الاتحاد الأوروبي، يمكن للمملكة المتحدة أن تسعى إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وبالتالي السياسة الخارجية لسلطنة عمان.
هل تتخلى سلطنة عمان عن علاقتها الودية مع إيران؟
يقول السفير الإيراني السابق لدى الأردن نصرت الله طاجيك، في مقابلة مع موقع Al Monitor: "لسوء الحظ، لم تجنِ طهران ما يكفي من علاقاتها الودية مع مسقط في عهد السلطان قابوس. كان ينبغي علينا توسيع العلاقات الاقتصادية مع عُمان لزيادة الترابط".
ورغم ذلك، وفقاً للدبلوماسي المتقاعد، ثمة أرضية مشتركة كافية من الناحية الثقافية والجيوسياسية والديمغرافية والسياسية بين الدولتين، تجعل من المستبعد تغيير مسقط لنهجها الودي تجاه طهران.
ومن المتوقع أن تبذل الجمهورية الإسلامية، في تقييمها للنظام الجديد في سلطنة عمان، جهوداً إضافية للحفاظ على صداقتهما التقليدية، لأنها تدرك أن المنافسين الإقليميين قد لا ينتظرون طويلاً قبل أن يسحبوا الحكومة العمانية الجديدة إلى ملعبهم، لزيادة الضغط المتصاعد بالفعل على طهران.