الصناعات العسكرية الإماراتية تتوسع بشكل كبير في ظل دفع البلاد للمزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، فلماذا تهتم الإمارات بالصناعات الدفاعية بهذا الشكل رغم كونها أحد أكبر المشترين الأجانب للأسلحة أمريكية الصنع، وما هو مدى التقدم الذي حققته الصناعات العسكرية الإماراتية.
نقرير لناتاشا توراك، مراسلة خارجية في محطة CNBC الأمريكية عرض لجهود أبو ظبي لبناء صناعات دفاعية ومدى التقدم الذي حققته الصناعات العسكرية الإماراتية.
لماذا تهتم الإمارات بالصناعات الدفاعية بهذا الشكل؟
وفي تصريحاته لمراسلة CNBC في دبي، هادلي غامبل، على هامش "معرض دبي للطيران" يوم الأحد، قال فيصل البنّاي، الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات دفاع وطنية أُطلقت حديثاً، تدعى "إيدج" Edge، "نحن بالتأكيد نتمتع بعلاقات مذهلة مع كثير من البلدان في العالم، ولدينا عدد من الحلفاء الأقوياء الذين يدعموننا على المستوى الدفاعي".
وأضاف: "لكن مثل أي دولة، في نهاية المطاف، عندما يتعلق الأمر بأمنها الخاص، فإن كل دولة تريد أن تضمن لنفسها سيادةً على قدرات أمنية محددة للغاية. والأهم في هذا المجال هو أننا نبني هذه القدرات لضمان أنه (فيما يتعلق) بتقنيات حساسة معينة، ستمتلك الإمارات القدرة والإمكانات السيادية على تطويرها".
ولم يصرّح البنّاي عن حجم استثمار الإمارات في سعيها لإنشاء صناعةٍ دفاعية محلية.
الصناعات العسكرية الإماراتية تتوسع بشكل كبير.. إيدج نموذجاً
تضم مجموعة "إيدج" التي أُطلقت هذا الشهر 22 شركة خاصة، إلى جانب شركة الإمارات للصناعة العسكرية "إيدك" و"مجموعة الإمارات المتقدمة للاستثمارات" وشركة توازن القابضة.
تشير تقديرات إلى أن نحو 12 ألف شخص سيجري توظيفهم تحت مظلة تلك المجموعة العملاقة من شركات الصناعات الدفاعية.
يشغل البنّاي، الذي سبق له أن كان العضو المنتدب في شركة الأمن السيبراني الإماراتية "دارك ماتر" DarkMatter، منصب الرئيس التنفيذي والمدير الإداري في إيدج.
هل سيقل الاعتماد على الولايات المتحدة؟
تبيع الولايات المتحدة بما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة والتدريبات العسكرية وغيرها من المساعدات الأمنية، لدولة الإمارات وغيرها من الحلفاء في دول الخليج. لكنها تتمسك بسيطرة محكمة على بعض التقنيات، مثل الطائرات بدون طيار الفتاكة والطائرات المقاتلة من طراز "إف 35″، بسبب قوانين التصدير الأمريكية الصارمة، وسياسةٍ جرى اتباعها منذ فترة طويلة تقضي بمنح إسرائيل "تفوقاً عسكرياً نوعياً" على الجيران في الشرق الأوسط.
قد يستغرق توقيع عقود الاتفاق على شراء الأسلحة والتسليم عدة سنواتٍ حتى يجري الانتهاء منها، وغالباً ما تُفضي عملية إخطار الكونغرس إلى إعاقة أو منع عملية بيع الأسلحة ذات الصلة تماماً. من المرجح أن هذه العوامل دفعت دول الخليج إلى الاستثمار في تطوير أسلحة خاصة بها.
وأشار البنّاي إلى أنه من المستبعد أن تتوقف الإمارات عن شراء أسلحة ومعدات عسكرية من الولايات المتحدة.
وقال "إن تلك المساعي (لتطوير صناعات عسكرية) حتى يمكننا الاعتماد على أنفسنا لتحقيق الأمن، مع الاستمرار من الاستفادة من الأنظمة البيئية المتوفرة لشركائنا وحلفائنا في تجريب منظومات أخرى.
إذ إنه في نهاية الأمر، لا يمكن لأحد أن يبني كل شيء وحده في هذا المجال. ونحن لا نعتزم بناء كل شيء".
ما هو مدى التقدم الذي حققته الصناعات العسكرية الإماراتية
عرضت إيدج في معرض دبي للطيران عام 2019، ذخائر طويلة المدى وقنابل وطائرات بدون طيار، شملت منظومة ADASI RW-24 المصنوعة في الإمارات، التي تعد إحدى ما يعرف بـ"ذخائر التسكع" [وهي عبارة عن طائرة مسيّرة تحلق فوق أهدافها في انتظار اللحظة المناسبة، وتوصّل حمولةً محددة لإحداثيات الهدف، وتصيب الأهداف الأرضية بدقة] ويصل مداها إلى نحو 100 كيلو متر، وقدرة تحمُّل على التحليق لأكثر من ساعتين.
كذلك يمكن نشر الطائرة المسيّرة في أقل من 20 دقيقة، ولديها سرعة تحليق تبلغ 129 كيلو متر/الساعة، وتزن أقل من 46 كيلو غراماً عند الإطلاق.
كذلك شملت الأسلحة التي عرضتها المجموعة طائرة مسيّرة مصنوعة من ألياف الكربون ومزودة بمدافع رشاشة، والتي قال البنّاي إنها كانت نتاج عمل مشترك بين عددٍ من شركات مجموعة إيدج الـ 25.
تطمح المجموعة ليس فقط إلى تطوير قدرات الصناعة العسكرية المحلية، ولكن أيضاً إلى الوصول إلى مرحلة تصدير الأسلحة في النهاية. هذا الطموح الأخير يتوافق مع أهداف البلاد المتمثلة في تنويع اقتصادها ليتجاوز مجرد الاعتماد على النفط.
وهم يركزون على مجال الحرب الهجينة
ومن الواضح أن تأسيس شركة إيدج الإماراتية الجديدة كمظلة للشركات السابقة يأتي في إطار التركيز على مجالات معينة من الحروب.
إنها مزيج من عدد من الشركات الحكومية والخاصة، وسيتطلع هذا المزيج إلى معالجة تهديدات الإنترنت والطائرات بدون طيار.
ستكلف الشركة الجديدة بإنتاج أحدث التقنيات الدفاعية التي تهدف إلى مكافحة ما تسميه الأنواع الحديثة من الحرب الهجينة (مجال يشمل الحروب التي يدخل القتال مع الدعاية والحروب السيبرانية وحروب العصابات).
وقال فيصل البناي، المدير التنفيذي والعضو المنتدب لشركة Edge، في خطابه الأول، إن الشركة الجديدة ضرورية لأن العالم ينخرط بشكل متزايد في حرب هجينة حيث تخوض المعارك في الفضاء الإلكتروني.
وقد يشير هذا إلى أن الإمارات المتورطة أصلاً في فضائح على الإنترنت وصلت إلى درجة إقفال تويتر حسابات لها تريد التغول أكثر في هذا المجال.
وخلال الإعلان عن تدشين الشركة الجديدة، ذكّر البناي الجميع كيف أوقفت ضربات الطائرات بدون طيار في أغسطس/آب الإنتاج في أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم في المملكة العربية السعودية.
وقال"هذه هي التهديدات المستقبلية التي نواجهها. هذه هي الحقيقة الأمنية الجديدة".
وقدم الاحتفال بالشركة الجديدة نظرة خاطفة على مجالات اهتمام مثل الروبوتات في ساحة المعركة، والأسلحة الكهرومغناطيسية التي تدمر الأعداء بلمسة زر، والطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والقدرة على الضرب في أي مكان في العالم في أقل من ساعتين.
وقال البناي: "كمجموعة واحدة متكاملة لدينا خطط طموحة سنستقطب أفضل العقول من جميع أنحاء العالم".
انتقادات من الكونغرس، ودعم من ترامب
تعرّضت الإمارات لانتقادات شديدة من نواب الكونغرس الأمريكيين لدورها في الحرب في اليمن، والتي شهدت مقتل عشرات آلاف اليمنيين، ودفع ملايين إلى حافة الموت جوعاً.
كان الكونغرس قد فرض حظراً في السابق على المبيعات العسكرية الهجومية لكل من الإمارات والسعودية، التي قادت الحرب على اليمن. لكن الرئيس دونالد ترامب تخطى قرار الكونغرس في مارس/آذار الماضي لتمرير صفقة بيع أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار لكل من السعودية والإمارات والأردن، وهو ما أشعل غضب نواب الكونغرس.
تأتي الانطلاقة الإماراتية في قطاع الصناعات الدفاعية في وقتٍ تتصاعد فيه التوترات في المنطقة. فقد شهدت الأشهر الأخيرة هجمات على ست ناقلات تجارية في الخليج، وإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، ومصادرة ناقلات نفط، وهجوم كبير على منشآت بنية تحتية للنفط في السعودية.
في الوقت الذي تلقي واشنطن باللوم على إيران في تلك الهجمات، فإن إيران تنفي مسؤوليتها عنها.