كانت فتاة أبيها المدللة، وشاهدته يُقتل بالرصاص وهي في الثالثة من عمرها

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/28 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/28 الساعة 14:50 بتوقيت غرينتش
لاجئة أفغانية في أحد المخيمات التابعة للأمم المتحدة/ رويترز

كانت لحظة سعيدة تجمع بين أب وابنته، ثم تحوَّلت إلى رسالة تذكير بالصدمة الدائمة الناجمة عن الصراع المتصاعد في أفغانستان.

كان أمان الله وطندست (42 عاماً)، الذي كان يعمل لدى وحدة أمنية أفغانية تتعاون مع الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) يقود سيارته، طراز تويوتا كورولا، ظهيرة يوم الخميس 31 أكتوبر/تشرين الأول. وكانت ابنته مَدينا، البالغة من العمر 3 سنوات، ترتدي فستاناً وردي اللون في جزئه الأسفل وربطتين ورديتين، تجلس على المقعد المجاور له. وكانا يشتريان مواد البقالة في أرغنداب، وهي منطقة في الجنوب تشتهر بأنها معقل لمقاتلي طالبان، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

كانت لابنة وطندست مكانة خاصة في قلبه، وغالباً ما كان يصحبها معه أينما ذهب. وقد تبنى هو وزوجته مدينا بعد عدم تمكنهما من إنجاب طفل من نسلهما خلال 20 عاماً من الزواج، وفقاً لأفراد من العائلة. وقد فقد وطندست أربعة من إخوته في الحرب، وكان جميعهم مثله يعملون لصالح قوات الأمن.

قتل في وضح النهار

وكانت مَدينا هي سلواه عن الحزن الذي فطر قلوب العائلة.

وفي جزء هادئ من الطريق، توقف قاتل وأفرغ ثلاث رصاصات في وطندست عبر نافذة السيارة. ولم يكن ثمة شخص آخر قريب بما يكفي ليصله صوت الطلقات النارية.

وحين شاهد سيارات ومارة آخرون السيارة في منتصف الطريق، لاحظوا أن جسد وطندست مُلقى على جانبه. وكانت مدينا واقفة على مقعدها، وتحدق في عيني والدها المغمضتين.

قال حجي شاه عكا، أحد الجيران: "لم نسمع أي إطلاق نار، ولم يسمع أحد أي إطلاق النار. كان ميتاً في مقعده، وكانت ابنته الصغيرة في المقعد الأمامي في حالة صدمة".

أفغانستان هجمات سبتمبر أمريكا الاستخبارات الأمريكية
قوات أمريكية خاصة تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية/ تويتر

كان وطندست في صور مقتله التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مُسجى على ظهره وكان الجرح على كتفه ظاهراً، وهو أحد الأماكن الثلاثة التي أُصيب فيها.

وفي جميع الصور، تظهر مدينا وهي في حالة صدمة شديدة. ولم تكن تبكي. ففي إحدى الصور كانت تحدق في الفراغ، وفي صورة أخرى كانت تنظر إلى عيني أبيها المغمضتين، وقد شبكت ذراعيها حول بطنها.

يقول إقبال خيبر، زعيم حركة السلام الشعبية، الذي يجول في أنحاء البلاد في محاولة لرفع الوعي المجتمعي حول العنف اليومي: "بعد أن رأيت الصورة أصبت بصداع عنيف لدرجة أنني لم أستطع النوم حتى الساعة الواحدة صباحاً. لقد أشهر الجانبان أسلحتهما في وجه بعضهما وقالا إنهما سيقتلان بعضهما".

وأضاف: "لكن ماذا عن هذه الطفلة؟ ماذا كان رأيها عن قرار والدها؟ لقد أصيبت بصدمة مدى الحياة".

المدنيون هم الضحايا

استمرت الحرب لفترة طويلة، وامتدت بدرجة يبدو معها أن الجانبين قد نسيا وتجاهلا أي أعراف حول الصراع، أو تقاليد المروءة المحلية التي تفرض حماية النساء والأطفال.

وينفذ المسلحون تفجيرات انتحارية في المساجد وقاعات الزفاف، وهي حدود نادراً ما كانت تُنتهك من قبل. وكثيراً ما قتلوا، في أماكن مثل قندهار، موظفات حكوميات، وأطفالهن الصغار إلى جانبهن في كثير من الأحيان.

أرامل أفغانستان
Fayzabad, Afghanistan – November, 26th 2008

ويقتحم جنود الدولة المنازل في منتصف الليل، ويُتهمون بإطلاق النار والقتل على مرأى من  النساء والأطفال. ويشن كل من الجيشين الأمريكي والأفغاني غارات جوية كثيرة، تؤدي في بعض الأحيان إلى سقوط ضحايا من المدنيين.

هذا ولم يعلن أحد مسؤوليته عن اغتيال وطندست، الذي حمّلت الحكومة حركة طالبان مسؤوليته. وفي غضون 24 ساعة، قال مكتب حاكم قندهار إن القاتل قُتل في مداهمة شنتها قوات المخابرات.

عمل وطندست، لعقد من الزمان في قوة هجوم مدعومة من المخابرات الأمريكية تعمل في قندهار. واتهمت هذه القوات كثيراً بارتكاب انتهاكات من بينها الإعدامات بإجراءات موجزة. وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخراً تقريراً ذكرت فيه أكثر من 12 حالة من هذه الحالات لم تُحاسب عليها هذه الوحدات. 

رهائن المخابرات الأمريكية

وفي شهر مايو/أيار الماضي، اقتحمت إحدى الوحدات المدعومة من المخابرات المركزية الأمريكية منزلاً في منتصف الليل، وقتلت الأب وابنيه البالغين وأحد أحفاده. وأصيب الحفيد عادل شاه (10 سنوات)، بشظايا من الانفجار الأول الناجم عن تفجير القوات للبوابة لتتمكن من الدخول.

وكان والد عادل نائماً في الفناء كعادة معظم الأفغان الذين ينقلون أسرّتهم الخفيفة إلى الخارج في الطقس الحار.

قال عادل، الذي كان محتقن العينين والضمادات تغطي جرح رأسه، في اليوم التالي للمداهمة: "قتل أبي وهو في فراشه". ووضع نساء وأطفال العائلة في إحدى الغرف وأُمروا ألا يغادروها إلا بعد ساعة من رحيل القوات عن المنزل، وإلا ستقتلهم المروحيات.

وفي هذه الفترة، نزف والد عادل حتى الموت في الفناء.

الحرب في أفغانستان تكلفة الحرب في أفغانستان أمريكا
الأرقام الرسمية التي نشرتها الحكومة الأمريكية لا تعكس الواقع/ رويترز

وغالباً ما يعلَق المدنيون -إلى جانب الأطفال الذين يتحولون إلى شهود وضحايا- في هذا العنف الجنوني المتزايد الذي يرتكبه كلا الطرفين. ففي مقاطعة درقاد في ولاية تخار الشمالية يوم السبت، تسببت قنبلة مزروعة على جانب الطريق في مقتل خمسة أطفال على الأقل وهم في طريقهم إلى المدرسة وإصابة ثلاثة.

وقال خيبر، الناشط في حركة السلام، إن أكثر ما يثير انزعاجه هو أن تكرار حوادث العنف زاد من تبلد الإحساس لدى الأفغان، لدرجة أن الأحداث المروعة مثل مقتل والد مدينا أمام ناظريها لم يلفت انتباه المواطنين إلا لفترة وجيزة.

ثم يواصل الناس حياتهم، ويصدمهم ما هو أكثر تطرفاً. وشبهم بالأشخاص الذين لا مأوى لهم  وينامون في محطة للقطار، ولا يزعجهم ضجيج القطارات الصاخب.

وقال خيبر: "أكبر مصيبة هي أننا اعتدنا هذا القتل اليومي. يتوقف الناس اليوم، لكنهم ينسون غداً. ولا بد أن تكون الحادثة التالية أكثر قسوة من هذه لتلفت انتباههم".

تحميل المزيد