يضاعف الحراك الشعبي الذي اندلع في شهر فبراير/شباط الماضي في الجزائر، غضبه للتنديد بالانتخابات الرئاسية التي أمر الجيش بانعقادها الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول، ووصفها المحتجون بأنها "محاكاة هزلية" و "حفلة تنكرية" و "غش". وفي ظل الضغوط المفروضة على الجيش لإيجاد واجهة مدنية أخرى له بعد تنحي بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان، وتأجيل الانتخابات مرتين، بعد أن كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان ثم في 4 يوليو/تموز، فرض الجيش جدوله الزمني للانتخابات ومرشحيه الخمسة، متجاهلاً المطالبات بتغيير حقيقي إلى الديمقراطية.
الجيش يهدد ويُحذر
وانتشرت موجة من الاعتقالات التعسفية منذ انطلاق السباق الرئاسي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، إلى جانب تهديد رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، الإثنين 9 ديسمبر/كانون الأول، "كلَّ مَن تسوِّل له نفسه المساس بهذا المسار الدستوري أو عرقلته"، واصفاً الانتخابات بأنها "مرحلة غاية في الأهمية في مسار بناء دولة القانون".
وأعلنت قوى البديل الديمقراطي في الجزائر، في بيان أصدرته 9 ديسمبر/كانون الأول، تمسكها برفض هذه الانتخابات "بكل الطرق السلمية". ووقَّع هذا البيان عدة أحزاب سياسية ونقابات عمالية ومنظمات من المجتمع المدني وشخصيات من داخل الجزائر وعدد من مواطنيها في الخارج.
من جانبها، رفعت مجموعة "قفي يا جزائر" في باريس -Debout l'Algérie- شعار "لا لانتخاب العار!". وتؤيد المجموعة تشكيل هيئة انتقالية وطنية، وتدعو إلى "المقاطعة على نطاق واسع" لهذه الانتخابات التي بدأ التصويت فيها للجزائريين في الخارج منذ 7 ديسمبر/كانون الأول.
محطات تاريخية تعكس حلم الاستقلال الجديد
تقول نادية سالم، عضو "قومي يا جزائر" التي تنظم وقفات احتجاجية أمام قنصليات الدولة في باريس وبوبيني: "قلة قليلة من الناس تشارك في التصويت، وبعض كبار السن بدافع الواجب، وهؤلاء الذين أخافتهم السلطة وهددتهم بعدم القدرة على العودة إلى البلاد".
وأضافت لصحيفة La Croix الفرنسية: "لكن اليوم تغير الوضع، والناس خرجوا إلى الشارع"، معربة عن سعادتها بالتعبئة المكثفة ابتداءً من الأربعاء، 11 ديسمبر/كانون الأول.
وتتزامن عشية الانتخابات مع ذكرى المظاهرة الكبرى لتحرير الجزائر، إبّان حرب الاستقلال، في 11 ديسمبر/كانون الأول 1960. وهي محطات تاريخية مهمة -مثل ذكرى بداية حرب الاستقلال في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954- تشبه الاستقلال الجديد الذي يحلم به الحراك الشعبي.
تحدي النظام
يقول زهير رويس، رئيس حزب "جيل جديد" الجزائري في أوروبا: "الحراك متحد ضد النظام، وهذه الحركة لم يسبق أن شاهد تاريخ الجزائر مثلها". لكنه استطرد قائلاً إنَّ "الأحزاب السياسية والمجتمع المدني منقسمان حول كيفية الخروج من الأزمة. من الصعب استعادة الثقة بين مختلف الجهات الفاعلة، إنه أمر طبيعي؛ فلا يمكننا خلال عشرة أشهر إعادة بناء ما دمره النظام خلال 57 عاماً".
من جانبه، قال الباحث هيزام فيرنانديز، من معهد إل كانو الملكي الأسباني: "يقال أحياناً عن الجزائر إنَّ الجيش لديه دولة داخل الدولة"؛ وهو تعبير يقول الكثير عن القدرة الكاملة التي يتمتع بها الجيش الجزائري. ووفقاً للباحث، أصبحت الجزائر خامس أكبر مستورد للأسلحة في العالم في الفترة من 2014 وحتى 2018، بميزانية بلغت 10 مليارات دولار (أكثر من تسعة مليارات يورو) في عام 2018 وحده، أي ما يعادل ربع الإنفاق العسكري للقارة الإفريقية بأكملها. وأوضح فيرنانديز: "من الضروري له (الجيش) حماية مصالحه وضمان تمتعه بالحصانة لتصرفاته الماضية والحالية والمستقبلية".
رئيسا وزراء سابقان يتلقيان أحكاماً بالحبس لمدة 15 و12 عاماً
الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول، حُكِم على رئيسي الوزراء السابقين أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال بالسجن لمدة 15 و12 عاماً على التوالي، عقب تحقيقات ومحاكمة شملت 18 شخصية سياسية وتجارية.
وعلَّق هيزام فيرنانديز: "الجيش يريد أن يجعل الناس يعتقدون أنه يكافح الفساد". وتساءل فيرنانديز: "هناك دلائل تشير إلى حدوث تجاوزات من المؤسسة. هل يستطيع القادة تقديم سيناريو موثوق به للجزائريين؟ هل لديهم خطة أخرى بخلاف القمع؟"، مشيراً إلى تفاقم القلق من الأزمة الاقتصادية المُلِّحة مع استمرار انخفاض الاحتياطي الأجنبي للبلاد، يضاف لها تواصل الجمود السياسي وعجز الحراك الشعبي عن إفراز قادة.
حرصت الجزائر على عدم دعوة المراقبين الدوليين للإشراف على سير العملية الانتخابية؛ وهو الشاهد على تشديد السلطة قبضتها على البلاد وعزلها عن العالم. إلى جانب أنَّ القليل من الصحفيين الأجانب فقط هم القادرون على العمل داخل الأراضي الجزائرية. فحين يتعلق الأمر بتغطية الأخبار السياسية والاجتماعية، تبدأ السلطات الجزائرية في الاقتصاد بشدة عند منح التأشيرات الصحفية.