الذكاء الاصطناعي، أو الآلات المفكرة، ليس أمراً جديداً أو حديثاً، بل إنه دخل مؤخراً في منافسة مع الذكاء البشري في جميع المجالات، وآخرها هو الاختراع أو الابتكار، وهذا يعني ببساطة أننا قد نستمع لقطعة موسيقية من تأليف الذكاء الاصطناعي، أو حتى نقرأ رواية لم يكتبها أديب بل "روبوت"، فما هي القصة؟
موقع بي بي سي باللغة الإسبانية نشر تقريراً بعنوان: "لماذا يُعدّ الإبداع ساحة المعركة الحاسمة بين الذكاء الاصطناعي والبشري؟"، ألقى الضوء على آخر ما وصلت إليه المنافسة بين الآلة والإنسان مع توقعات بما قد يحدث في المستقبل القريب.
رفض براءة اختراع، والسبب أن المخترع آلة
مؤخراً، رفض مكتب براءات الاختراع الأوروبي طلب تسجيل حاوية طعام. لم يكن ذلك لأن الاختراع ليس جديداً أو مفيداً، بل كان الرفض، لأنه صُنع بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وفقاً للقانون، يجب أن يكون المُخترعون أشخاصاً حقيقيين. لكن هذا ليس الاختراع الأول الذي يُبتكر بواسطة الذكاء الاصطناعي. هناك آلات أنتجت اختراعات في مجالات مختلفة، بدءاً من الأدوات العلمية والكتب، حتى المواد الجديدة والموسيقى، ومع ذلك، يُعدُّ الإبداع بكل تأكيد واحدة من أروع السمات البشرية.
بدون الإبداع، لن يكون هناك الشعر أو الإنترنت أو استكشاف الفضاء. لكن، هل سيتمكن الذكاء الاصطناعي يوماً ما من مجاراتنا أو التفوق علينا؟ دعونا نلقي نظرة على ما جرت دراسته في هذا الصدد.
كيف تُبدع الآلات؟
من ناحية نظرية، الإبداع والابتكار هما عمليتان متعلقتان بالبحث والدمج. نبدأ بجزء من المعرفة ونربطه بجزء آخر لابتكار شيء جديد ومفيد.
من حيث المبدأ، يعدُّ ذلك شيئاً يمكن للآلات أن تفعله. في الواقع، تُعدُّ الآلات مُتفوقة في التخزين والمُعالجة وإنشاء روابط بين البيانات.
تُنتج الآلات اختراعات مُستخدِمةً طرقاً توليدية. لكن، كيف يحدث ذلك بالضبط؟ هناك نُهُج مختلفة، لكن يُطلق على أحدث هذه التقنيات "شبكة الخصومة التوليدية".
فكّر، مثلاً، في آلة عليها أن ترسم صورة جديدة لأحد الأشخاص. تتولى شبكات الخصومة التوليدية هذه المهمة الإبداعية من خلال مهمتين فرعيتين.
الجزء الأول هو المولِّد (generator)، وهو الذي يُنتج صوراً جديدة بدءاً من توزيعٍ عشوئي للبكسلات. الجزء الثاني هو المُمَيِّز (discriminator)، الذي يُخبر المولّد مدى قربه من إنتاج صورةٍ تبدو حقيقية.
كيف يعلم المُميِّز ما يبدو عليه الإنسان الحقيقي؟ حسناً، يمكنك أن تزوِّده بالعديد من الأمثلة لصور الشخص الحقيقية قبل أن تبدأ في المهمة. اعتماداً على التغذية الراجعة (feedback) للمُميِّز، يُعزّز المولِّد خوارزميته ويقترح صورة جديدة. تستمر هذه العملية دون توقف حتى يقرر المُميِّز أن الصورة تبدو قريبة إلى حد كافٍ من أمثلة الصورة التي تعلّم منها. تبدو هذه الصور الناتجة قريبة إلى حدٍّ كبير من الأشخاص الحقيقيين.
لكن حتى إذا كان بإمكان الآلات ابتكار إبداعات باستخدام البيانات، لا يعني ذلك أن من شأنها سرقة مُطلق بريق الإبداع البشري في المستقبل القريب. يُعدُّ الابتكار عمليةً قائمةً على حل المشكلات (problem-solving process) تمتزج فيها المشكلات مع الحلول كي يحدث الابتكار. يمكن للبشر الذهاب في الاتجاهين، يبدأون بمشكلة ويحلونها، أو يأخذون حلاً ويحاولون إيجاد مشكلات جديدة له.
الملاحظات المُلصقة (sticky note) هي مثالٌ على النوع الثاني من الابتكار. طوَّر أحد المهندسين مُلصقة كانت ضعيفة جداً وكان جالساً على مكتبه. وأدرك أحد زملائه لاحقاً أن هذا هو بالضبط الحل الذي سيمنع الملاحظات التي أضافها إلى نوتته الموسيقية من السقوط خلال بروفات الجوقة الموسيقية.
باستخدام البيانات والترميز لصياغة مشاكل واضحة، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً تقديم حلول للمشاكل. ومع ذلك، يُعدُّ تحديد مشكلة ما أصعب بالنسبة للآلات؛ إذ لا يجري تضمينها عادةً في البيانات التي تستخدمها الآلات للابتكار.
وفضلاً عن ذلك، يعتمد الابتكار غالباً على احتياجاتٍ لا نعرف حتى أنها كانت لدينا. تخيّل جهاز التسجيل المحمول (ووكمان). حتى لو لم يُبدِ أي مستهلك رغبةً في الاستماع إلى الموسيقى أثناء المشي، حقق هذا الابتكار نجاحاً كبيراً. نظراً إلى صعوبة صياغة وتوضيح هذه الاحتياجات الكامنة، من غير المرجح أن تجد هذه الاحتياجات طريقها إلى مجموعة البيانات التي تحتاجها الآلات للابتكار.
التجارب أساس الإبداع، فمن أين للآلة أن تحصل عليها؟
كذلك يمتلك البشر والآلات مواد أولية مختلفة يستخدمونها كمُدخلات للابتكار. بينما يعتمد البشر على حياةٍ من التجارب الواسعة لتوليد الأفكار، فإن الآلات تفعل ذلك فقط باستخدام البيانات التي نزوِّدها بها. يمكن للماكينات توليد عددٍ لا يُحصى من ابتكارات متزايدة في شكل إصدارات جديدة بُناءً على البيانات المُدخلة.
رغم ذلك، من غير المحتمل أن تأتي الابتكارات العبقرية من الأجهزة؛ لأنها تعتمد غالباً على ربط اختصاصات بعيدة أو غير متصلة ببعضها البعض. مثال على ذلك التزلج على الثلوج، الذي يجمع بين ركوب الأمواج والتزحلق على الثلج.
بالإضافة إلى أن الابتكار لا يتعلق فقط باستحداث شيء جديد؛ بل كذلك بجدوى الاختراع. برغم أنه من الواضح أن الآلات قادرة على اختراع أشياء جديدة، لكن لا يعني هذا أن تلك الاختراعات مفيدة أو عملية.
المستخدم هو من سيحكم ما إذا كان شيئاً ما مفيداً أم لا، وهو حكم لن تتمكن الآلات من إصداره. في المقابل، يمكن للبشر التعاطف مع الآخرين وفهم احتياجاتهم بشكل أفضل.
في النهاية، قد لا تكون الأفكار الناتجة عن الذكاء الاصطناعي جذابة للمستهلكين، لا لشيء إلا لأنها أُنشئت بواسطة الآلات.
قد يستبعد الأشخاص أفكاراً؛ لأنهم يشعرون أنهم أقل أصالة، أو حتى لأنهم يعتبرونها تهديدية، أو ببساطة لأنهم يفضلون الأفكار التي ابتكرها بشر مثلهم، وهو تأثير لوحظ قبل ذلك في مجالات أخرى.
حتى الآن، لا تزال العديد من جوانب الابتكار ساحة لا منازع فيها للآلات والذكاء الاصطناعي.
ولكن رغم أن الآلات لا يمكن أن تحل محل البشر في ساحة الابتكار، فإنها تساعد في تكملة الإبداع البشري. يمكننا، على سبيل المثال، طرح أسئلة جديدة أو تحديد مشاكل جديدة لحلها بالاشتراك مع التعلم الآلي.
بالإضافة إلى ذلك، يعتمد تحليلنا على حقيقة أن الآلات تبتكر استناداً إلى مجموعة محدودة من البيانات. يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر إبداعاً إذا كان بإمكانه الجمع بين بيانات هائلة وغنية والتي أصبحت مُنفصلة بشكلٍ آخر.
يمكن كذلك للآلات أن تزيد من إبداعها عندما توسع ذكاءها وهذا يشبه ذكاء البشر ونطلق عليه "الثقافة العامة"، وقد لا يكون ذلك في المستقبل البعيد جداً؛ إذ يرى بعض الخبراء أن هناك فرصة بنسبة 50 ٪ لأن تصل الآلات إلى مستوى ذكاء البشر خلال 50 عاماً.