صدور القرار الأممي بضرورة تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا بتأييد 14 عضواً في مجلس الأمن وامتناع روسيا -التي تملك حق الفيتو- يشير إلى تغيُّر واضح في الموقف الدولي تجاه قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، فما كواليس هذا التغيير، وما سر التحول الحاد في الموقف الأمريكي تحديداً؟
ماذا حدث؟
أمس الأربعاء 12 فبراير/شباط، وافق مجلس الأمن الدولي على أول قرار له بشأن ليبيا منذ اندلاع الحرب على طرابلس، معبراً عن "قلقه البالغ بشأن استغلال الإرهابيين والجماعات المسلحة للصراع"، وطالب بأن تلتزم الأطراف بوقف دائم لإطلاق النار وفقاً للشروط التي وافقت عليها اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، وعبر المجلس عن قلقه من تنامي تورط المرتزقة في الصراع بليبيا.
القرار جاء برعاية بريطانيا وألمانيا، وكان يفترض أن يتم التصويت عليه الأربعاء 5 فبراير/شباط، لكن تأخر التصويت بسبب اعتراضات روسيا -وهي عضو دائم في مجلس الأمن يمتلك حق الفيتو- وكانت موسكو معترضة على الإشارة "للمرتزقة"، وتريد استبدالها بـ "الإرهابيين"، وهو ما لم يحدث، فامتنعت روسيا عن التصويت وصدر القرار.
ماذا يعني ذلك؟
القرار هو الأول من نوعه بشأن الحرب في ليبيا منذ شن خليفه حفتر هجومه المفاجئ على العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، وكان ذلك مطلع أبريل/نيسان الماضي، وفشلت محاولات إصدار قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار، كانت تسعى إليه بعض الدول منذ بداية الهجوم، وذلك بسبب الدعم الذي كان يحظى به حفتر -المدعوم من مصر والإمارات وفرنسا- من الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، الذي كان قد أجرى اتصالاً هاتفياً مفاجئاً مع حفتر، في دلالة قاطعة على تأييد واشنطن للواء المنشق على الحكومة الشرعية في العاصمة.
في هذا السياق يأتي قرار مجلس الأمن كإشارة مباشرة على تغير الموقف الدولي بشكل عام تجاه حفتر، بعد أن بات واضحاً أن داعميه -مصر والإمارات تحديداً- قد بالغوا في تصوير قوته العسكرية، وبعد أن اتضح أن المبررات التي روّجوا لها، وتحديداً محاربة الإرهاب، ليست حقائق بقدر ما هي انعكاسات للتوجهات السياسية لقيادة مصر والإمارات، التي تشترك في معاداة تيار الإسلام السياسي.
تقرير أمريكي يدين حفتر
وفي سياق مزاعم محاربة حفتر للإرهاب، كشف تقرير سري للبنتاغون، تم تسريب أجزاء منه اليوم الخميس 13 فبراير/شباط، عن معلومات خطيرة ربما ينتج عنها تدخل أمريكي مباشر ضد حفتر، وليس فقط تغيراً في الموقف السياسي.
التقرير الذي قدّمه المفتش العام للبنتاغون، الثلاثاء 11 فبراير/شباط، بشأن أنشطة مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة في شرق وشمال وغرب إفريقيا عن الفترة من 31 أكتوبر/تشرين الأول وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي (الربع الأخير من العام المنصرم)، كشف النقاب عن زيادة أعداد المرتزقة الروس التابعين لشركة فاغنر للأمن أكثر من سبعة أضعاف في تلك الفترة، بحسب موقع ميدل إيست مونيتور الأمريكي.
بحسب التقرير، كان عدد مرتزقة فاغنر لا يتخطى 200 فقط بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، ليصل العدد إلى ما بين 800 و1400 بنهاية العام، كما أشار التقرير إلى أن الوجود الروسي في ليبيا يمثل عقبة للقوات الأمريكية التي تحارب الإرهاب في شمال وشرق وغرب أفريقيا، حيث تم إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار بواسطة أنظمة دفاع روسية ومرتزقة روس يحاربون مع قوات حفتر، وذلك يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
هذه الإشارات وردت في الجزء السري من تقرير البنتاغون، الذي تم تسريب فقرات منه بواسطة قناة الحرة الأمريكية، وفيه أيضاً إشارات للتعاون المحدود بين واشنطن وحكومة الوفاق في مجال مكافحة الإرهاب.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لروسيا؟
هذا التقرير ربما يفسر اللهجة المتشددة من الجانب الأمريكي تجاه روسيا تحديداً أثناء مناقشة القرار في مجلس الأمن وبعد صدور القرار، كما قد يفسر أيضاً سبب استعمال موسكو لحق النقض (الفيتو) لعرقلة صدور القرار واكتفائها بالامتناع عن التصويت، فعلى أي حال رفضت روسيا الأسبوع الماضي القرار وطلبت تعديلات فيه، لكن القرار صدر بنفس صيغته دون تعديل.
الموقف الروسي يمكن أن يكون أيضاً إشارة على بدء تحول في موقف موسكو تجاه حفتر، بعد أن بات واضحاً أن الرجل يقدم كثيراً من الوعود دون أن ينفذ أي منها، والمقصود هنا المرات الكثيرة التي أعلن فيها عن "ساعة صفر" و "لحظة الحسم" -لدخول طرابلس- دون أن يتحقق شيء فعلياً على مدى ما يقرب من عشرة أشهر.
وفي هذا السياق، كان المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف قد نشر مقالاً في موقع روسيا اليوم، منتصف يناير/كانون الثاني الماضي -بعد فشل وساطة موسكو في إقناع حفتر بتوقيع اتفاق وقف إطلاق نار وافق عليه رئيس حكومة الوفاق فايز السراج المدعوم من تركيا- بدا منه ثقة موسكو المطلقة في قدرة حفتر على حسم المعركة عسكرياً، بل وساق نازاروف حججاً متعددة تدفع واشنطن لدعم حفتر.
"ربما كانت الحجة القوية الثانية التي يمكن أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية لدعم حفتر هي الرغبة في "عدم ارتماء المنتصر في حضن روسيا"، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تتحمل سوريا ثانية".
حفتر يتحدى الأمم المتحدة
لا يمكن أيضاً استبعاد التصرفات الاستفزازية التي يقدم عليها حفتر مؤخراً -بعد فشله في اقتحام طرابلس عسكرياً- كأحد أسباب التحول في الموقف الدولي تجاه الصراع في ليبيا، فبعد أن أقدمت ميليشياته على وقف تصدير النفط الليبي، قرر أمس الأربعاء منع منسوبي الأمم المتحدة من دخول طرابلس عبر مطار معيتيقة الدولي.
فقد قال متحدث باسم قوات شرق ليبيا بقيادة حفتر إنهم لن يسمحوا للأمم المتحدة باستخدام المطار الوحيد العامل في العاصمة طرابلس التي يسعى للسيطرة عليها، وذلك بعد أن ذكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في وقت سابق أمس الأربعاء، أن قوات حفتر تعرقل المساعي الإنسانية وجهود الوساطة.
ويتمتع حفتر بالتفوق الجوي في ليبيا، بفضل الطائرات المسيرة القتالية، التي تقدمها الإمارات، والتي تغطي ليبيا بأكملها عن طريق قمر صناعي، حسبما أفاد تقرير للأمم المتحدة، في نوفمبر/تشرين الثاني.
وذكر المتحدث أحمد المسماري للصحفيين في مدينة بنغازي شرقي البلاد، أنه سيتعين على الأمم المتحدة استخدام مطارات أخرى مثل مصراتة، لأنه لا يمكن لقواته ضمان سلامة الرحلات إلى مطار معيتيقة "نظراً لأن تركيا تستخدمه كقاعدة".
وفي بيان لها، قالت البعثة: "تأسف الأمم المتحدة في ليبيا لعدم حصول رحلاتها الجوية الدورية التي تنقل موظفيها من وإلى ليبيا على إذن من الجيش الوطني الليبي للهبوط في ليبيا".
وقال مصدر يعمل في مجال المساعدات الإنسانية إن حفتر يفرض "حظر طيران" في طرابلس، وهناك مخاوف من أن تصبح رحلات الأمم المتحدة هدفاً محتملاً، ويتوسط غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا بين حفتر وحكومة طرابلس.
ونددت بعثة الأمم المتحدة بضربات جوية أُلقي بالمسؤولية فيها على قوات حفتر، لكن دون ذكر القوات بالاسم في أغلب الأحيان.
وساءت العلاقات عندما قالت الأمم المتحدة في تقرير الشهر الماضي إن بنغازي، المعقل الرئيسي لحفتر، تحولت إلى مركز للأنشطة الاقتصادية غير المشروعة، مثل تجارة المخدرات والسلاح. كما انتقدت الأمم المتحدة أيضاً أنشطة الجماعات المسلحة في غربي ليبيا.