تطورات خطيرة يشهدها العراق، إذ تكشف كواليس تقديم الرئيس العراقي استقالته لمجلس النواب، عن أن الأزمة وصلت لمرحلة خطيرة، خاصة بعد أن غادر الرئيس بغداد، بعدما تلقى تهديداً من الكتلة الموالية لإيران في البرلمان.
ويبدو أن الرئيس برهم صالح، يتجه لتقديم استقالته من منصبه بعد رسالته الأخيرة إلى مجلس النواب، التي هدّد فيها بالاستقالة إذا استمرت الضغوط عليه مما قد يخلق فراغاً بالسلطة في ظل استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من قبل.
وفي الوقت ذاته، قدّم رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر شكرَه إلى رئيس الجمهورية، لرفضه مرشح تحالف البناء الموالي لإيران لمنصب رئيس مجلس الوزراء.
في المقابل، أعلن الصدر المعارض لإيران دعمه لترشيح ثلاث شخصيات مستقلة لرئاسة الحكومة العراقية.
في هذا التقرير نرصد كواليس الرسالة التي قدّمها الرئيس العراقي للبرلمان، والتهديدات التي تلقاها من الكتل الموالية لإيران.
كواليس تقديم الرئيس العراقي استقالته لمجلس النواب
برهم صالح تعرّض إلى ضغوط سياسية من تحالف البناء المقرب من إيران، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية، من أجل قبول مرشحهم إلى رئاسة الوزراء، حسبما قال مسؤول في مكتب الرئيس العراقي لـ "عربي بوست".
وأضاف أن صالح بعد أن رفض ترشيح وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة الحالية، قصي السهيل، دفع كتلة الفتح، الجناح السياسي للحشد الشعبي محافظ البصرة أسعد العيداني كمرشح قوي لرئاسة الوزراء.
وتابع قائلاً "إن اعتراض المتظاهرين وساحات الاحتجاج وقطع الشوارع الرئيسية والمدن احتجاجاً على ترشيح العيداني لرئاسة الوزراء، دفع رئيس الجمهورية إلى رفضه، وإرسال رسالته إلى مجلس النواب.
ونصت الرسالة على أن الرئيس يستعد لوضع الاستقالة من منصب رئيس الجمهورية أمام أعضاء مجلس النواب، ليقرروا في ضوء مسؤوليتهم كممثلين عن الشعب ما يرونه مناسباً".
وأضاف الرئيس العراقي في رسالته قائلاً "يقيناً لا خير يرتجى من موقع أو منصب لا يكون في خدمة الناس وضامناً لحقوقهم".
لماذا غادر الرئيس العراقي العاصمة وما فحوى تهديد أنصار إيران له؟
ترك برهم صالح مقر إقامته في قصر السلام بالعاصمة بغداد، وتوجه إلى محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق (الذي ينتمي إليه)، هرباً من الصراعات والضغوط السياسية التي تمارَس ضده من أجل الموافقة على تكليف مرشح الحشد الشعبي لرئاسة الوزراء، حسب المصدر.
في المقابل، هددت كتلة الفتح، الجناح السياسي للحشد الشعبي، بعزل رئيس الجمهورية برهم صالح من منصبه، بحسب مسؤول في مكتب حركة عصائب أهل الحق.
وقال المسؤول غير المخول له بالتصريح، لـ "عربي بوست"، إن برهم صالح خرق الدستور واستغلّ منصب رئيس الجمهورية لأغراض شخصية، بالإضافة إلى أنه لا يحق له تأخير تسمية مرشح كتلة البناء التي تعتبر الكتلة الأكبر في البرلمان لمنصب رئيس الوزراء.
وأضاف كان يجب على رئيس الجمهورية تكليف مرشح البناء، سواء كان وزير التعليم قصي السهيل أو محافظ البصرة أسعد العيداني، بتشكيل الحكومة العراقية.
وكشف أن كتلة الفتح ستتحرك في الأسبوع المقبل لتقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية لعزل برهم صالح من منصبه، لتجاوزه الدستور، وعدم احترامه ممثلي الشعب في مجلس النواب.
ويدور خلاف في العراق حول مفهوم الكتلة الأكبر، وهل هي أكبر كتلة فائزة في الانتخابات (كتلة التيار الصدري)، أو أكبر كتلة شكلت في البرلمان (الكتلة الموالية لإيران، وهي تحالف البناء التي تقودها قائمة الفتح).
وتضاربت الأنباء بشأن رد مجلس النواب على طلب الرئيس تحديد الكتلة الأكبر.
إذ أفادت تقارير إعلامية بأن البرلمان العراقي، أعلن الثلاثاء الماضي، أنه سلَّم رئيس الجمهورية برهم صالح، كتاباً حدَّد فيه أن "كتلة البناء" هي الأكبر. لكن البرلمان تراجع لاحقاً، ونفى أنه خاطب الرئيس بشأن الكتلة الأكبر.
المعارضون لإيران يرفضون الاستقالة
من جهتها أعلنت الكتل المعارضة للأحزاب المقربة من إيران عن رفضها استقالة برهم صالح من رئاسة الجمهورية.
وقالت مصادر حزبية مطلعة لـ "عربي بوست"، إن تحالف "سائرون" المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي، وكتلة الحكمة برئاسة عمار الحكيم، وائتلاف الوطنية برئاسة إياد علاوي، يرفضون جميعاً استقالة برهم صالح من منصبه.
وهذه الكتل تدعم خيار رئيس الجمهورية في تكليف شخصية مستقلة مقبولة من قبل المتظاهرين وساحات الاحتجاج لرئاسة الحكومة العراقية.
وقال النائب كاظم الشمري، عن كتلة الوطنية، برئاسة إياد علاوي لـ "عربي بوست"، نرفض استقاله رئيس الجمهورية برهم صالح، وإن كتلة الفتح أهدروا حقهم كونهم الكتلة الأكبر في ترشيح رئيس للحكومة، وعليهم الكف عن الضغط على رئيس الجمهورية في اختيار رئيس مجلس الوزراء.
وقال النائب صباح طلوبي، عن كتلة سائرون، المدعومة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لـ "عربي بوست"، إن الكتلة ترفض استقالة رئيس الجمهورية، ولن تصوت على قبول استقالته، وإذا وافق البرلمان على الاستقالة فهذا يعني أننا سنقرأ السلام على البرلمان".
وقال بيان صحفي لكتلة النصر، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي: "نرفض استقالة رئيس الجمهورية، وعليه سحب استقالته واختيار شخصية مناسبة لرئاسة الحكومة".
وأضاف "إن إصرار الأحزاب على بقاء هذه المعادلة سيقود إلى المجهول، وستتحمل القوى الرافضة لإجراء إصلاحات حقيقية كامل المسؤولية أمام الله والوطن والتاريخ".
أسماء مرشحي التيار الصدري المحتملين تخرج للعلن أخيراً
ويعتبر التيار الصدري أنه الأحق باختيار المرشح لرئاسة الحكومة، باعتبار أنه الكتلة الأكبر الفائزة بالانتخابات في مواجهة مطالبات كتلة البناء الموالية لإيران بهذا الحق، باعتبارها الكتلة الأكبر حالياَ، بعد اندماج عدة كتل تحت رايتها عقب تشكيل البرلمان.
وسبق أن أعلن ائتلاف سائرون، التابع للصدر، عن تنازله عن حقه في ترشيح شخصية لرئاسة الوزراء، وترك تسميته إلى المتظاهرين في ساحات الاحتجاج، كما أعلن تارة أخرى عن تنازله عن هذا الحق لرئاسة الجمهورية.
ولكن يبدو أن مع استفحال الأزمة فإن التيار الصدري سيعود مجدداً إلى مزاد اختيار المرشحين لرئاسة الحكومة.
فقد اقترح صالح محمد العراقي، المقرب من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، على حسابه على فيسبوك ثلاثة أسماء، ليكونوا مرشحين لرئاسة الحكومة.
وهُم الصحفي السابق ورئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، والقاصي رحيم العگيلي، والنائب العلماني المستقل فائق الشيخ علي.
ولم ينشر القيادي بالتيار الصدري المرشحين الثلاثة بطريقة تفيد مباشرة بأنهم مرشحو التيار، بقدر ما حاول أن يبدو أن الأمر مجرد اقتراح منه.
إذ قال في المنشور "إنه بعد البحث والتقصي استطعت الوصول إلى نتيجة إجمالية بخصوص مرشح رئاسة الوزراء المرضي إجمالاً من الشعب، بعد أن يقدم برنامجه وتحدد فترته وتكتب مهامه.
وأردف قائلاً"هذا لا يعني بالضرورة قناعتنا بهم، المرشحون هم الصحفي السابق ورئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، والقاصي رحيم العگيلي، والنائب العلماني المستقل فائق الشيخ علي".
وما فُهم من منشور صالح محمد العراقي، أن الأسماء الثلاثة هم مرشحو التيار الصدري، وأنه يحاول أن يجسّ النبض لمعرفة ردّ الفعل بشأنهم.