الدبلوماسية الناعمة.. كيف طوَّرت إسرائيل وجودها في الصين، وما دور الجالية اليهودية هناك في ذلك؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/02/12 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/13 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
نتنياهو خلال زيارته لأحد المنشآت التكنولوجي في بكّين، 2013/ Government Press Office

انتعشت العلاقات الاقتصادية بين الصين وإسرائيل بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، وإضافة إلى الروابط التجارية، يعمل اللوبي الإسرائيلي أيضاً لزيادة التفاعل السياسي والثقافي بين البلدين. فكيف بدأت هذه العلاقة، وكيف تطورت منذ قيام إسرائيل على أنقاض فلسطين المحتلة عام 1948، وما هو دور الجالية اليهودية في الصين بتطوير العلاقات بين الطرفين حتى وصلت إلى هذه المتانة اليوم؟

تأثير إسرائيلي متزايد في الصين

يقول سليم هان ينياكو، وهو باحث تركي بجامعة شنغهاي الصينية، إن التأثير الاجتماعي والثقافي المتزايد لإسرائيل في الصين بدأ مع تطور العلاقات التجارية، فمع دخول مؤسسات ذات أصول إسرائيلية الصين، قطعت تل أبيب الخطوة الأولى نحو علاقة سياسية أكثر حميمة مع بكين.

ويضيف ينياكو للأناضول، إن إسرائيل باتت تمتلك قدرة على إظهار نفسها كعامل جذب للصين، وذلك بالاستفادة من الصفات التي تجعلها "أمة ناشئة" في العديد من المجالات؛ إذ تتمتع إسرائيل بمكانة عالية في السوق الصينية بفضل التكنولوجيا العالية والخدمات ذات القيمة المضافة.

عززت حكومة نتنياهو الانفتاح على الصين في شتى المجالات/ Getty
عززت حكومة نتنياهو الانفتاح على الصين في شتى المجالات/ Getty

تعزز هذا التوجه الاقتصادي والتجاري عام 2013 وانعكس بقرارات حكومة بنيامين نتنياهو واللجنة الوزارية بتنسيق التعاون الاقتصادي مع الصين، في خطة تتضمن ثلاثة بنود رئيسية هي: مضاعفة حجم صادرات السلع والخدمات إلى الصين في غضون خمس سنوات، وزيادة عدد الزوار الصينيين (بما في ذلك السياح ورجال الأعمال والأكاديميون) الذين يأتون إلى إسرائيل، وتوسيع الاستثمارات المتبادلة، وساهمت هذه البنود في تشكيل سياسات الحكومة الإسرائيلية لاحقاً.

دور الجالية اليهودية في تطوير العلاقة

يمكن بدء تتبّع تاريخ الديانة اليهودية في الصين، مع استقرار أتباعها فيها في القرن الثامن، ورغم أنهم كانوا مجموعة منغلقة في بداية هجرتهم، فإنه جرى استيعابهم في المجتمع الصيني، خصوصاً أن أعدادهم أقلّ بكثير بالمقارنة مع العديد من المجموعات العرقية والدينية الأخرى في البلاد.

بحسب الباحث ينياكو، أصبح اليهود أكثر ظهوراً في الحياة الاجتماعية اليومية في الصين بفضل تجارهم الذين جاؤوا إلى موانئ "هونغ كونغ، وشنغهاي، وخاربين" عبر خط السكك الحديدية المار بـ "سيبيريا" بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر.

هاجر الكثير من اليهود الصينيين إلى إسرائيل بعد نشأتها عام 1948/ Fr24
هاجر الكثير من اليهود الصينيين إلى إسرائيل بعد نشأتها عام 1948/ Fr24

وازداد عدد اليهود في الصين مع بداية القرن العشرين، عندما كانت الصين ملاذاً آمناً لهم، فنزح إليها العديد من اليهود الفارين من المذابح الروسية والثورة البلشفية.

وخلال تلك الفترة، كان الدكتور صن يات – سين، الزعيم المؤسس لجمهورية الصين، يتعاطف مع الصهيونية السياسية، بسبب علاقاته الوثيقة مع المبشّرين البروتستانت الأمريكيين في تلك الفترة وتأثير الصهيونية المسيحية.

وبالتزامن مع مسار العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والصين، ساعدت الجالية اليهودية الصينية في تطوير العلاقات الشاملة بين البلدين. ويتركز السكان اليهود بشكل رئيسي في بكين وشنغهاي، وقد زاد اعتراف الصين الدبلوماسي بإسرائيل عام 1992 مرة أخرى من نفوذ الشتات اليهودي.

وعلى الرغم من أن عدد اليهود الذين يعيشون في الصين اليوم لا يزيد عن 2500، فإن لديهم تأثيراً مباشراً على العلاقات الإسرائيلية الصينية، كما يقول الباحث ينياكو.

التضامن الفكري الصيني مع الصهيونية

من ناحية أخرى، يمكن تفسير هذه العلاقة على أنها محاولة من "صن يات سين" للبحث عن تحالف سياسي، لكسر الضغط الاستعماري في الصين وسعياً إلى الاستقلال الكامل. وكانت كلماته عن الصهيونية السياسية مرجعاً هاماً للنهج الصيني تجاه القومية اليهودية في الربع الأول من القرن العشرين.

وقال حينئذ، إنه "رغم اختفاء وطنهم، كان الشعب اليهودي موجوداً حتى اليوم، لذا فإن الصهيونية واحدة من أهم الحركات الاجتماعية في الوقت الحاضر، ورغم أنه ليس بإمكان كل محبّي الديمقراطية تقديم المساعدة لها، فإن عليهم أن يتعاطفوا بشكل صادق معها".

زاد عدد اليهود في الصين بشكل متقطع منذ بداية وحتى منتصف القرن العشرين، فبعد الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، استقر 18 ألف يهودي أوروبي في الصين، مستفيدين من رفع شنغهاي كل القيود على الهجرة.

عائلة يهودية صينية في بكين أرشيفية/ Jerusalem Post
عائلة يهودية صينية في بكين أرشيفية/ Jerusalem Post

كما وصل عدد اليهود الذي هاجروا إلى الصين خلال الفترة من 1845 إلى عام 1950 إلى حوالي 40 ألفاً، غير أن هذا الوضع الذي يتزايد فيه عدد السكان اليهود أصبح معكوساً بعد الخمسينيات.

إذ أدت نهاية الحرب العالمية الثانية، وتأسيس "دولة إسرائيل" 1948 وجمهورية الصين الشعبية 1949 إلى هجرة يهودية عكسية من الصين إلى إسرائيل، والتي استمرت في النمو تدريجياً.

ماذا عن التأثير الثقافي الإسرائيلي؟

من الصعب القول إن أنشطة المناصرة التي تقوم بها إسرائيل في الصين ومجال الدبلوماسية الثقافية والأكاديمية ليست سوى نشاط دعائي من جانب واحد، وتتحمس الصين لتحسين علاقاتها مع إسرائيل بدافع مصالحها الوطنية.

إذ تنظر الصين نظرة "إيجابية" لأنشطة المناصرة الدعائية لإسرائيل، في مقابل رغبة الأخيرة في أن تستخدم الصين تكنولوجياتها اقتصادياً وعسكرياً، فضلاً عن أن إسرائيل أصبحت "نجماً ساطعاً" في سياسة الصين في الشرق الأوسط.

ونوَّعت الصين، التي أقامت علاقات جيدة مع الدول العربية وإيران لسنوات عديدة، سياساتها في الشرق الأوسط من خلال جعل إسرائيل محطة هامة لمشروع طريق الحرير البحري.

أدى هذا المستوى العالي من العلاقات المشتركة إلى إقامة شراكات ثقافية وأكاديمية، فزادت إسرائيل من استثماراتها في الصين من خلال الاستفادة من هذا الجو المرحب. وتحقق الأنشطة التعليمية والثقافية لإسرائيل العديد من المكاسب في الصين. فهي من ناحية، تزيد من فاعلية إسرائيل في الصين، وتحشد من ناحية أخرى المبادرات الثقافية المستقلة لمواطنيها في الشتات.

التبادل العلمي والتعليمي

وقد أثّرت التطورات فى مجالات مثل برامج تبادل الطلاب، وبرامج التعليم الدراسي، والأنشطة السياحية بشكل إيجابي على التعاون بين البلدين. فبعد أن خطت إسرائيل العديد من الخطوات في مجال التعليم في الصين، شجعت على فتح العديد من البرامج الأكاديمية الجامعية لتقديم نفسها.

وافتتحت تل أبيب أقساماً ومراكز للدراسات الإسرائيلية واليهودية والعبرية في مؤسسات أكاديمية مرموقة في الصين، مثل جامعة نانجينغ وجامعة هنان وجامعة شاندونغ.

علاوة على ذلك، هناك 100 زمالة دراسية في مرحلة ما بعد الدكتوراه سنوياً تقدمها إسرائيل في مؤسساتها التعليمية و350 منحة دراسية للطلاب الصينيين والهنود. ووفقاً لإحصائيات عام 2017، كان هناك 1000 طالب صيني يدرسون في إسرائيل ضمن برنامج التبادل الطلابي.

من ناحية أخرى، تقوم المؤسسات التعليمية الإسرائيلية بتوسيع فروعها في الصين، فقد أنشأت جامعة تل أبيب عام 2014 مركزاً مبتكراً للبحث والتعليم مع جامعة تسينغهوا.

سياح صينيون في القدس المحتلة، 2013/ ويكيميديا
سياح صينيون في القدس المحتلة، 2013/ ويكيميديا

وفي عام 2015، أصبحت جامعة تكنيون ـ إحدى الجامعات الرائدة في مجال الهندسة في إسرائيل والعالم ـ المؤسسة الثانية على مستوى التعليم المستقل في الصين من خلال إنشائها معهد قوانغدونغ تكنيون الإسرائيلي للتكنولوجيا.

أما في عام 2016، افتتحت جامعة بن غوريون مركزاً مشتركاً لريادة الأعمال والابتكار مع جامعة جيلين، في حين قامت جامعة حيفا ببناء مختبر مشترك في مجالات البيئة والبيانات الضخمة والطب الحيوي والبيولوجيا العصبية في جامعة شرق الصين.

السياحة والاقتصاد والامتيازات الصينية الكبرى

بالإضافة إلى الأنشطة التعليمية، تزيد السياحة عاملاً آخر من الجاذبية الثقافية لإسرائيل. وبلغ عدد السياح الصينيين إلى إسرائيل حوالي 123 ألفاً عام 2017، وهناك أيضاً رحلات مباشرة من تل أبيب إلى بكين وشنغهاي وقوانغتشو وشنتزين وتشنغدو عبر شركات طيران مختلفة.

وإجمالاً فإن العلاقات الاقتصادية تؤدي إلى توطيد العلاقات الثقافية، حيث عمل السكان اليهود في الصين، الذين تواجدوا فيها منذ عدة قرون، على إبراز الثقافة اليهودية. ورغم أن الشراكة الاقتصادية والسياسية بين إسرائيل والصين أثارت ردود فعل واسعة من الولايات المتحدة، فإن البلدين يواصلان استثماراتهما وتعزيز علاقاتهما، وخصوصاً زيادة مساحة الاستثمار الصيني في إسرائيل.

إذ منحت إسرائيل، على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة امتيازين كبيرين لشركات صينيّة في أكبر موانئ شاطئ البحر الأبيض المتوسّط – حيفا وأسدود. وهو ما يعزز الوجود الصيني المتصاعد في شرقي البحر الأبيض التوسط -مصر، اليونان وتركيا- مما يُسهم بتقوية التجارة بين الصين وأوروبا.

كما اشترت الشركة الصينية MRC، العام الماضي، شركة الكهرباء الإسرائيلية "ألون تافور" للطاقة، بعدما فازت في مناقصة نافست فيها ست شركات أخرى، وفي حين عُرضت الشركة للبيع بمبلغ 800 مليون شيكل دفعت الشركة الصينية 1.9 مليار شيكل، وبذلك استحوذت شركة صينية لأول مرة على شركة كهرباء إسرائيلية، ومن المتوقع أن يدفع الجمهور الإسرائيلي فاتورة كهرباء أقل للشركة الصينية.

تحميل المزيد