أصبح قادة حركة حماس في معضلة، بسبب اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، على يد الولايات المتحدة.
فقد جاء مقتل سليماني في وقت بالغ الحساسية لحركة حماس، التي تخوض حالياً مفاوضات مع إسرائيل حول اتفاقية طويلة المدى للتهدئة في قطاع غزة. وقد يثير قرار رئيس المكتب السياسي لـ "حماس"، إسماعيل هنية، الذهاب لحضور جنازة سليماني في طهران، أمس الإثنين 6 يناير/كانون الأول، بعض الردود غير المتوقعة من مصر وإسرائيل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
إذ تنعقد مفاوضات تهدئة بين حماس وإسرائيل، تحت رعاية ضباط المخابرات المصريين والمنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، والتي ركزت خلال الأسابيع القليلة الماضية، على تحسين الظروف المعيشية لأهالي غزة وتعزيز المشاريع المدنية في القطاع.
لماذا شاركت حماس في جنازة سليماني؟
لكن على الصعيدين العسكري والاستراتيجي، تتمتع إيران بتأثير كبير على حركتَي حماس والجهاد الإسلامي، إذ تضخ طهران الأموال إلى الأجنحة العسكرية للمنظمتين، ويعيش عديد من كبار مسؤولي الحركتين في دمشق وبيروت تحت حماية وكالات الاستخبارات السورية أو ميليشيات حزب الله.
ونن ثم، فإنَّ مشاركة هنية وزياد نخالة، الأمين العام لـ "الجهاد الإسلامي"، في جنازة سليماني ليست مفاجئة، لكن ستُقيَّم وفقاً لتداعياتها، وتحديداً فيما يتعلق بمصر.
وظل هنية بعيداً عن غزة أكثر من شهر، بعد حصوله على ضوء أخضر من مصر للشروع في جولة تأخذه لعديد من الدول العربية والإسلامية. وقالت مصادر من حماس في غزة، لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، إنَّ زيارة هنية لطهران مرتبطة بواقعة الاغتيال، ورجَّحت أنَّ هنية أبلغ مصر باعتزامه الذهاب من العاصمة القطرية الدوحة، حيث كان في الأيام الأخيرة، إلى طهران.
اختلاف بين موقفَي مصر وإسرائيل.. فهل غضبت القاهرة من زيارة هنية لتركيا؟
وقال أحد المصادر: "إنَّ رؤية مصر لا تتفق بالضرورة مع وجهة نظر إسرائيل؛ وهو ما يعني أنَّ هذه الزيارة قد لا تثير أي رد فعل مصري". وأكدت المصادر أنَّ هنية زار تركيا وقطر، وهو ما تعتبره مصر أكثر خطورة من زيارة إيران.
وأضافت: "لا يوجد سبب يدعو مصر إلى عدم ضبط النفس أو تجاهل ذلك، طالما تلتزم (حماس) المبادئ التوجيهية والاتفاقيات التي توصلت إليها مع القاهرة".
ووفقاً لهذه المصادر، وصلت المحادثات بين مصر وحماس، والتي تهدف إلى تعزيز الهدوء النسبي على طول الحدود بين إسرائيل وغزة، إلى مراحل متقدمة.
فخلال العام الماضي، ناقشت مصر وحماس قضايا الاستخبارات والأمن وتنظيم المعبر الحدودي في رفح، وضمن ذلك استيراد البضائع على نطاق واسع. وكشفت المصادر أنَّ كلا الجانبين مهتم بمواصلة مثل هذه المحادثات، التي يرأس فيها قائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، جانب الحركة بالمفاوضات.
إنها لا تستطيع الاستغناء لا عن إيران ولا عن مصر.. فهل تشارك حماس في الانتقام لسليماني؟
وقال أحد مصادر صحيفة Haaretz: "المعضلة التي تواجه حماس ليست بسيطة، لسبب رئيسي واحد؛ وهو أنَّ حماس تُعرِّف نفسها بأنها منظمة مقاومة شعبية. ومن منظور عسكري استراتيجي، لا يمكنها الاستغناء عن إيران وحزب الله.
ومنذ ما يزيد على عقد من الزمان، تتحمل حماس مسؤولية أكثر من مليوني مدني، وتُمثِّل مصر مرساة لن تنجح من دونها حماس في الاستمرار في السيطرة على الوضع".
وأضافت المصادر كذلك أنَّ حماس تميل إلى "التعامل مع ما يحدث بحذر، والحفاظ في الوقت نفسه على توازن دقيق وحذر.
ويمكن الاستدلال على صحة ذلك بحقيقة أنَّ حماس والجهاد الإسلامي أعربتا عن غضبهما وإدانتهما لهذا الاغتيال، لكن لا يفكر أي منهما في رد عسكري".
هكذا ستتعامل مصر مع مشاركة "هنية" في جنازة سليماني
وفي هذا السياق، أكد مصدر مصري له اتصالات رفيعة المستوى مع الحكومة والمخابرات الحربية، في تصريح لصحيفة Haaretz، أنَّ حماس تعتقد أنَّ مصر لن ترد رسمياً على زيارة طهران، أو تتخذ أية خطوات مباشرة ضد هنية وقادة حماس الآخرين.
ومع ذلك، أشار المصدر إلى أنَّ هنية قد يضطر إلى الانتظار فترة طويلة قبل السماح له بالعودة إلى غزة، أو ترك القطاع مرة أخرى في أي وقت قريب.
وأوضح المصدر المصري: "هذه قضية معقدة. فمن ناحية، هناك الجانب الإعلاني الصريح المتمثل في وصول أحد قادة حماس إلى طهران، حيث امتدح سليماني وهاجم الولايات المتحدة وإسرائيل.
لكن من ناحية أخرى، تبذل مصر، وفاعلون دوليون آخرون، جهوداً على أرض الواقع للحفاظ على الهدوء ومنع انهيار القطاع. ومن الناحية العملية، حماس مهتمة بالوصول لصفقة في مقابل تخفيف القيود على القطاع. ومصر تتفهم هذا ولن تفعل أي شيء لتعطيل هذه الصيغة".