كانت ملامحُ تقاربٍ حميم في العلاقات بينهما تصدرت العناوين في يوم من الأيام، لكن من الواضح أن أيام تبادل القُبل وعناق الأيدي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون قد ولّت، فهو واحد من زعماء العالم الذين حاولوا التودد إلي ترامب ولكنه فشل ككثير منهم.
على هامش اجتماع للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس حلف الناتو، أخذ ترامب يوبخ صديقه الذي كان مقرباً منه ذات مرةٍ في الماضي، وندد بالتعليقات التي أدلى بها ماكرون الشهر الماضي والتي انتقد فيها قيادة الرئيس الأمريكي لحلف الناتو، مستدعياً خلال ذلك نوعاً من التحدي والتشكيك في عديد من سياسات الزعيم الفرنسي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
زعماء العالم الذين حاولوا التودد إلي ترامب
يُعرف ترامب بسعيه الدائم إلى بناء علاقات شخصية مع نظرائه، لكنه أيضاً مولع بالخلافات العلنية أمام الجمهور، وما يغذيه جزئياً طريقته المتحررة من القيود في التعامل مع وسائل الإعلام، وشغفه المعتاد بالتعليقات الحماسية على تويتر.
وماكرون هو مجرد واحد من مقرّبي المرَّة الواحدة، هؤلاء الذين أخذت تتحول علاقتهم الدافئة بترامب في البداية إلى علاقة باردة.
إليك قائمة زعماء العالم الذين حاولوا التودد إلي ترامب ولكنهم فشلوا في هدفهم.
ماكرون.. سهرة عشاء في برج إيفل، ثم توبيخ
كانت الصداقة الناشئة بين ترامب وماكرون بارزةً في العلن صيف عام 2017، عندما سافر الرئيس الأمريكي إلى فرنسا لأول مرة.
فقد بذل ماكرون حينها أقصى جهده: عرض عسكري، وعشاء في برج إيفل، وكثير من مصافحة الأيدي. وعلى الرغم من خلافاتهما حول عدد من القضايا، فإن العلاقة بين الرئيسين بدت في غاية الود.
خلال زيارة لاحقة أجراها ماكرون للبيت الأبيض في أبريل/نيسان 2018، قبّل الرئيسان خدَّي بعضهما في تحيةٍ، حتى إنه عند نقطة ما، نفض ترامب بلطفٍ عن كتف ماكرون ما قال إنها قشرة رأس.
لقد تبادلا المديح، وقللا من شأن مقارباتهما المتباينة في التعامل مع قضايا مثل التجارة والهجرة والتغير المناخي.
لكن بحلول نهاية العام الماضي، كانت العلاقة قد بدأت في التوتر؛ على أثر اختلافات في السياسات بين الطرفين. وأخذت القبلات تنزاح، ليأتي محلها الشكليات المقتضبة والابتسامات الرسمية كلما التقيا.
ومع أوائل الشهر الماضي، تخلى ماكرون عن الشكليات، مفصحاً عن رأيه. وقال إن الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب يبدو أنها "تدير ظهرها لنا"، وإن الافتقار إلى القيادة الأمريكية والتنسيق الاستراتيجي معها أخذ يُدخل الناتو في حالة من "الموت الدماغي".
بحلول الوقت الذي ظهر فيه الزعيمان معاً في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، بدا أن صداقتهما في شكلها الحميم السابق قد أتت إلى نهايتها. وخلال مرحلة ما، وصف ترامب الرد الدبلوماسي لماكرون على أحد الأسئلة، بأنه "إحدى أعظم الإجابات بلا مضمون، التي سمعها على الإطلاق".
وخلال أحد التبادلات الساخنة على نحوٍ خاص، كان الاثنان يناقشان الموضوع المتعلق باحتواء مقاتلي داعش في سوريا، وإذا بترامب يعرض مازحاً على نظيره الفرنسي استضافة مقاتلي التنظيم المأسورين.
فقد قال ترامب: "هل تريد بعض مقاتلي داعش اللطفاء؟".
ليأتي ردُّ ماكرون الجاف: "دعنا نكن جدّيين".
بولسونارو رئيس البرازيل.. مديح، ثم رسوم جمركية
عندما التقى ترامب رئيسَ البرازيل جايير بولسونارو بالبيت الأبيض، لأول مرة، في شهر مارس/آذار، لم يكن لديه سوى المديح والثناء على الزعيم المنتخب حديثاً.
وقال ترامب حينها عن بولسونارو: "أعتقد أن علاقة البرازيل بالولايات المتحدة، بسبب الصداقة المتبادلة بيننا، ربما تكون أفضل مما كانت عليه في أي وقت مضى".
تعرّض بولسونارو، وهو قائد سابق في الجيش، لانتقادات تتعلق بدفاعه عن الديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل عقوداً، علاوة على أنه أدلى بتعليقات مهينة عن النساء والأقليات والمثليين جنسياً. ومع ذلك، فقد رحب به ترامب بحرارة، وتعهد بأن تكون العلاقة الشخصية بينهما مفتاحَ تعاون تجاري أوثق بين البلدين.
أدَّت شخصتاهما المتشابهتان في اندفاعهما وتعليقاتهما اللاذعة والنزوع إلى الشعبوية الغالب عليهما، كثيرين إلى التنبؤ بعلاقات متناغمة بينهما في المستقبل، وسرعان ما جعل بولسونارو علاقته الوثيقة مع الرئيس الأمريكي جزءاً رئيساً من التأسيس لدبلوماسيته.
حتى إن ابنه إدواردو بولسونارو، وهو أحد المشرعين في مجلس النواب البرازيلي، كان يرتدي قبعة بيسبول تحمل شعار "لنجعل أمريكا عظيمة من جديد–ترامب 2020″، عندما زار البيت الأبيض.
لكن العلاقات بينهما انتابها البرود على ما يبدو. فقد أعلن ترامب، يوم الإثنين، فرض رسومٍ جمركية على الصلب والألومنيوم القادم من البرازيل والأرجنتين، متهماً البلدين بالتلاعب بعملتيهما على حساب مزارعين أمريكيين.
وقال بولسونارو يوم الثلاثاء، إنه سيتناول الأمر مباشرة مع ترامب. لكن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب قد تجعل من الصعب على الطرفين استئناف علاقتهما على النحو المريح الذي كانت عليه ذات يوم.
ترودو.. تداعيات الخلافات التجارية رغم التودد إلى ابنته
بدا من المستبعد أن يطور ترامب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي نال ثناءً دولياً على حكومته المتوازنة بين الجنسين وسياساته التقدمية، صداقة حميمة بينهما. ومع ذلك فمن جهة ترودو، مثّل التفاهم مع الجار القوي في الجنوب أولوية لا غنى عنها.
وهكذا بادر رئيس الوزراء الكندي، بعد فترة وجيزة من انتخاب ترامب، بالتودد والسعي إلى التأثير في الرئيس الجديد، ليدعو ابنة ترامب، إيفانكا، إلى المشاركة في اجتماع لقيادة الأعمال التجارية، على سبيل المثال. وقد بدا هذا النوع من التواصل ناجحاً، على الأقل فترة من الوقت.
خلال زيارة ترودو الأولى لترامب بالبيت الأبيض في عام 2017، تبادل الزعيمان المجاملات والنقاش في تفاصيل العلاقات، وتحدثا حول قضايا السياسة العامة بين البلدين. وتحدث ترامب لاحقاً عن "علاقة شخصية عظيمة بينهما" عندما بدأت مفاوضات تتعلق باتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية.
إلا أنه مع تقدُّم المباحثات، شهدت قضية الاتفاقات التجارية اشتعال الخلافات وانهيار تلك العلاقة الحميمة بين الطرفين.
بدأ التباعد في مايو/أيار 2018، عندما أعلن ترامب أنه سيوسع التعريفات الجمركية المفروضة على الصلب والألومنيوم لتشمل كندا، أكبر مصدّر للمعادن إلى الولايات المتحدة. لتردَّ كندا على ذلك، معلنة بالمقابل عن فرض تعريفات جمركية بقيمة 12.8 مليار دولار على البضائع الأمريكية.
وتلت ذلك مكالمة هاتفية متوترة، أثار فيها ترامب اتهامات لا أساس لها بحدوث أعمال عدوان استمرت 200 عام من كندا ضد الولايات المتحدة. وبحلول الوقت الذي انعقد فيه اجتماع قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في يونيو/حزيران 2018، لم يعد أي من الطرفين يبدي استعداداً للتراجع عن موقفه.
وقال ترودو حينها: "الكنديون مهذبون، وعقلانيون، لكننا أيضاً لا تُملى علينا تعليمات".
ليُردَّ ترامب على ذلك بإفراغ الاجتماع من مضمونه في وقت مبكر، مطلقاً تغريدتين على موقع تويتر، يصف فيهما ترودو بأنه "مضلِّل وضعيف للغاية". وقال إن الولايات المتحدة لن توقع على الاتفاق الذي كان المشاركون الآخرون قد وافقوا عليه.
ومن المتوقع أن تزداد العلاقة توتراً بعدما ظهر رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، في مقطع مصوَّر، خلال حفل استقبال بقصر باكنغهام في بريطانيا، مساء الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون الأول 2019، يصف فيه مدى الدهشة التي عَلَت وجوه فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسبب أدائه في مؤتمر صحفي.
وقال ترامب رداً على سؤال بشأن تصريحات ترودو عن أداء الرئيس الأمريكي، في مؤتمر صحفي بقمة لحلف شمال الأطلسي في بريطانيا: "إنه بوجهين".
آبي.. تودُّد بلعب الغولف، ونتائج حقيقية قليلة
قضى ترامب ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عدة ساعات معاً. زارا إحدى حلبات مصارعة السومو، وتناولا العشاء بحضور زوجتيهما. وتبادلا لعب الغولف مرة بمنتجع ترامب في مارالاغو بفلوريدا، ومرة أخرى في شهر مايو/أيار، خلال زيارة الرئيس الأمريكي لطوكيو.
وقال ترامب للصحفيين في عام :2017 "لقد أُتيح لنا تعرف بعضنا على بعض، على نحو جيدٍ جداً" في ملعب الغولف.
كان التوافق مع ترامب جزءاً مهماً من استراتيجية آبي لتأمين صفقة تجارية فعّالة مع الولايات المتحدة، وهو اتفاق كان ترامب قد وعد بأن يكون "اتفاقاً مثيراً للغاية". وعندما زار ترامب طوكيو، وصف آبي المناسبة بأنها فرصة لتكريس "الرابطة التي لا تتزعزع" بين البلدين.
لكن ترامب أمضى معظم وقته خلال تلك الزيارة، مركِّزاً على القضايا المحلية، وفي بعض الأحيان على التعبير عن شكاواه الخاصة، لا الشؤون الخاصة بالعلاقات مع اليابان.
وعلى الرغم من وجبات العشاء وقضاء الوقت معاً، لم يتمكن الاثنان من الاتفاق إلا على صفقة تجارية محدودة، مستبعدةً السيارات اليابانية وسلعاً صناعية من الولايات المتحدة وبعض المنتجات الزراعية مثل الأرز والزبدة والسكر.
أما بالنسبة إلى آبي، فإن السؤال الذي لا بد من طرح نفسه هو ما إذا كان استثماره في التودد إلى ترامب قد حقق لبلاده ما يستحق كل هذا العناء.