في تكتل إسلامي جديد يضم دولاً إسلامية ذات ثقل كبير سياسياً واقتصادياً وبشرياً، يشارك زعماء كل من ماليزيا وقطر وتركيا وباكستان وإيران في "قمة كوالالمبور" الإسلامية، خلال الفترة بين 18 إلى 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فضلاً عن مشاركة دول عدة بينها إندونيسيا، التي سيمثلها نائب الرئيس، والكويت، وبروناي، وأوزبكستان، وربما دول أخرى، وذلك بهدف "إعادة إحياء النهضة الاقتصادية والاجتماعية للحضارة الإسلامية"، كما أعلن موقع القمة.
وتهدف القمة أيضاً إلى "ضمان تقدم البلدان الإسلامية نحو مستويات أعلى، من خلال تأسيس قنوات اتصال فعالة في مجالات الصناعة والتكنولوجيا والابتكار، وتأسيس شراكة في المجال الإعلامي، من أجل مكافحة الإسلاموفوبيا في العالم".
وفي ظلّ التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي، وحالة التشرذم التي باتت تسيطر عليه كيف ستُسهم هذه القمة في مواجهة هذه التحديات، وهل ستنجح في تقديم مبادرات حقيقية وواقعية لها، خاصة أن العديد من القمم الإسلامية المختلفة السابقة لم تنجح في كثير من الأحيان في الوصول إلى ذلك.
"نواه لتجمُّع حقيقي يواجه التحدّيات الكبرى"
يقول الكاتب والإعلامي القطري جابر الحرمي، إنَّ العالم الإسلامي يمتلك الشيء الكثير من الإمكانات الضخمة للنهوض، إلا أنه للأسف الشديد يعيش حالةً من التشرذم والتشتت والخلافات البينية، وهذا أدى إلى إحداث فجوة كبيرة في إيجاد أي تكامل حقيقي خلال السنوات الماضية.
وأضاف الحرمي لـ "عربي بوست"، أنه وبالرغم من وجود منظمات وتكتلات إسلامية قائمة كمنظمة التعاون الإسلامي وغيرها، إلا أنها لم تعد تلبي تطلعات الدول والشعوب الإسلامية، مضيفاً أنه "حتى مجلس التعاون الخليجي يعيش حالةً من الجمود، وقد دخل في غرفة الإنعاش"، مؤكداً أن العالم الإسلامي بات يريد منظمات فاعلة، يكون لها ثقلها ودورها الحقيقي في حل هذه المشاكل.
يقول الحرمي: يمكن لهذه القمة اليوم أن تكون النواه لتجمع حقيقي، يركز بالدرجة الأولى على التنمية والنهضة في المجتمع الإسلامي، مضيفاً أن هذه الدول لديها إمكانات قوية، سياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية، وحتى الخبرات النووية، وتشكل كتلة بشرية كبيرة جداً في العالم الإسلامي.
"تحريك الماء الراكد"
في السياق، يتفق الكاتب والمحلل السياسي الأردني عمر عياصرة، على أن قمة كوالالمبور تعتبر اجتماعاً مهماً وثقيلاً سيُحرك الماء الراكد في العالم الإسلامي.
وأضاف عياصرة لـ "عربي بوست" أنَّ هذه القمة كما تقوم عليها دول وزانة وثقيلة، تغيب عنها أيضاً دول إسلامية وازنة أخرى، كالسعودية ومصر، لكن حضور دول يتجاوز عدد سكانها 500 مليون مسلم سيعطيها شرعية في التمثيل وتوجيه الرسائل، كما أن ماليزيا قالت إن الباب مفتوح أمام الجميع للانضمام لهذه القمة.
وبحسب عياصرة، ربما نكون اليوم أمام تشكل نواة حلف جديد في المنطقة، سيغير الكثير في المشهد العربي والإسلامي، وأن قادم الأيام سيكشف ذلك. مضيفاً أن التحديات التي تواجه العالم الإسلامي باتت كثيرة ومتعددة اليوم، وتوجب وجود قوة حقيقية فاعلة لمواجهتها، من بينها الإسلاموفوبيا، والإرهاب، وصورة الإسلام في الغرب.
معتبراً أيضاً أن "القضية الفلسطينية تستوجب وقفةً حقيقيةً اليوم لحماية المقدسات، ووقف استمرار الانتهاكات في الأراضي المحتلة. وإذا استطاعت هذه القمة أن تقدم مقاربةً ما فيما يتعلق بفلسطين، فسيكون لها صدى كبير، سيحرج ربما الجامعة العربية والآخرين، وتدفع ربما بعض الأطراف للانضمام لها"، حسب تعبيره.
"قاطرة حقيقية لعمل إسلامي نهضوي"
ويبلغ تعداد الدول الخمس التي سيحضر زعماؤها القمة، وهي ماليزيا وتركيا وباكستان وإيران وقطر نحو 400 مليون نسمة، ويبلغ تعداد سكان باكستان وحدها أكثر من 213 مليون نسمة، ومن حيث الناتج الإجمالي المحلي لكل دولة، فإن الدول الخمس تحتل مراكز متقدمة ضمن أكبر 55 دولة على مستوى العالم (بحسب إحصائيات صندوق النقد الدولي عام 2018)، حيث جاءت تركيا في المركز الـ19، وإيران الـ30، وماليزيا 37، وباكستان 41، وقطر في المركز 55، بينما يمثل حجم الاقتصاد في الدول الخمس رقماً ليس بالقليل في معادلة الاقتصاد العالمي.
حول ذلك يقول الحرمي إن "هذه الدول ستكون القاطرة الحقيقية لعمل إسلامي نهضوي حقيقي خلال المرحلة المقبلة، مضيفاً أن الذي يجمعهم هو الإرادة الحقيقية نحو إيجاد نهضة إسلامية حقيقية وتكامل ونهوض في العالم الإسلامي".
معتبراً أن هذا التكتل سوف يكون النقطة المحورية لبداية حقيقية، والأمل أن تنضم إليه دول فاعلة أخرى خلال المرحلة المقبلة بإرادة حقيقية صادقة، وذلك لمواجهة التحديات الكثيرة التي تواجه أمتنا، كالمشاريع الأممية التي تتقاتل في منطقتها.
يقول الحرمي: اليوم العالم الإسلامي للأسف الشديد عند الحديث عنه يشار إليه بالإرهاب، وأنه مستنقع من الحروب والتخلف، رغم كل ما نملكه من ثروات وقدرات، نريد بهذه القمة أن نغير الصورة المطبوعة عن العالم الإسلامي، وأعتقد أن هذه الدول لديها القدرة على ذلك.
وخلص الإعلامي القطري حديثه بالقول: هناك ترقب كبير للاجتماع في ماليزيا، بقيادة مهاتير محمد، وما سينتج عنه، آن الأوان ألا يكون العالم الإسلامي تابعاً للقوى الأخرى، بل قائداً ورقماً مؤثراً في كل المجالات والقطاعات.
في الأثناء، يذكر أن تحضيرات تجري في العاصمة القطرية الدوحة للقمة الإسلامية التي ستُعقد في العاصمة الماليزية، إذ ذكرت وكالة الأناضول، الأربعاء، أن وزراء من الدول الخمس المشاركة في القمة عقدت اجتماعاً بالدوحة، تحضيراً للقمة التي تهدف إلى "إعادة إحياء النهضة الاقتصادية والاجتماعية للحضارة الإسلامية".
وتأتي قمة كوالالمبور بعد إعلان رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، الشهر المنصرم، أن بلاده ستستضيف قمة إسلامية مصغرة. قال مهاتير خلال حفل تعريفي بـ "قمة كوالالمبور 2019″، إن القمة التي وصفها بالبداية الصغيرة ستُعقد لتسليط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي واقتراح الحلول لها، معرباً عن أمله في أن يدعم المسلمون هذه المبادرة.
وذكر رئيس الوزراء الماليزي أيضاً أن 450 من القادة والمفكرين والمثقفين من العالم الإسلامي سيشاركون في القمة، التي ستتمحور حول "دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية".
وأثارت قمة كوالالمبور تساؤلات حول ما إذا كانت ستكون بديلة عن منظمة التعاون الإسلامي ومقرها جدة، لاسيما أن السعودية ليست مدعوة للقمة في ماليزيا، لكن مهاتير محمد شدَّد على أن القمة المصغرة ليست بديلاً عن منظمات دولية، مثل منظمة التعاون الإسلامي.