يحتاج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تحقيق أحد أهم وعوده الانتخابية وهو إعادة القوات الأمريكية من مناطق الحروب التي لا تنتهي، وبعد فشله في الشرق الأوسط، يبدو أن التركيز الآن على أفغانستان، لكن كيف سيكون شكل ذلك الانسحاب وانعكاساته على الأرض في الداخل الأفغاني والمنطقة؟
شبكة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" نشرت تقريراً بعنوان: "محادثات الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان: هل هي مقدمة لصفقة أفغانستان الشاملة؟"، ألقى الضوء على كواليس الاتفاق الذي تسعى إدارة ترامب لإبرامه مع طالبان في أسرع وقت ممكن.
هل تقترب حرب أمريكا الأطول من نهايتها فعلاً؟
تشير كل الدلائل النابعة من المؤتمر الأمني السنوي في ميونيخ إلى أن الولايات المتحدة وحركة طالبان على مسافة أيام من إعلان صفقة قد تمهد الطريق أمام محادثات السلام بين الأطراف الأفغانية نفسها وانسحاب القوات الأمريكية من البلاد.
ربما توشك الحرب الأطول على الإطلاق في تاريخ واشنطن على الانتهاء، وقد يتمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في غمار معركة حاسمة لإعادة انتخابه، من الوفاء بوعده بإعادة القوات الأمريكية إلى أرض الوطن.
وصحيح أن المخاطر أمام حكومة ترامب والولايات المتحدة كبيرة، لكن يمكن القول إن المخاطر بالنسبة لأفغانستان أكبر، ومع وضعية المستقبل السياسي للبلاد على المحك، ما نظام الحكم الذي سينتصر في النهاية؟ لكن قبل أن نصل إلى أي حل نهائي، هناك بالفعل عديد من الأسئلة المطروحة.
في الواقع، وبصفة رئيسية، ما الذي يجري الحديث عنه بالفعل هنا؟ هل ما يحدث هو صفقة سلام شاملة لأفغانستان؟ أم أنها مجرد اتفاق يسمح للقوات الأمريكية بإيجاد مخرج من أفغانستان؟
صفقة شاملة أم مجرد اتفاق يسمح بالانسحاب؟
ربما يكون الأمْرين. لكن بالمثل قد يكون الاحتمال الثاني وليس الأول. حتى الآن ما تزال تفاصيل ما اتُّخِذَ من قرارات، محدودة. لكن يبدو أن الاتفاق قريب للغاية. يُذكر أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبو، كان قد التقى الرئيس الأفغاني أشرف غني على هامش مؤتمر ميونيخ.
في وقت لاحق، شرع مسؤول أمريكي كبير في تنفيذ جزء من الصفقة، إذ من المقرر أن تدخل اتفاقية الهدنة التي تستمر سبعة أيام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في أفغانستان حيز التنفيذ قريباً، وقد تؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
وقال المسؤول إن الاتفاق المبدئي بشأن الحد من العنف قد يُتبَع بمحادثات سلام أفغانية شاملة خلال 10 أيام، تغطي البلاد بأكملها.
بالطبع يعد ذلك مناورةً افتتاحية طموحة، إذ يبدو أن المحادثات كانت مفصلة للغاية، وقد تناولت العنف ضد كل من القوات الأمريكية والأفغانية، ويقول المسؤولون الأمريكيون إن السمات المُحدِّدة لما يُعرِّف العنف مسجلة وموثقة في الاتفاق.
ماذا يمكن أن يصبح أسوأ؟
علاوة على ذلك، من المقرر أن تكون هناك قناة اتصال بين الولايات المتحدة وطالبان؛ وفي ذلك قبولٌ لاحتمالية أن يتصاعد العنف من مصادر أخرى، ومن ثم تظهر الحاجة إلى توضيح ملابسات كل حادث، ومما لا شك فيه أن هناك أحكاماً للرصد والتحقق في الأنحاء كافة.
يقال إن طالبان وافقت على المدى الطويل على ألا تستضيف أو تدرِّب إرهابيين دوليين أو تجمع تبرعات لهم في المناطق التي يسيطرون عليها، ومن المقرر أن تبدأ المحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية بمناقشة وقف إطلاق النار "الدائم والشامل". يسير كل شيء على ما يرام حتى الآن، لكن هناك تلميحات بالفعل بشأن ما قد يسوء أمره.
ما يزال من غير الواضح بشكلٍ كامل، ماهية الجهة التي تجري الولايات المتحدة محادثاتها معها، وإلى أي مدى تمثل أو تنوب عن جميع عناصر حركة طالبان، وبرغم كل هذا، ما تزال هناك جماعات مسلحة أخرى من كل الأنواع في أفغانستان تتوق إلى إثارة المتاعب.
فهل من الممكن عزل أي عملية سلام جارية عنهم؟
ما يزال موقف باكستان من كل ما يحدث ملتبساً، ومن غير الواضح أي جانب تدعمه أو حتى المدى الذي سيصبح الإطار الإقليمي الأوسع لأي تسوية تُنفَذ. الأمر الوحيد الذي لا نعرفه بعد هو السرعة أو التسلسل الدقيقان لأي انسحاب تقوم به القوات الأمريكية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تظل هناك أي قوات أمريكية متبقية في أفغانستان؟ يبدو أن المسؤولين الأمريكيين يأملون ألا تكون قوة من هذا القبيل مطلوبة.
لكن ربما يكون السؤال الأكبر الذي لا يزال قائماً هو: هل يمكن الوثوق بحركة طالبان في تنفيذ أي صفقة؟ وهل ستحترم طالبان أي اتفاق سلام أوسع داخل أفغانستان نفسها ما إن تجد الولايات المتحدة طريقها لإبرام الصفقة؟ وما العقوبات الأمريكية المفروضة إن لم يحترموا الصفقة؟
لكننا بذلك نسبق الأحداث بشكل كبير. فما يأمله الأمريكيون بوضوح هو إشارة سريعة ومُبكِّرة إلى أن طالبان جادةٌ في عزمها على إبرام الصفقة.
تجدر الإشارة إلى أن أسبوع وقف العنف هو الطريق الممهد لإتمام العملية بأكملها. في حين يخشى العديد من المحللين الأمريكيين أن يعجّل الرئيس ترامب بخروج القوات الأمريكية من البلاد، لأسباب سياسية خاصة به.
لا شك في أن قليلاً من الأمريكيين سيأسفون من أن حملة "الحروب الأبدية" طويلة الأمد قد تنتهي حقاً بعد طول انتظار. ولكن لا ينبغي للمرء أن يكون متفائلاً حيال ما قد يحدث عما قليل.
ففي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، أثار خبير الدفاع الأمريكي المخضرم توني كوردسمان المخاوف من أن "السلام" الذي يبحث عنه الرئيس ترامب قد يكون عملية "فتنمة" للانسحاب الأمريكي، أي تصدير الحرب لأفغانستان نفسها مثلما حدث خلال الانسحاب الأمريكي من فيتنام.
وأشار إلى أن هناك عديداً من الإشارات المنذرة بذلك، و "أن جهود السلام تلك ربما تكون في الواقع محاولة لتوفير النوع نفسه من الغطاء السياسي للانسحاب الأمريكي، على غرار التسوية السلمية التي تفاوضت عليها الولايات المتحدة في فيتنام".