مرت الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الثورة الشعبية في الجزائر أو ما يُعرف إعلامياً بالحراك، وخرج الآلاف إلى الشوارع، ليس للاحتفال ولكن لتأكيد استمرار الحراك كما انعكس من الشعارات التي رفعوها، فماذا كانت مطالب الحراك؟ وماذا تحقق منها؟ وإلى أين يتجه في عامه الثاني؟
مسيرات نهاية عام وبداية آخر، لكن ليست احتفالات
السبت 22 فبراير/شباط، تجمع آلاف الأشخاص بالعاصمة الجزائرية في الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الحراك الشعبي، وتم نشر قوات من الشرطة بمحيط البريد المركزي، الذي أصبح رمزاً لتجمعات الحراك، في انتشار شبيه بالذي يواكب أيام الجمعة حين تجري المظاهرات الأسبوعية المستمرة منذ سنة في العاصمة.
المظاهرات تزامنت مع ذكرى اليوم الذي شهد انطلاق الشرارة الأولى للحراك وكان الجمعة 22 فبراير/شباط عام 2019، وكانت تطالب بتغيير النظام بالكامل، أما المطلب المباشر فكان رفض ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة.
وردد المحتجون وهم يسيرون في شوارع العاصمة الجزائر كسرنا حاجز الخوف قبل عام وسنواصل"، كما هتف المتظاهرون المتجمعون أمام مبنى البريد "الشعب يريد إسقاط النظام" من غير أن تتدخل الشرطة. وكتب على لافتة عريضة: "لا للسلطة العسكرية، دولة مدنية لا عسكرية"، تنديداً بهيمنة القيادة العسكرية على السلطة المدنية منذ استقلال البلاد عام 1962.
ماذا حقق الحراك في عامه الأول؟
انطلقت الشرارة الأولى للحراك رفضاً لترشح بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة، وهذا المطلب تحقق بالفعل بعد أن أعلن استقالته في أبريل/نيسان، لكن المحتجين واصلوا مظاهراتهم كل أسبوع، في ظل المطلب الآخر الرئيسي، المتمثل في "تغيير النظام بالكامل".
ولم تكن استقالة بوتفليقة فقط هي المطلب الذي حققه الحراك، فقد تم احتجاز رئيسَي وزراء سابقين وعدد من الوزراء السابقين ورجال الأعمال الكبار في تحقيقات لمكافحة الفساد منذ استقالة بوتفليقة.
إلى أين يتجه الحراك؟
ومع دخول عامه الثاني، يجد الحراك نفسه في مواجهة أسئلة تتعلق باستمراريته، بعد أن فشل في منع انتخاب عبدالمجيد تبون رئيساً في ديسمبر/كانون الأول، وهو محسوب على النظام الذي يريد الحراك التخلص منه بالكامل، وفي وقت يبدو أن هذا النظام استعاد زمام الأمور، حيث إن الحراك غير المنظم يتمحور حول عبارتين أساسيتين: "سلمية و "يتنحاو قاع" (ليرحلوا جميعاً) تختبئ وراءهما مجموعة آراء متباينة وشرخ حقيقي بين الأيديولوجيات.
وترى المؤرخة المتخصصة في منطقة المغرب كريمة ديريش، أن الحركة التي يقودها شباب "كل شيء يتم فيها بعفوية وبالاكتشاف والتجربة، وكذلك في ظل الاختلافات"، مضيفة: "لا بدّ من تعلُّم الإصغاء إلى الآخر، والتفاوض من أجل التوافق. لم نصل بعد إلى ذلك"، وتقول ديريش، مديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية بفرنسا، لوكالة فرانس برس: "لم نصل بعد إلى الانتقال السياسي، ما زلنا في مرحلة التفكير فيه"، وتتابع: "نحن نشهد شيئاً غريباً للغاية: فبينما لا تزال التعبئة موجودة يمكننا أن نرى أن هناك صعوبة حقيقية في الانتقال إلى شيء آخر" غير المظاهرات الأسبوعية.
فهل يجب على الحراك التفاوض مع رئيس، قال إنه "يمد يده له؟"، وهل يجب أن ينتظم ويقوم بتعيين ممثلين عنه؟ هل يجب عليه التفكير في طرق العمل الأخرى؟ تردّ الباحثة بمركز كارنيغي للشرق الأوسط داليا غانم، بتأكيد أن "هناك قرارات مهمة على الحراك أن يتخذها"، وتضيف أن نشطاء الحراك متفقون فقط على الشعارين الأساسيين، ولكن "ليس على أساليب العمل، ولا على تحويل الحراك إلى مؤسسة. ليسوا متفقين أيضاً على القيادة والقضايا التي يتعين معالجتها".
وتوضح غانم لـ "فرانس برس"، أن عدم وجود قيادة خدم الحراك كثيرًا حتى الآن، بحسب قولها؛ "نظراً إلى عدم وجود قادة لا يمكن سجنهم أو مضايقتهم أو استيعابهم"8 كما فعل النظام في السابق لإسكات المعارضة. وفي الوقت نفسه، فإن غياب شخصيات بارزة يعوق قدرة الحركة على التفاوض مع السلطة.
وبسبب عدم وجود أحزاب معارضة حقيقية ونقابات وصحافة مستقلة في الجزائر، فإن "قوى المعارضة التي كان من الممكن أن تتولى القيادة" ليست موجودة أيضاً، كما تشير كريمة ديريش.
ويرى أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس 1 ،بيار فيرمران المتخصص بشؤون المغرب العربي، أن "الخيار السلمي الوحيد" للحركة الاحتجاجية "هو إعادة بناء الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية؛ من أجل التحضير للانتخابات المحلية والوطنية". بذلك، يكون هناك مسؤولون منتخبون قادرين على "نقل صوت الحراك في المؤسسات".
لكنه يضيف أن "المشكلة تكمن في أنه على الرغم من حبهم للسياسة، لدى الجزائريين ثقة محدودة للغاية بالمؤسسات القائمة". مع ذلك، بدأت الحركة في تنظيم نفسها على المستوى المحلي.
تردد في التصعيد
لكن الجزائريين الذين عانوا لسنوات من العنف الدموي، يترددون في اتخاذ أشكال أخرى من العمل السياسي، مثل الإضراب العام أو العصيان المدني. وتقول ديريش إن الجزائريين "يفكرون مرتين قبل قرار المواجهة".
ولا توافق المؤرخة على فرضية تقلص الحراك وتراجع المسيرات الأسبوعية، معتبرة أن "هذه الطريقة تسمح باقتصاد الجهد". والمسيرات وسيلة "لتعلم السياسة، الشيء الذي كان محظوراً حتى الآن وغائباً عن الفضاءات التقليدية، كالمدرسة أو الجامعة أو في الأحزاب"، وتقول إن هناك "أشياء يتم تعلمها وتجربتها. ومن الواضح أن كل هذا سوف ينتج شيئاً ما. لكن ماذا؟ كيف؟ متى؟ من الصعب القول".
بالنسبة إلى الصحفي والكاتب الجزائري أكرم بلقايد "من الضروري التفكير على المدى الطويل"، "هناك مطالب، مطالب من الشعب يحملها الحراك ويذكّرنا باستمرارٍ أن لا شيء يسير على ما يرام. عاجلاً أم آجلاً، سيتعين على النظام أن يأخذ ذلك في الاعتبار".