على نحو يثير الدهشة، أكسب إصرار أوروبا على الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران مستمراً، بعدما انسحبت الولايات المتحدة، نقطةَ قوة كبيرة. لم يعد لدى القوى الأوروبية، التي راهنت سابقاً على العلاقات التجارية المتجددة مع إيران، الكثير لتخسره بعدما أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات على إيران. لكن من خلال مقاومة ضغط الرئيس الأمريكي ترامب والحفاظ على الاتفاق النووي قائماً، أصبحت هذه القوى تحمل المفتاح لتمديد الحظر على إيران للوصول إلى الأسلحة الذي من المقرر أن ينتهي في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
أسباب الإصرار الأوروبي
وقد يساعد خطر انطلاق سباق تسلح واسع في المنطقة، واحتمال فوز مرشح ديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في تفسير سبب مماطلة ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة في اتفاق إيران، والتمسك بنهج الدبلوماسية أولاً حتى في الوقت الذين يعانون فيه للتأثير في مسار الأحداث.
في عام 2015، اتفقت إيران مع الولايات المتحدة وروسيا والصين والدول الأوروبية الثلاث على إدراج عملية تسوية المنازعات ضمن الاتفاق النووي. ويمكن اللجوء لهذا الخيار لإعادة إيران إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث ستواجه إعادة فرض العقوبات الأممية عليها، بما في ذلك على واردات الأسلحة. ومع خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، أصبح العثور على سبب لإحالة إيران لمجلس الأمن في يد أوروبا.
وتضع الولايات المتحدة حظر الأسلحة أيضاً نصب عينيها. إذ ذكره وزير الخارجية مايك بومبيو، في تغريدة نشرها في أغسطس/آب الماضي، أشار فيها أيضاً إلى قاسم سليماني، الجنرال الإيراني الذي قُتِل في ضربة موجهة الأسبوع الماضي.
وكتب بومبيو، في التغريدة، يقول: "حظر الأمم المتحدة مبيعات الأسلحة لإيران، وسفر قاسم سليماني ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول 2020. عدنا التنازلي وصولاً لساعة الإرهاب هو حساب مقدار الوقت المتبقي على إطلاق العنان لإيران لتُحدِث اضطرابات جديدة في العالم. لا يمكن أن نسمح بحدوث هذا".
روسيا والصين تنتظران الفرصة لبيع الأسلحة لإيران
من جانبها، قالت روسيا إنها تخطط لبيع أسلحة جديدة متطورة لإيران بمجرد انتهاء الحظر. ويمكن للشركات الصينية أن تفعل المثل؛ مما سيغير ميزان القوى التقليدي في المنطقة، وربما يُقوِّض التفوق الجوي للولايات المتحدة.
أما داخل الاتحاد الأوروبي، فيُقال إنَّ وزراء خارجية التكتل انقسموا حول استمرار التواصل مع إيران خلال اجتماع في بروكسل الجمعة، 10 يناير/كانون الثاني. ومع ذلك، قال جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إنَّ الكتلة ملتزمة بإنقاذ الصفقة النووية لعام 2015.
يقول بيتر جينكينز، دبلوماسي بريطاني سابق، إنَّ هناك منطقاً وراء الإبقاء على الصفقة عالقة لبعض الوقت. يُذكر أنَّ جينكيز تفاوض سابقاً على اتفاق أوروبي مع إيران، لكنه انهار بسبب إصرار الولايات المتحدة على أن تتخلى إيران عن جميع قدراتها لتخصيب اليورانيوم.
تعزيز القدرات النووية
وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يتجاوز مخزون إيران من اليورانيوم الحد الأقصى المسموح، لكنه مع ذلك أقل من اللازم لبناء سلاح نووي.
في عام 2005، انتقلت إيران من امتلاك قدرة تخصيبية ضئيلة والسماح بعمليات التفتيش المتطفلة إلى تعزيز قدراتها النووية. وفي نهاية المطاف، تمكنت من تكديس ما يكفي من اليورانيوم المُخصَّب لصنع أكثر من اثنتي عشرة قطعة سلاح قبل أن يأتي اتفاق عام 2015 ليضع حداً لذلك.
وقال جينكينز: "الوضع الحالي يعيد للأذهان ما حدث في 2005. ما تبقى من الاتفاق أفضل من عدم وجود اتفاق على الإطلاق، وقد تسنح فرصة لتحسينه في وقت لاحق من عام 2020".
طاولة المفاوضات
أكدت إيران أنها لم تنسحب من الصفقة رسمياً، وأنها لا تزال تسمح بمراقبة دولية موسعة لبرنامجها النووي مع منح الاتحاد الأوروبي الوقت لمساعدته على تخطي العقوبات التي فرضها ترامب، بعدما أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق من جانب واحد في مايو/أيار 2018.
وقال ألكسندر شالينبرغ، وزير خارجية النمسا التي استضافت المحادثات التي انتهت إلى توقيع اتفاق عام 2015: "عندما لا تكون الأطراف المتناحرة على استعداد للاقتراب من طاولة المفاوضات، يمكننا جلب طاولة المفاوضات إليهم".