إيران تحاول تقليل خسائرها بعد استقالة عبدالمهدي، ولكن المطلب التالي للمتظاهرين سيلحق بها مزيداً من الضرر

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/01 الساعة 17:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/02 الساعة 06:58 بتوقيت غرينتش
الرئيس الإيراني حسن روحاني مع رئيس الحكومة العراقية المستقيل عادل عبد المهدي/رويترز

باستقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي يبدو أن الشعب العراقي قد حقق الهدف الأوّلي من هذه الاحتجاجات العنيفة، التي قُتل فيها أكثر من 400 شخص وجُرح آلاف آخرون. لكن هذه ليست نهاية "هذه الحكومة".

فبموجب أحكام الدستور العراقي، ستبقى الحكومة الحالية في السلطة لمدة شهر آخر على الأقل، حتى يصبح من الممكن التوصل إلى إجماع في الآراء على مرشح لتولي القيادة الشهر المقبل، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.

حكومة عبد المهدي ستبقى تدير البلاد لحين تشكيل حكومة جديدة/رويتزر

وبعد أن يكلفه رئيس البلاد بتولي هذه المهمة، يظل أمام المرشح شهر آخر لتشكيل ائتلاف. نظرياً، يبدو هذا الهدف بسيطاً، لكن التجربة توضح أن اختيار مرشح بالإجماع قد يستغرق وقتاً طويلاً وأن تشكيل حكومة يوافق عليها البرلمان قد يستغرق عدة أشهر.

خلال هذه الفترة، لا يمكن للحكومة المؤقتة إصدار تشريع جديد، أوتنفيذ الإصلاحات التي وافقت عليها أو التخطيط لميزانية جديدة تلبي مطالب الجمهور والطوائف المختلفة المُمَّثلة في البرلمان. وهذا يعني أيضاً أن الجرعات المهدئة التي تقدمها حكومة عبدالمهدي لن تفلح في تهدئة الجمهور.

ويمكن لأي جهة خلال هذه الفترة أن تحاول التأثير على اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة. ولإيران المصلحة الأكبر في إظهار قدرتها على التحرك في هذه العملية السياسية بما يناسب مصالحها. 

وكان أغلبية أعضاء مجلس النواب العراقي الحاضرين قد صوّتوا اليوم الأحد 1 ديسمبر/كانون الأول 2019 لصالح قبول الاستقالة التي تقدم بها عبدالمهدي أمس السبت إلى البرلمان، مشيرةً إلى أن 241 نائباً من أصل 329 حضروا الجلسة الطارئة.

إيران بدأت تتحرك عبر ذراعها المفضل بعد استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي

وبعد خسارتها لمحاولة إبقاء عبدالمهدي في منصبه، وخوفاً من أن يشجع انتصار المتظاهرين في العراق نظراءهم في إيران، بدأت طهران في تجنيد المؤيدين لها في الأحزاب الشيعية في العراق، خاصة في ائتلاف فتح الذي يقوده هادي العامري، القائد السياسي لوحدات الحشد الشعبي الشيعية، في محاولة لتجنب المزيد من الهزائم.

وتسببت التظاهرات التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول في تآكل قدرة إيران على تشكيل مستقبل الحكومة العراقية: إذ كانت طهران نفسها هدفاً للاحتجاجات التي بلغت ذروتها بإحراق القنصلية الإيرانية في النجف. 

وسيتعين على رئيس الوزراء المقبل أن يعلن على الأقل بعده عن النفوذ الإيراني، دون المخاطرة بخسارة علاقات العراق الاقتصادية الوثيقة مع إيران، التي تشمل الاعتماد على المساعدات الإيرانية.

وما يجب أن يقلق الولايات المتحدة، التي تضاءل تأثيرها على الأحداث السياسية في العراق بشكل كبير في السنوات الأخيرة، هو التغيير في الحكومة وتعيين رئيس وزراء قد يسعى إلى طرد القوات الأمريكية من البلاد. 

السعودية حاولت التقرب للعراق خلال الفترة الماضية/رويترز

إذ تعتبر الولايات المتحدة وجودها في العراق، خاصة على الحدود مع سوريا، أمراً مهماً لمنع توسع التقارب الجغرافي بين العراق وسوريا، وكذلك لمنع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من تجديد عملياته في جنوب العراق.

وترى السعودية، التي وسعت تعاونها الاقتصادي مع العراق منذ تولي عبدالمهدي منصب رئيس الوزراء، قبل 13 شهراً، استقالته فرصة للسعي لتعيين رئيس وزراء يحمي مصالحها، خاصةً في مواجهة إيران، لكن السعوديين يفتقرون إلى النفوذ السياسي اللازم لتحقيق ذلك.

مطالب المتظاهرين.. الانتخابات أهمها

لكن هذه الاعتبارات الدولية ليست الشاغل الرئيسي للمتظاهرين. ورغم أن المحتجين عبروا عن رضاهم عن رغبة عبدالمهدي في الاستقالة، فهم يرون أنها مجرد خطوة أولى. 

وما يطالبون بتحقيقه فوراً هو إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة، وإلغاء المحاصصة الطائفية والإثنية للمناصب العليا، والتوزيع العادل للتمويل الحكومي والقضاء على الفساد.

ويصر المتحدثون باسم المحتجين على مواصلة احتجاجاتهم، وانضم إليهم أمس السبت 30 نوفمبر/تشرين الثاني متظاهرون في المحافظات الشمالية وبعض المحافظات السنية التي كانت حتى الآن تعتبر لا مبالية بالاحتجاجات التي تركزت في المدن وخاصة في المحافظات الشيعية. 

السيستاني يقلب الموازين.. وهذا هو الفارق بينه وبين الولي الفقيه

وما يبدو أنه قلب الموازين والأمر الذي دفع عبدالمهدي إلى تقديم استقالته، رغم  إصراره السابق على البقاء في منصبه، هو دعوة العالم الشيعي البارز علي السيستاني البرلمان "لإعادة النظر في خياراته بهذا الشأن، وأن يتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه".

كما بين دعم السيستاني القوي للمتظاهرين لإيران أن السياسة المتشددة التي تمليها طهران على الحكومة العراقية وميليشياتها يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية وخسارة إيران الكاملة لقدرتها على إدارة شؤون العراق عن بعد من طهران.

وفي هذا الإطار يظهر التباين القائم منذ عقود بين أيديولوجية السيستاني واستراتيجيته السياسية والدينية وبين النظام الإيراني.

إذ إن السيستاني يعارض نظام الحكم في إيران، وآراء العلماء المسلمين والقيادة هناك بشأن ولاية الفقيه. 

وتمثل طاعة توجيهات السيستاني، الذي يدين له ملايين الأتباع بالولاء، عائقاً في طريق الطموحات الإيرانية؛ وفي الوقت نفسه، تبين أن العراق لا يزال بلداً يتمتع فيه آراء العلماء المسلمين بسلطة سياسية عليا.

كما تغير موقف الصدر

وليس السيستاني فحسب. إذ يطالب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي اكتسب مكانته الدينية من كونه نجل المرجع الديني الرائد محمد صادق الصدر، بإخراج إيران من الساحة العراقية.

ورغم التسليم بأنه لا يمثل "مصدراً للإلهام" مثل السيستاني، لكن شريحة كبيرة من السكان الشيعة في العراق يعتبرونه زعيم روحي وليس قائداً سياسياً له جيش خاص تحت إمرته فحسب. 

وقد قال مقتدى الصدر، الذي كان موافقاً حتى الأسبوع الماضي تقريباً على دعم بقاء رئيس الوزراء العراقي عبدالمهدي في منصبه -عقب اجتماع في العراق مع رئيس فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني- نهاية هذا الأسبوع إن عبدالمهدي يجب أن يستقيل. وحذر أيضاً من أنه إذا لم تستقل الحكومة، فستكون نهاية العراق.

والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت حكومة تصريف الأعمال ستتمكن من وضع الأسس للحكومة المقبلة، في ضوء استمرار المظاهرات والضغوط السياسية في البلاد. 

ومن الأسئلة المطروحة أيضاً ما إذا كان بإمكانها الاستعداد لإجراء انتخابات جديدة أو ما إذا كانت حماسة الاحتجاجات والشعور بالإنجاز الذي حققته لن يؤديا إلا إلى توسعها، بطريقة قد تؤدي إلى مواجهة عنيفة ليس فقط بين المتظاهرين والنظام ولكن أيضاً داخل الحراك الاحتجاجي.

تحميل المزيد