ما زال القلق العالمي قائماً بشأن الردود الانتقامية غير المباشرة لإيران بعد مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني، التي تتضمن تعطيل الملاحة بمضيق هرمز، الذي يمر من خلاله ثلث إنتاج النفط العالمي إلى جانب احتمالية استهداف الناقلات المارة بالمضيق.
قال محللون ومختصون في قطاع النفط لـ "الأناضول" إن اشتعال الصراع بالمنطقة سيكون له تأثير سلبي على العالم ككل، إذ يدفع بأسعار النفط لمستويات قياسية تتجاوز 100 دولار للبرميل، ولكن إيجاد بدائل للحفاظ على سلامة إمدادات النفط الخليجي قد يقلل التأثيرات المتوقعة.
وتصاعدت الأحداث منذ الجمعة 3 يناير/كانون الثاني الجاري عقب اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وهدأت حدة التوترات بعد إعلان الحرس الثوري الإيراني، الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني الجاري، استهدافه قاعدتين أمريكيتين بالعراق بعشرات الصواريخ الباليستية، والاكتفاء بذلك رداً على مقتل سليماني، فيما ستكتفي الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة وعدم الرد عسكرياً في ظل عدم وقوع قتلى أمريكيين.
القصة لم تنتهِ عند هذا الحد
يرى المحللون أن تهدئة التصريحات التصعيدية بين إيران والولايات المتحدة لا تعني بالضرورة انتهاء الرد الانتقامي لطهران، وستلجأ إلى الرد بشكل غير مباشر عبر تعطيل حركة مضيق هرمز، أو استهداف ناقلات أو المنشآت النفطية بالاستعانة بوكلائها في المنطقة كالحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان.
ويشغل مضيق هرمز، الواقع بين سلطنة عُمان وإيران، ويربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب، أهمية استراتيجية في صناعة الطاقة بالعالم.
ومراراً هددت إيران بتعطيل شحنات النفط عبر مضيق هرمز، ما يحدث تداعيات صادمة للهند والصين وعشرات البلدان الأخرى التي تستورد النفط الخام في الشرق الأوسط بكميات كبيرة.
وبلغ معدل التدفق اليومي للنفط في المضيق 21 مليون برميل يومياً في 2018، ما يعادل حوالي 21% من استهلاك السوائل البترولية على مستوى العالم، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ما يجعله أكبر ممر مائي في العالم.
وقدرت الطاقة الأمريكية أن 76% من النفط الخام والمكثفات التي مرّت عبر المضيق، ذهبت إلى الأسواق الآسيوية في 2018.
تعليق المرور
أوردت صحيفة وول ستريت جورنال، الأسبوع الماضي، أن الشركة الوطنية للنقل البحري الجهة المشغلة لناقلات النفط السعودية، علقت مرورها عبر مضيق هرمز، حتى إشعار آخر، في قرار قد تتبعه قرارات مشابهة من دول الجوار.
وتُعَد "البحري" المملوكة للحكومة بنسبة 43% أكبر شركة مالكة ومشغلة لناقلات النفط العملاقة في العالم، إذ وصل حجم أسطول شركة البحري إلى 90 سفينة، بما فيها 43 ناقلة نفط عملاقة، و36 ناقلة كيماويات ومنتجات بترولية، و6 ناقلات متعددة الاستخدامات، وكذلك 5 ناقلات للبضائع السائبة.
والسعودية ثالث أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمتوسط 10 ملايين برميل يومياً، وأكبر مصدّر له بمتوسط يومي 6.9 مليون برميل يومياً.
أكبر تهديد
قال جون لوكا، محلل الأسواق العالمية ومدير التطوير بشركة "ثانك ماركتس"، إن أكبر تهديد يواجه اقتصادات دول المنطقة وأسواق النفط، إغلاق إيران مضيق هرمز سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها، فضلاً عن إمكانية تكرار الهجمات على منشآت إنتاج النفط الخليجية.
وأضاف لوكا للأناضول أن أفضل البدائل في الوقت الراهن يتمثل في تعزيز قدرات أنابيب نقل النفط الحالية، والتي تجنب المرور بالمضيق سواء الموجودة بالسعودية أو الإمارات، والعمل على إدخال باقي دول المنطقة بشبكة أنابيب كبرى.
وتابع: "يمكن مد خطوط أنابيب لنقل النفط تمر من الكويت والسعودية والإمارات وقطر إلى سلطنة عُمان، قبالة بحر العرب".
ويوجد فقط لدى السعودية والإمارات خطوط أنابيب يمكنها شحن النفط الخام خارج الخليج، وبلغ إجمالي طاقة أنابيب النفط الخام المتاحة من البلدين مجتمعين 6.5 مليون برميل يومياً نهاية 2018.
بدائل مكلفة
قال المحلل الكويتي لأسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم إن البدائل المطروحة لنقل النفط بعيداً عن مضيق هرمز غير كافية، وستكون مكلفة ولن تستوعب حجم الصادرات الضخمة لدول المنطقة.
وأضاف كرم للأناضول أن المضيق يوفر ميزات سرعة النقل وتكلفة أقل، إذ يمر من خلاله 80% من النفط السعودي، والعراقي، والإماراتي، والكويتي إلى دول آسيا.
وأوضح أن ورقة الضغط الرابحة لإيران هي إغلاق المضيق هرمز، الذي حال وقوعه ربما سنرى ارتفاعات قياسية وتصل الأسعار لمستويات 100 دولار للبرميل.
خطر مستمر
ترى مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البريطانية أنه على الرغم من تراجع المخاوف بشأن نشوب صراع بين الولايات المتحدة وإيران إلا أن الخطر لم يختفِ، ودول المنطقة عرضة لأي انتقام من طهران.
وقالت شركة الأبحاث في تقرير حديث إن الهجمات على المنشآت النفطية أو محاولة إغلاق مضيق هرمز يمثل أكبر تهديد لاقتصادات الخليج، إضافة إلى محاولات إيران لزعزعة الاستقرار في لبنان قد تجل الوضع الاقتصادي للبنان أسوأ.
وأشار التقرير إلى أن الكويت وقطر ليس لهما طريق آخر صالح لصادرات النفط، على عكس السعودية والإمارات اللتين تملكان خطوط أنابيب ستمكّنهما من تجاوز المضيق ونقل 60% من صادراتهما النفطية.
وقدرت المؤسسة البريطانية ارتفاع أسعار خام برنت لتصل لمستويات قياسية عند 150 دولاراً للبرميل، في سيناريو اشتعال الصراع وقيام إيران بوقف الملاحة بالمضيق.
وأفاد التقرير بأن هجوماً آخر للحوثيين في اليمن والموالين لإيران قد يتسبب في أضرار جسيمة، وليس هناك ما يضمن أن شركة أرامكو يمكنها استعادة الإنتاج سريعاً مثلما حدث في الهجمات منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.