تتواصل محاولات أطراف الأزمة التي تهدد باندلاع أول حرب حول المياه على الكوكب التوصل لحل وسط بين رغبة إثيوبيا في إكمال بناء سد النهضة في أسرع وقت وبين الخطر الداهم الذي يهدد المصريين بالعطش والسودانيين بدرجة أقل، فما جديد المفاوضات، وماذا حققت حتى الآن؟
ماذا حدث؟
عقد وزراء الخارجية والري من مصر والسودان وإثيوبيا ووزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشن ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس "اجتماعاً تقييمياً" أمس الاثنين 9 ديسمبر/كانون الأول في واشنطن، الهدف منه، بحسب ما أعلنت مصر في بيان، هو الوقوف على ما تحقق خلال اجتماع اللجان الفنية من الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) في أديس أبابا نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والقاهرة مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزير الموارد المائية والري محمد عبدالعاطي قالا إن الاجتماعات، التي تمت بناء على دعوة من منوشين، تضمنت عقد لقاءات ثنائية بين وزير الخزانة الأمريكي مع وزراء الخارجية والري في كل من مصر والسودان وإثيوبيا، أعقبها اجتماع موسع تم خلاله تناول الأطراف لوجهات نظرهم حول الخطوات اللازمة من أجل التوصل إلى اتفاق قبل 15 يناير/كانون الثاني المقبل.
وفي أعقاب الاجتماعات، صدر بيان مشترك عن الدول الثلاث والولايات المتحدة والبنك الدولي، حدد مسار المفاوضات والعناصر التي يجب تناولها من أجل التوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة في الموعد المتفق عليه وهو منتصف يناير/كانون الثاني 2020.
ما خلفية تلك الجولة من المفاوضات؟
بعد أن أعلنت مصر على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي وصول المفاوضات بشأن سد النهضة مع إثيوبيا إلى طريق مسدود وطلبت وساطة دولية، أعلن الرئيس الأمريكي استضافة بلاده اجتماعات "لمناقشة الأزمة" وعقد منوشين اجتماعات مع وزراء الخارجية والري من الدول الثلاث بحضور مالباس في السادس من نوفمبر/كانون الثاني، تم خلالها الاتفاق على عقد أربع اجتماعات فنية بين الأطراف الثلاثة للتوصل إلى حلول لنقاط الخلاف بحلول منتصف يناير/كانون الثاني.
تم عقد الاجتماع الأول من تلك السلسلة في أديس أبابا، والثاني في القاهرة يومي 2 و3 ديسمبر/كانون الأول، ثم جاء اجتماع أمس الاثنين لتقييم ما تم التوصل إليه حتى الآن.
هل حققت المفاوضات أي نتائج حتى الآن؟
الإجابة عن هذا السؤال لها مؤشران الأول هو البيان الصادر اليوم الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول عن الخارجية المصرية حول اجتماع واشنطن أمس، وجاء فيه تأكيد الوزيرين (المصريين للخارجية والري) "انخراط الدول الثلاث في المفاوضات بحُسن نية وشفافية من أجل تحقيق المصالح المشتركة للدول الثلاث، وضمان التنفيذ الكامل لأحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 23 مارس/آذار 2015، وبما يحقق أهداف إثيوبيا في توليد الكهرباء دون الإضرار بمصالح مصر المائية".
وبعيداً عن اللغة الدبلوماسية للتصريحات والبيانات، من الواضح أنه لم يحدث تقدم يُذكر في النقاط الخلافية وإلا كان تم ذكره، ما يعني أن الأمور لا تزال على حالها، وهذه إحدى وجهتي النظر لتحليل ما يجري.
هناك أيضاً وجهة النظر الأخرى التي لا تستبعد حدوث تقدم لكن الأطراف اتفقت على عدم التسرع بالإعلان عنه حتى يكون هناك إعلان رسمي بنهاية المفاوضات، وسيكون ذلك الإعلان حدثاً احتفالياً يقوده زعماء الدول الثلاث، وبالطبع ترامب نفسه الذي يحتاج بشدة لكل ما يمكن أن يصوره كإنجاز في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
التوصل لاتفاق مُرضٍ لأطراف أزمة سد النهضة يعد بالقطع إنجازاً ضخماً، نظراً لخطورة الأزمة وتبعاتها، فمصر تراها مسألة "حياة أو موت" وإثيوبيا ترى السد فرصتها لدفع عجلة التنمية ووصلت الأمور برئيس الوزراء آبي أحمد -الحاصل على جائزة نوبل للسلام- أن أعلن أمام البرلمان أن بلاده مستعدة لحشد "الملايين" للدفاع عن السد حال أرادت مصر حرباً بشأنه.
البيان المشترك الذي نشرته وزارة الخزانة الأمريكية على موقعها الرسمي قال إن الاجتماعيين الفنيين المتبقيين لمصر وإثيوبيا والسودان سيشملان تطوير قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتحديد ظروف الجفاف، وتدابير تخفيف آثاره، ومعدلات إطلاق المياه من السد، مع إمكانية تعديلها من البلدان الثلاثة.
ما السيناريوهات المتوقعة بنهاية هذه المفاوضات؟
من المفترض أن تنتهي هذه الجولة من المفاوضات منتصف يناير/كانون الثاني أي بعد نحو خمسة أسابيع، وفي حال التوصل لحلول وسط حول أبرز نقاط الخلاف وهي المدة الزمنية اللازمة لملء خزان السد وطريقة توزيع المياه في تلك المدة وكيفية توزيع حصص المياه في سنوات الجفاف وكل تلك النقاط تتعلق بكيفية تشغيل السد، سيتم إغلاق ملف الأزمة.
أما السيناريو الآخر وهو عدم تحقيق نتائج أو التوصل لحلول فسوف الباب على جميع الاحتمالات، وأولها اللجوء للتحكيم الدولي أو الوساطة وهو ما ترفضه إثيوبيا بموجب إعلان المبادئ الموقع عام 2015 والذي نص صراحة على أن اللجوء للوساطة يتم فقط بموافقة أطراف الاتفاق (مصر وإثيوبيا والسودان)، وإن كان وجود واشنطن كراعٍ للجولة الحالية من المفاوضات ربما يسهم في تخفيف حدة الموقف الإثيوبي.
الاحتمالات الأخرى تصبّ في خانة الصراع بكل أشكاله، ولا يمكن استبعاد المواجهة العسكرية رغم مخاطرها على الأطراف والمنطقة ككل، فمياه النيل تمثل بالفعل شريان الحياة الرئيسي لمصر، ولا يمكن تصور تداعيات الموقف داخلياً حال فشل النظام في التوصل لحل لتلك الأزمة.