مع اقتراب الانتخابات العامة في إسرائيل تصبح تصريحات رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال بنيامين نتنياهو أقرب للحاوي الذي يخرج كل ما في جُعبته من حيل وألاعيب سعياً لإقناع الناخبين بأنه الخيار الأفضل لهم ولإسرائيل، والواضح أن ملف التطبيع مع العرب هو سلاحه الأمضى كما يعتقد.
ما جديد نتنياهو؟
اليوم الإثنين 17 فبراير/شباط نشر نتنياهو تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر كان لافتاً فيها استخدامه لضمير المتكلم، ناسباً لنفسه ملف التطبيع مع العرب: "أطوِّر علاقات مع دول عربية وإسلامية وعدد قليل جداً منها لا يقيم علاقات وطيدة معنا… المكشوف يشكل 10% فقط مما يحدث على الأرض. تحدث تغيرات كبيرة لأن إسرائيل هي قوة يجب أخذها بعين الاعتبار".
الغرض الأساسي للتغريدة كان احتفاء نتنياهو بتحليق طائرة تجارية إسرائيلية في الأجواء السودانية للمرة الأولى، كنتيجة مباشرة للقاء الذي تم بينه وبين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان الأسبوع الماضي في أوغندا، وهو اللقاء الذي تم تنظيمه بوساطة إماراتية ومصرية، والواضح أنه كان يفترض أن يظل سراً – ضمن "الـ90% مما يحدث على الأرض" – والدليل أنه لا توجد صورة رسمية للرجلين معاً وإلا كان نتنياهو نشرها.
ما قصة المحكمة الجنائية الدولية؟
أمس الأحد 16 فبراير/شباط قال نتنياهو لحكومته إن الدول استجابت لضغوط إسرائيل بشأن العمل على عدم فتح تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية، بخصوص ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وأضاف: "إننا نناضل ضد هذا (الإجراء) ويجب أن أقول إنه يقف بجانبنا أصدقاء كثيرون من شتى أنحاء العالم والذين انضموا إلى الولايات المتحدة في موقف ثابت إلى جانب إسرائيل".
ومن المهم هنا أن نذكر أن إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية ليستا عضواً في المحكمة الجنائية الدولية ولا تعترفان بولايتها على مواطنيهما، وبالتالي لا يوجد خطر حقيقي يتهدد إسرائيل أو مواطنيها، هذا بفرض أن القرارات الدولية التي تصدر بحق إسرائيل يتم تطبيقها بالفعل، والحقيقة المعلومة للجميع أن هذا غير صحيح.
لكن نتنياهو يقول أي شيء في هذه الأيام كي يصوِّر نفسه على أنه حامي إسرائيل ومواطنيها، والسبب معلوم وهو الانتخابات التي ستجرى في الثاني من مارس/آذار المقبل، وفي حال فشل نتنياهو مجدداً في الفوز بعدد كافٍ من مقاعد الكنيست يخول له تشكيل الحكومة، فإنه مهدد ليس فقط بخسارة مستقبله السياسي بل حريته الشخصية نفسها كونه متهماً جنائياً – الآن تشير إليه بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية اليسارية بوصف "المتهم" بعد أن تم توجيه اتهامات الفساد وتلقِّي الرشوة وخيانة الأمانة له بشكل رسمي.
وعود انتخابية بالجملة
بعد نجاح نتنياهو في إعادة الإسرائيلية نعمة يساكر، التي كانت تقضي عقوبة السجن بتهم تتعلق بالمخدرات، من روسيا، واصطحابها على متن طائرة رئاسة الوزراء في حدث نال تغطية إعلامية واسعة وكأنها كانت أسيرة حرب نجح في تحريرها، ألقى نتنياهو خطاباً أمام أنصاره من اليمين الإسرائيلي قدم فيه وعوداً كثيرة وكبيرة.
"لقد ربطنا جميع أنحاء البلاد بمركزها، وقريباً (سنفعل الشيء نفسه) مع يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية). وسوف نطبق السيادة الإسرائيلية على وادي الأردن وشمال البحر الميت فوراً دون تأخير. وسنُطبِّق القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات، جميعها بلا استثناء. وسنُبرِم اتفاقيات سلام تاريخية مع الدول العربية الأخرى. وسنُشكِّل تحالفاً دفاعياً تاريخياً مع الولايات المتحدة. وسنوقف إيران عند حدها إلى الأبد أخيراً".
لكن الأسبوع الماضي خرج للعلن التحذير الأمريكي لنتنياهو وحكومته من الإقدام على ضم مستوطنات في الضفة أو غور الأردن بشكل أحادي وهو ما أجبره على التراجع، فليس هذا وقت إغضاب ساكن البيت الأبيض بالطبع.
ما فرص نجاح تكتيكات نتنياهو هذا المرة؟
انتخابات مارس/آذار المقبل هي الثالثة في إسرائيل في غضون أقل من عام؛ كانت الانتخابات الأولى في إبريل/نيسان من العام الماضي، وحصل فيها حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو على 38 مقعداً، ولكنه فشل في الحصول على دعم عدد كافٍ من الأحزاب اليمينية الأخرى ليصل إلى 61 مقعداً وهو العدد الأدنى المطلوب ليتمكن من تشكيل الحكومة.
وبعد فشل الأحزاب الإسرائيلية – أبرزها الليكود وأزرق-أبيض بزعامة بيني غانتس – في تشكيل الحكومة، تمت الدعوة مرة أخرى لانتخابات عامة جديدة أقيمت في سبتمبر/أيلول الماضي، وفيها حصل ليكود نتنياهو على 33 مقعداً فقط مقابل 34 لأزرق-أبيض، وهذه المرة فشلوا أيضاً في تشكيل حكومة، فتمت الدعوة لانتخابات ثالثة ستجرى في 2 مارس/آذار، في سابقة تاريخية ليس فقط في إسرائيل، ولكن في العالم على الأرجح.
التكتيكات الانتخابية التي يتبعها نتنياهو هذه المرة ليست جديدة في واقع الأمر، فقد بدأ تباهى نتنياهو بملف التطبيع مع العرب قبل انتخابات أبريل/نيسان وكررها أيضاً بوتيرة أسرع في الانتخابات الثانية وها هو يعيد الكرة قبل الانتخابات الثالثة، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل لا تبدو مبشِّرة بالنسبة للرجل الذي يحمل الرقم القياسي في تولِّي منصب رئيس وزراء إسرائيل على الإطلاق.
استطلاعات الرأي تشير إلى استمرار الانقسام بين الناخبين الإسرائيليين، مع توقعات بحصول كتلة الليكود على عدد مقاعد أقل بمقعدين عن المرة الأخيرة، أي 31، مقابل نحو 35 لحزب أزرق – أبيض، وهو ما قد يعني أيضاً العودة لصناديق الاقتراع للمرة الرابعة.