يتبادل طرفا الحرب اليمنية الاتهامات بشأن مَن المسؤول عن منع وصول المساعدات الدولية؛ لتجنُّب كارثة وشيكة في البحر الأحمر، وُصِفَت بأنها "قنبلة عائمة".
وعقدت وزارة المياه والبيئة، التابعة لمليشيات الحوثي باليمن، مؤتمراً صحفياً، بصنعاء، في 14 ديسمبر/كانون الأول؛ طلباً للمساعدة، متهمةً ائتلاف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، بعرقلة جهودها لصيانة ناقلة النفط "صافر" وتفريغ شحنتها.
وترسو "صافر" -ناقلة النفط أحادية الهيكل التي بنتها شركة يابانية في عام 1976- على بُعد 7 كيلومترات قبالة ميناء رأس عيسى اليمني في مدينة الحديدة. ولم تخضع السفينة لأية صيانة منذ 2015، حين اندلعت الحرب اليمنية بين الحوثيين الموالين لإيران والحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من ائتلاف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
ما قصة "صافر"؟
وتحمل "صافر"، المملوكة لشركة النفط اليمنية، 34 صهريج نفط خام بأحجام وسعات مختلفة، ليصل إجمالي سعتها إلى 3 ملايين برميل نفط. لكن لأنَّ الحديدة ميناء تصدير نفط صغير، تُقدَّر حمولة السفينة بنحو 1.1 مليون برميل نفط.
ويرغب كل من طرفي النزاع في وضع يده على حمولة السفينة، التي قد يتجاوز ثمنها 60 مليون دولار، بحسب أسعار النفط في شهر يوليو/تموز.
وقال عبدالملك الغزالي، القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة، التابعة لوزارة مياه الحوثيين، في المؤتمر الصحفي: "نحذر من أكبر كارثة وشيكة لتسرُّب النفط في اليمن والمنطقة، والتي ستؤدي إلى كارثة بيئية بمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن، قد تمتد إلى البحر الأبيض المتوسط".
أضاف الغزالي: "هذا يرجع إلى مواصلة دول العُدوان [دول التحالف الذي تقوده السعودية] منع صيانة ناقلة النفط الخام (صافر)، وتشغيلها وتفريغ حمولتها".
لكن الأمم المتحدة اتهمت الحوثيين بمنع فريق صيانتها من الوصول إلى الناقلة.
من السبب؟
إذ قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، في آخر تقرير له إلى مجلس الأمن الدولي في سبتمبر/أيلول، إنَّ الحوثيين اعترضوا على إرسال معدات وفريق تقييم من الأمم المتحدة إلى جيبوتي على ساحل خليج عدن في أغسطس/آب، بناءً على اتفاق مسبق مع السلطات الحوثية.
وأبلغ لوكوك مجلس الأمن، في 16 سبتمبر/أيلول: "أشعر بخيبة أمل، لأنَّ تقييم ناقلة النفط (صافر) المُخطط له منذ فترة طويلة، لم يحدث. لقد عملنا بجد للتغلب على اعتراضات [الحوثيين]. لكن عندما أصبح من الواضح أنَّ إحراز أي تقدُّم مستبعد، لم يكن بوسعنا سوى إعادة أعضاء الفريق إلى منازلهم".
من جانبه، قال محمد علي الحوثي، رئيس اللجنة الثورية العليا للحوثيين وعضو المجلس السياسي الأعلى، إنَّ الحوثيين أثاروا عديداً من القضايا التي يتعين على الأمم المتحدة النظر فيها، ومن ضمنها التزام اتفاقية ستكهولم الموقَّعة في العام الماضي.
وأضاف الحوثي، في تصريح لموقع Al-Monitor الأمريكي: "الأمم المتحدة تطالب الحوثيين بالوفاء بجميع التزاماتها الناشئة عن اتفاقية ستكهولم، لكنها لا تطالب حكومة عبد ربه منصور هادي بتنفيذ التزاماتها". واتهم الأمم المتحدة اتهاماً غير مباشر، بمحاولة الادعاء أمام العالم أنها قلِقة إزاء الكارثة المحتملة التي قد تسببها الناقلة، في حين أنها لا تعمل في الواقع على حل المشكلة من جذورها.
وأصبحت الناقلة تمثل تهديداً بيئياً، لأنَّ المراجل الداخلية لم تعد تنتج الغاز الخامل الذي يخفض احتمالات حدوث انفجار، نتيجة الغازات المُنبَعِثة من النفط المخزَّن في السفينة.
قنبلة عائمة
في أبريل/نيسان، وصفت منظمة The Atlantic Council الأمريكية السفينة بأنها "قنبلة عائمة ضخمة". ومن جانبه، حذَّر لوكوك مجلس الأمن، في يوليو/تموز، من أنه في تلك الفترة من العام ووفقاً للتيارات المائية، فهناك احتمال بأنَّ أي تسرب من الناقلة سيصل إلى قناة السويس، وربما إلى مضيق هرمز.
في حين قال مسؤول بحكومة عبد ربه منصور هادي، المدعومة من السعودية، في تصريح لوكالة أنباء شينخوا الصينية، في 17 ديسمبر/كانون الأول -شريطة عدم الكشف عن هويته- إنَّ "الناقلة في حاجة ماسة للصيانة العاجلة"، مضيفاً أنَّ حكومة هادي طلبت مراراً وتكراراً "المساعدة الدولية؛ للحيلولة دون التلوث النفطي الخطير الذي يهدد بيئة البحر الأحمر، لكنها لم تتلقَّ أي رد فعل نشط".
وفي هذا السياق، تواصَل موقع Al-Monitor مع المكتب الإعلامي لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث؛ طلباً للتعليق، لكن وُجِّه الموقع بدلاً من ذلك إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في صنعاء. لكن هذا الأخير لم يعلق، مكتفياً بقول إنه لم يكن هناك أي مسؤول متاح للتحدث إلى وسائل الإعلام.
وقال الغزالي للموقع الأمريكي إنَّ تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية يسيطر على البيئة المحيطة بالسفينة ومياه اليمن الإقليمية، ولم يسمح لفريق التقييم الأممي بالوصول إليها.
ووفقاً للغزالي، انسحب الحوثيون من موانئ رأس عيسى والصليف والحديدة في الربيع، بموجب اتفاقية ستكهولم، ولم يعد لهم أي وجود في ميناء رأس عيسى؛ لذلك لا يمكن إلقاء اللوم عليهم في منع وصول فريق الأمم المتحدة إلى الناقلة. ومع ذلك، أعرب محافظ الحديدة الحسن طاهر، الذي عيَّنه هادي في مايو/أيار، عن شكوكه في أنَّ الحوثيين قد انسحبوا بالفعل. وقال إنها حيلة، وكل ما فعله الحوثيون هو إعادة توزيع أفراد.
هل تسرَّب النفط فعلاً؟
ونفى الغزالي صحة التقارير التي تشير إلى أنَّ السفينة تُسرّب نفطاً إلى المياه.
وقال لموقع Al-Monitor، في مكالمة هاتفية بتاريخ 18 ديسمبر/أيلول: "هذا غير صحيح؛ لا يوجد تسرب نفطي… حتى الآن. زرنا رأس عيسى منذ شهر، لكننا لم نتمكن من الوصول إلى الميناء لأنَّ الوضع الأمني لم يكن مستقراً". وقال إنَّ الطريقة الوحيدة للوصول إلى الناقلة هي على متن قوارب، لكن "سفناً حربية تابعة لقوات العدوان" منعت ذلك، في إشارة إلى التحالف بقيادة السعودية.
وفي غمار هذا المأزق، تبدو الأمم المتحدة عاجزة عن منع كارثة بيئية تلوح في الأفق في البحر الأحمر.
وقال الحوثي لموقع Al-Monitor، إنه لم يُحرَز أي تقدُّم في هذا الصدد. وأضاف: "الكرة الآن بملعب دول العدوان"، مشدداً على أنَّ أعضاء التحالف الذي تقوده السعودية يجب أن يوافقوا على تنفيذ اتفاقية ستكهولم، التي تسمح "للأمم المتحدة ولنا جميعاً بصيانة هذه السفينة وإصلاحها، وتقييم الضرر الذي لحق بها".
وتابع: "على المجتمع الدولي أن يفهم أن الكارثة التي تهدد شعب اليمن هي نتيجة الحصار الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية".
في حين حذَّر أحمد عايض، مساعد وكيل الهيئة العامة لحماية البيئة، من تسييس قضية ناقلة النفط، في ضوء المخاطر البيئية التي تطرحها.
وقال عايض لموقع Al-Monitor، من مكتبه في وسط صنعاء: "هناك تقارير عن تعرُّض الناقلة للصدأ والتآكل، وأنَّ ملوحة المياه بدأت تؤثر في حديد هيكلها"، لافتاً إلى ارتفاع درجة ملوحة البحر الأحمر.
أضاف: "يجب فصل البيئة عن أي نزاع سياسي أو عسكري. يجب أن تظل مثل القطاع الصحي؛ حيث بإمكان أي فريق الوصول بسهولة إلى أي مكان؛ لمنع وقوع كارثة محتملة".