مع اقتراب مرور عام على انطلاق الاحتجاجات التي أدت لتنحي الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة ومنع ترشحه لولاية خامسة تثار تساؤلات حول مدى قدرة الحراك الجزائري على التغيير مستمرة واستكمال مطالبه.
فرغم نجاح في طلبه المبدئي برحيل الرئيس بوتفليقة الذي كان يصر على الترشح رغم مرضه، إلا ان الحراك يواجه تحديا بعد نجاح السلطة في إجراء الانتخابات الرئاسية التي رفضها الحراك وأسفرت عن فوز عبد المجيد تبون الذي يعتبره كثير من النشطاء امتداد للنظام.
الجيش هو المستفيد الأكبر
واندلعت احتجاجات الجزائر، المعروفة بالحراك الشعبي، في 22 فبراير/شباط 2019، بمعظم مدن الجزائر؛ للمطالبة في بادئ الأمر بعدم ترشُّح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة؛ وذلك بعدما دعت أحزاب الموالاة وحزب جبهة التحرير الوطني بوتفليقة إلى الترشح، رغم حالته الصحية المتدهورة منذ أن أُصيب بسكتة دماغية عام 2013.
ونتج عن الحراك استقالة بوتفليقة، واحتجاز عدد من رجال الأعمال الأثرياء، ومنع آخرين من رجال السلطة في عهد بوتفليقة من السفر.
ونجح النظام الذي يعتقد على نطاق واسع أنه يتحكم به من قبل الجيش في عبور اختبار لا يقل صعوبة وهو وفاة رجل النظام القوي قائد الجيش قائد صالح.
وينظر البعض لهذه التطورات بأن أدت إلى استفادة الجيش من الحراك عبر الإطاحة ببوتفليقة الذي كان قد نجح خلال فترة توليه للسلطة جزئياً في تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية التاريخي.
والآن يعتقد أن الجيش قد عزز نفوذه بعدما تخلص من النخبة البوتفليقية والاستخباراتية الموازية وأعقب ذلك اعتقال عشرات الشخصيات البارزة بمن فيها رئيس جهاز المخابرات السابق والسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق بعدما كان لا يمكن المساس بهما من قبل.
ولكن الحراك الجزائري مازال حياً
وتظاهر آلاف الجزائريين من جديد الجمعة 14 فبراير/شباط 2019 وسط العاصمة مرددين هتافات تؤكد على استمرار الاحتجاجات.
كما شهدت مدينة خراطة بولاية بجاية شرق العاصمة الجزائرية مظاهرات عارمة شارك فيها الجزائريون من مختلف ولايات الوطن احتفالا بالذكرى الأولى للحراك الشعبي الذي انطلقت شرارته بالمنطقة لتنتقل بعدها إلى العاصمة، رفضا للعهدة الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة ومطالبة بدولة قانون وديمقراطية.
وجاءت هذه المظاهرات مع اقتراب حلول الذكرى الأولى للحراك الشعبي المطالب بتغيير الطبقة السياسية وانسحاب الجيش من السياسة.
والآن، بعد مرور عام على إنطلاقه، فإن السؤال المحوري هو، إلى أي مدىً ما زالت قدرة الحراك الجزائري على التغيير قائمة بعد تولي الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون السلطة؟ وهل ينجح الحراك في نيل مكتسبات من النظام في مجال الحرية ودولة القانون والدستور والديمقراطية أم أن النظام نجح في وأد الحراك؟
هل أدت الانتخابات الرئاسية إلى إضعاف الحراك؟
ورغم أن الرئيس الجديد أفرج عن أشخاص تم احتجازهم في الاحتجاجات، وأنشأ لجنة لتعديل الدستور، وعرض إجراء محادثات مع المعارضة، ما زال كثيرون من النخبة الحاكمة القديمة في مواقعهم.
وتطالب الاحتجاجات التي تُعرف باسم الحراك وليس لها قائد، بمزيد من التنازلات، وضمن ذلك إطلاق سراح مزيد من النشطاء، ورحيل مزيد من الشخصيات البارزة من السلطة. ومع ذلك، منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول، انخفض عدد المتظاهرين، بحسب الأشخاص الذين يحضرون المسيرات كل أسبوع.
وعارض الحراك الانتخابات، واعتبر أي انتخابات تُجرى في وجود النخبة الحاكمة القديمة بالسلطة وانخراط الجيش في السياسة، غير شرعية.
ولكن فعلياً اكتسب الرئيس الجديد شرعية تدريجية مع تراجع زخم الحراك، وفي الوقت ذاته فإن التحديات الإقليمية التي تواجهها البلاد مثل الأزمة الليبية والخلاف مع المغرب حول الصحراء، من شأنهما تعزيز السلطة وجلبها التفافاً شعبياً حولها حتى ولو جزئياً.
المعارضة تحاول توحيد صفوفها
ومع اقتراب مرور عام على انطلاق الحراك الجزائري الذي أسفر عن انتهاء حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وانتخاب عبدالمجيد تبون رئيساً للبلاد، فإن الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية والنقابية تقول إنها لا تزال ملتزمةً توحيد صفوف الحركة الاحتجاجية الشعبية في البلاد، وفقاً لما أعلنته السبت.
وأعلنت أحزاب سياسية وتنظيمات مدنية ونقابية، السبت، التزامها توحيد صفوف حركة الاحتجاج الشعبي في الجزائر الرافضة للنظام، الذي تتهمه بتنصيب رئيس مقرب من الرئيس المعزول بوتفليقة.
وأضافت الأحزاب السياسية أن هدفها هو التحدث بصوت واحد في مواجهة نظام تتهمه بـ "الاستبداد"، وتعتبر أنه منح نفسه رئيساً جديداً من صفوفه.
واختتم تحالف المعارضة المنضوي تحت مظلة "ميثاق البديل الديمقراطي والسيادة الشعبية"، أعمال جلساته التي حضرها نحو 200 مشارك، بحسب مراسل وكالة الأنباء الفرنسية.
وناقش المجتمعون الوضع السياسي في البلاد، بعد الانتخابات الرئاسية في 12ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي رفضها الحراك بشكل واسع، لكنها أفضت إلى فوز عبدالمجيد تبون وتشكيل حكومة جديدة.
وتشكَّل "ميثاق البديل الديمقراطي" بعد رحيل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان الماضي، والذي أُجبر على الاستقالة تحت ضغط الحركة الاحتجاجية الشعبية. ويهدف إلى إيجاد إطار قانوني لتغيير "النظام" الحاكم منذ استقلال البلاد في عام 1962، لا سيما من خلال إنشاء المؤسسات الانتقالية.
ويضم أحزاب "جبهة القوى الاشتراكية"، و "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و "العمال"، إلى جانب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة "تجمُّع عمل شباب" التي يقبع رئيسها حالياً في السجن.
أبرز مطالب المعارضة: فترة انتقالية ديمقراطية، ولا اعتراف بانقلاب الانتخابات
وقال محسن بلعباي رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إن الحراك الذي بدأ في 22 فبراير/شباط، "وضع أُسُساً صلبة لبناء دولة القانون ومجتمع تقدُّمي، كي يطوي صفحة الديكتاتورية العسكرية بصفة نهائية".
وجاء في بيان "أرضية لتتويج المسار الديمقراطي للثورة" التي تم التصديق عليها، تعديلات شكلية عن المشروع الأوّلي تفيد بأن المجتمعين يطالبون بـ "فترة انتقالية ديمقراطية قادرة على تلبية التطلعات المشروعة للشعب الجزائري".
وقال البيان أيضاً: "تعمل قوى البديل الديمقراطي على عقد مؤتمر وطني مستقل عن النظام، سيجمع كل القوى الناشطة في المجتمع، الملتزمة بتحقيق المطالب الديمقراطية التي عبَّر عنها الشعب منذ 22 فبراير/شباط والذين رفضوا انقلاب 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 (الانتخابات)، ويرفضون تجديد الاستبداد".
ومقابل هذا الاقتراح دعا نائب رئيس رابطة حقوق الإنسان، سعيد صالحي، إلى "استرجاع زمام المبادرة السياسية بحيث يتم كسر أجندة السلطة التي تعمل في غير مصلحة الحراك".
وتابع: "سنحيي الذكرى الأولى للثورة. واليوم الشارع يمثل ميزان قوة (في مواجهة السلطة)، لكن هذا غير كافٍ، علينا المبادرة".
ولكن المشكلة أن الحراك الجزائري لم يكن نتاجاً لجهود المعارضة بقدر ما كان هبَّة شعبية استفزها تجديد ترشُّح بوتفليقة، هبَّة تتكون بالأساس من جيل الشباب المفتقد للقيادة، ولا يثق بالنخب الحاكمة، كما يبدو غير مكترث بالمعارضة الرسمية.
وتبون يحاول إرضاء الحراك
في المقابل، بدأ الرئيس الجزائري المنتخب عبدالمجيد تبون، الذي يحاول إرضاء معارضيه، مشاورات مع شخصيات سياسية، يُعتبر بعضها قريباً من الحراك؛ من أجل وضع "دستور توافقي" وعرضه لاستفتاء شعبي.
فردّاً على موجة الاحتجاج، عرض الرئيس تبون (74 عاماً)، الذي كان بين المقرّبين من بوتفليقة، الحوار على الحراك مباشرة، بعد تسلُّمه مهامه. وتعهّد بتعديل الدستور، وأُنشئت لجنة خبراء لهذا الغرض.
وقال تبون: "سيتم أخذ كل الآراء في الاعتبار فيما يتعلق بالمنهجية الواجب اتباعها، وأيضاً المشكلات التي تعانيها البلاد".
وبلغت محاولات تبون الاسترضائية ذروتها بقراره إعلان تاريخ 22 فبراير/شباط، الذي يصادف الذكرى الأولى لبدء الحراك، "يوماً وطنياً" تقام فيه الاحتفالات الرسمية، بحسب ما أعلنته الرئاسة الجزائرية عبر التلفزيون الحكومي.
أفرج عن 94 سجيناً، ولكنه يقول للمتظاهرين: حصلتم على ما تريدون
وفي إجراء تهدئة تجاه الحراك، تم الإفراج عن 94 سجيناً خلال الأسابيع الماضية، بحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، التي ذكرت أن 124 معارضاً لا يزالون في السجن.
وتمت قراءة لائحة مسانِدة "للمعتقلين السياسيين" خلال أشغال الجلسات، طالبت بـ "إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي دون قيد أو شرط"، مع "رفض أي تجريم للعمل السياسي".
في المقابل، اعتبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في حوار مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، أن الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل رموز النظام كافة، منذ اندلاع الاحتجاجات في 22 فبراير/شباط 2019، قد "حصل تقريباً على كل ما يريده".
وأضاف: "الحراك حصل تقريباً على كل ما يريده، فلم تكن هناك عهدة خامسة، ولا تمديد للعهدة الرابعة، ثم استقال الرئيس (عبدالعزيز بوتفليقة). وقد غادر أبرز رموز النظام السابق، كما تتم مكافحة المتورطين في تركيع اقتصاد البلاد، كما أن الإصلاحات السياسية جارية، وأنا أضعها على سُلم أولوياتي".
واعتبر تبون (74 عاماً)، أنه وبرغم استمرار الجزائريين في تنظيم المظاهرات الاحتجاجية، التي تدخل عامها الأول الجمعة، فإن الأوضاع بدأت تخف والأمور تتجه نحو التهدئة، إذ إن "كثيراً من المواطنين فهِموا أن ما دُمِّر خلال عقد من الزمن، لا يمكن إصلاحه وترميمه في شهرين".
وفي رده عن سؤال "لوفيغارو" بشأن خططه فيما يتعلق بتعديل دستور البلاد، اعتبر الرئيس الجزائري أن ذلك على رأس الأولويات، مشيراً إلى توجيهات أصدرها للمختصين في هذا الشأن، لكنه وضع خطوطاً حمراء "تتعلق حصراً بالهوية ووحدة البلاد"، مشيراً إلى أن البقية قابلة للتفاوض، وأن "الصيغة النهائية (للدستور) ستسلَّم إلى البرلمان بغرفتيه ثم تحال إلى الاستفتاء الشعبي لصياغة دستور توافقي".
يجب تقديم اقتراحات بدلاً من الاعتراض فقط
ومع اقتراب الذكرى الأولى للحراك في 22 فبراير/شباط، لا تزال التعبئة كبيرة، الجمعة والثلاثاء من كل أسبوع، بالعاصمة وفي مدن أخرى، رغم تراجع زخمها مقارنة مع المسيرات الحاشدة التي خرجت في ربيع 2019 أو حتى بالمقارنة مع الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية.
وحتى داخل الحراك، يتساءل كثيرون عن الاتجاه الذي يجب أن تتخذه هذه الحركة الاحتجاجية السلمية والتعددية، في ظل غياب أي تنظيم رسمي لها.
وبالنسبة لأستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر لويزة آيت حمادوش، "بدأ الحراك كحركة احتجاجية بحتة.
وبعد عام، يبدو أنه يتعين عليه الانتقال من الاحتجاج إلى الاقتراح".
وأضافت حمادوش لوكالة الأنباء الفرنسية، أن على أي تحالفات أو مجموعات للمعارضة أن تعمل بشكل مشترك؛ "من أجل انتقال ديمقراطي حقيقي وتغيير عميق لنظام الحكم".
الاعتصام بالثورة السلمية والحاجة إلى طبقة سياسية جديدة
واعتبر أستاذ القانون في جامعة "تيزي وزو" عبدالقادر كشير، أن "هذه المبادرات لا تهدف إلى هيكلة الحراك، ولكنها كلها تشترك في أنها ثورة سلمية تهدف إلى تغيير النظام".
وبالإضافة إلى "جلسات البديل الديمقراطي" أطلقت مجموعة من المثقفين مبادرة؛ من أجل تنظيم "مؤتمر وطني موحد" للحراك.
ويهدف الموقعون على هذه المبادرة وعددهم 120 (بينهم أكاديميون ومحامون وصحفيون وطلاب)، إلى "دمج جميع مبادرات" المنظمات القريبة من الحراك.
وبالنسبة لآيت حمادوش، فإن "هذه القوى الناشئة اليوم هي بذور الأحزاب والنقابات ومنظمات الغد. ومن الطبيعي والمفيد أن يسمح الحراك بميلاد طبقة سياسية جديدة".