المال والإعلام والجامعات.. كيف اخترقت السعودية والإمارات الكونغرس وتحكمتا بالسياسة الأمريكية دون محاسبة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/17 الساعة 21:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/17 الساعة 21:46 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي/رويترز

كيف أصبحت السعودية والإمارات تُسيطران على السياسة الخارجية الأمريكية؟، هناك مفاجأة؛ الأمر تم بشكل قانوني تماماً.

إذ صار النفوذ الأجنبي داخل أمريكا هو حديث الساعة اليوم، ولكن المفارقة أن أخطر الاختراقات الخارجية للسياسة الأمريكية يتم بشكل قانوني، حسب ما ورد في مقال لريان سامرز وبن فريمان العاملين بمنظمة Center for International Policy، ونشر في موقع Lobe Log الأمريكي. 

كيف أصبحت السعودية والإمارات تُسيطران على السياسة الخارجية الأمريكية؟ الطرق القانونية لتقويض الديمقراطية 

صُدِمَت البلاد بأخبار النفوذ الأجنبي غير القانوني على العملية السياسية، بدءاً من إجراءات العزل بسبب طلب الرئيس ترامب من قوةٍ أجنبية التحقيق مع مُعارضٍ سياسي، وانتهاءً بإدانة شركاء مُحاميه الشخصي رودي جولياني بضخ أموالٍ أجنبية إلى الانتخابات الأمريكية بطريقٍ غير قانوني. 

وفي حين تتصدَّر جهود تقويض الانتخابات الأمريكية عناوين الأخبار؛ لا يزال هناك كنزٌ من الوسائل القانونية تماماً التي يُمكن للقوى الأجنبية أن تسلكها لتقويض الديمقراطية الأمريكية. ولا تنتظر تلك القوى حتى يوم الانتخابات، بل تفعل ذلك في كل يومٍ من أيام العام.

"جماعات الضغط هي من تسُنُّ التشريعات دائماً".. والنواب يقرأون كلام السعوديين حرفياً

تمتلك القوى الأجنبية طريقةً مباشرةً للغاية تضمن لها الاستماع إلى صوتها داخل واشنطن: وهي أن تصيغ جماعات الضغط التابعة لها ما يقوله مُختلف أعضاء الكونغرس. وقد يبدو ذلك أمراً جامحاً، لكنَّه أمرٌ شائع في واقع الأمر. ونشر لي فانغ من موقع The Intercept الأمريكي تقريراً يكشف أحد الأمثلة على ذلك مؤخراً. 

إذ اكتشف أنَّ إد رويس، النائب الجمهوري من كاليفورنيا ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب آنذاك، قرأ حرفياً -كما ورد في سجلات الكونغرس- مجموعةً من نقاط الحوار التي استلمها مكتبه من إحدى جماعات الضغط التي تعمل لصالح الحكومة السعودية في الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017. 

ووزَّع آري فريدمان، عضو جماعة ضغط Hogan Lovells التي تُمثِّل السعودية، نقاط الحوار السعودية على رويس وآخرين بالتزامن مع نقاش رو خانا (النائب الديمقراطي من كاليفورنيا) ومجموعة من مُشرّعي الحزبين حول تفعيل قانون سلطات الحرب لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن. وفي فيديو لشبكة C-SPAN من النقاش الذي دار داخل المجلس، يُمكنك أن ترى رويس وهو يُردِّد نقاط الحوار تلك بالنص.

وربما بدا ذلك وكأنَّه نجاحٌ استثنائيٌ لأيّ عضو جماعة ضغطٍ لصالح قوةٍ أجنبية، ولكنَّه أمرٌ شائعٌ للغاية. إذ وثَّق تقرير منظمة Project On Government Oversight، الذي شارك في كتابته بين فريمان، العديد من الأمثلة على كتابة عملاء أجانب للخطب والتشريعات نيابةً عن أعضاء الكونغرس. 

والأهم هو أنَّ تحقيقهم اكتشف وثائق تُظهِر أنَّ العملاء الأجانب قدَّموا تعديلاتٍ على مسار مشروع قانونٍ مُقترح إلى أحد العاملين لدى السيناتور دانييل إينوي (الديمقراطي من هاواي). وحين تقدَّم السيناتور بالتشريع في النهاية؛ كان ما قدَّمه يتضمَّن اللغة التي اقترحها عضو جماعة الضغط بالضبط.

 وحين سُئِلَ عن ذلك أجاب: "من المُعتاد بالنسبة لنا أن نُرسِل التعليقات ذهاباً وإياباً" إلى العاملين في الكونغرس في ما يتعلَّق بالتشريعات. وأضاف: "تُعِدُّ جماعات الضغط التشريعات المقترحة طوال الوقت".

وعقب ظهور منظمة Citizens United، وبفضل قرار المحكمة العليا عام 2010؛ صار المال يتمتَّع بالحرية المكفولة للتأثير في الرأي العام حين يتعلَّق الأمر بتمويل الحملات الانتخابية، وتزايد نفوذ العملاء الذين يعملون لصالح حكومات أجنبية باستمرار من خلال دفاتر الجيب. 

ونقلت مبادرة شفافية النفوذ الأجنبي بمنظمة Center for International Policy، حيث يعمل كاتبا المقال، الكثير من التقارير حول كيفية إسهام عملاء الحكومات الأجنبية في الحملات الانتخابية لنواب الكونغرس الذين يتواصلون معهم نيابةً عن القوى الأجنبية.

هكذا يأتي المال نقداً من الرياض لأعضاء الكونغرس

وفي بعض الأحيان تُقدَّم تلك التبرعات في اليوم الأول للقاء عضو الكونغرس. وفي تحقيقنا حول جماعات الضغط السعودية عام 2018، وجدنا خمس حالاتٍ على الأقل حصل فيها المُشرِّعون على إسهاماتٍ في الحملات الانتخابية يوم لقائهم -أو أحد العاملين لديهم- بشخصٍ يعمل لصالح السعوديين. 

وفعلت جماعات الضغط التي تُمثِّل السعودية ذلك مع السيناتور جيم إنهوف (الجمهوري من أوكلاهوما)، والسيناتور روبرت مينينديز (الديمقراطي من نيوجيرسي)، والسيناتورة تينا سميث (الديمقراطية من مينيسوتا)، والسيناتور بين كاردين (الديمقراطي من ماريلند)، والنائب مايك كوناواي (الجمهوري من تكساس). 

وذلك قبل التصويت على قرار بشأن حرب اليمن

والأمر الصادم أكثر هو الاتصالات (والإسهامات) التي تصل قبل عمليات التصويت المُهمة في كابيتول هيل. إذ تلقَّى السيناتور بيل نيلسون (الديمقراطي من فلوريدا) مثلاً مبلغاً إجمالياً يُقدَّر بثلاثة آلاف دولارٍ أمريكي من Brownstein Hyatt Farber Schreck، الشركة التي تُمثِّل السعوديين، خلال الأيام الأربعة التي سبقت التصويت على إنفاذ قانون سلطات الحرب لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، يوم الـ20 من مارس/آذار عام 2018. ووصلته إحدى تلك الإسهامات في يوم التصويت نفسه. 

وانتهى المطاف بنيلسون، الذي خسر مقعده في مجلس الشيوخ الآن، إلى التصويت ضد مشروع قرار اليمن بما يتوافق مع المصالح السعودية.

كيف أصبح تقديم دول أجنبية الأموال للنواب الأمريكيين قانونياً؟

في حين أنَّ المواطنين الأجانب ممنوعون من تقديم إسهاماتٍ في الحملات الانتخابية -وهو ما اتُّهم به الشركاء الأوكرانيين لرودي جولياني، مُحامي الرئيس وعمدة نيويورك السابق؛ لكن المواطنين الأمريكيين الذين يعملون بالنيابة عنهم غير ممنوعين من تقديم تلك التبرعات.

وقد يُجادل البعض بأنَّ هذا النوع من التصرفات يُشبه الرشوة إلى حدٍ كبير، ولكنه أمرٌ قانونيٌ للغاية بحسب قانون تسجيل العملاء الأجانب؛ طالما كان أيّ إسهامٍ يُبلغ عنه العميل "من تمويله الخاص ونيابةً عن نفسه".

المجال الأكثر خطورة هو شراء أبحاث المؤسسات البحثية.. هكذا تحول كلام قرقاش إلى دراسة علمية!

تتمتَّع القوى الأجنبية بقدرةٍ كبيرة، من خلال جماعات الضغط، على التأثير مباشرةً في تشريعات الكونغرس. كما تتمتَّع أيضاً بثلاث وسائل غير مباشرة -وقانونية تماماً- لمحاولة تغيير السياسة الخارجية الأمريكية لصالحها: المؤسسات البحثية، ووسائل الإعلام، والأوساط الأكاديمية.

إذ وثَّق تقرير Center for International Policy، حول نفوذ الإمارات العربية المتحدة داخل أمريكا، أنَّ جماعات الضغط التي تُوظِّفها القوى الخارجية تعمل بشكلٍ مباشر مع المؤسسات البحثية النافذة لتشكيل الرواية حول البلاد التي يُمثِّلونها. ويلتقي أعضاء جماعات الضغط بخبراء المؤسسات البحثية، ويمنحونهم نقاط الحوار، ويعرضون المساعدة في الأبحاث، ويُوفِّرون لهم في بعض الأحيان رحلاتٍ مدفوعة الأجر بالكامل إلى البلد المعني.

وتُوزِّع نقاط الحوار تلك على خبراء المؤسسات البحثية من أجل التأثير جزئياً على ما يقولونه ويكتبونه. 

وتتشارك مُختلف مكاتب الكونغرس بدورها قراءة أعمالهم. وهذه العملية هي بمثابة غسيل نقاط حوار -على غرار غسيل الأموال. إذ تُنقل رسائل القوى الأجنبية إلى خبراء المؤسسات البحثية المُتعاطفين، الذين يُردِّدونها بدورهم خلال عملهم وخطاباتهم وشهاداتهم أمام الكونغرس، دون أن يُضطروا للكشف عن صلتهم بذلك البلد.

فمثلاً، يتمتَّع مايكل نايتس، الزميل البارز بمؤسسة Washington Institute for Near East Policy، بعلاقةٍ وثيقة مع أعضاء جماعات الضغط العاملة لحساب الإمارات. 

وعادةً تُردِّد تعليقاته العامة نقاطهم الحوارية، بحسب ما وثَّقه تقريرنا عن الإمارات. 

وكتب نايتس مقالاً في الـ14 من يونيو/حزيران عام 2018، حول تحرُّك الإمارات لـ"تحرير" ميناء الحُديدة اليمني، الواقع في قلب الحرب السعودية الإماراتية على تلك الأرض المُحاصرة، وعكس المقال بالضبط ما تحدَّث عنه المقال الذي وزَّعته Hagir Elawad & Associates، وهي شركةٌ تعمل لصالح الإمارات. 

والمقال الأصلي بدوره كتبه أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي الحالي للشؤون الخارجية.

وأظهرت ملفات قانون تسجيل العملاء الأجانب أنَّ نايتس على علاقةٍ وثيقة للغاية مع ريتشارد مينتز، المدير الإداري لـHarbour Group، التي تُمثِّل الإمارات في واشنطن أيضاً. وتُشير التقارير إلى أنَّه نسَّق مع نايتس أربع رحلاتٍ مُنفصلة لزيارة القوات الإماراتية في اليمن.

 وبعدها، كتب نايتس تحليلاً غير نقديٍ بشكلٍ واضح للعمليات الإماراتية في اليمن، دون أن يذكر مطلقاً برنامج الاغتيال المُستهدف الذي أشرف عليه مسؤولون إماراتيون هناك، أو حقيقية أنَّ تلك القوات منحت تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المسلحة هناك أسلحةً اشترتها من الولايات المتحدة. ونفى أيضاً الاتهامات بارتكاب القوات الإماراتية لجرائم حرب، مُحمِّلاً المسؤولية لـ"لوكلاء المحليين".

وفي حين يتعيَّن على العملاء الأجانب المُسجَّلين قانوناً أن يُعلنوا عن أيّ شيءٍ يقومون بتوزيعه نيابةً عن القوى الأجنبية، فإنَّ هذا الإلزام لا يُفرض على خبراء المؤسسات البحثية. 

بل في الواقع، لا تُلزم تلك المؤسسات بالإفصاح عن الأموال التي تلقَّتها من القوى الأجنبية. كما يحق للباحثين، الذين يُموَّل عملهم من قِبَل حكومةٍ أجنبية، بموجب القانون الحالي أن يصيغوا مقالةً مع العملاء الأجانب المُسجَّلين لتلك الدولة دون الإفصاح عن علاقاتهم.

وهؤلاء يدلون بشهادات مهمة أمام الكونغرس

ويُمكن أن يُمثِّل ذلك إشكاليةً خاصة حين يقدم أولئك الخبراء شهاداتهم أمام الكونغرس دون الإفصاح عن تضارب المصالح الخاص بهم.

ويُلزِمُ مجلس النواب الشهود بالكشف الكامل عن التمويل الأجنبي قبل الإدلاء بالشهادة.

ولكن في العديد من الحالات، لا يكشف أولئك الخبراء عن الأموال التي استلمتها مؤسساتهم من الحكومات الأجنبية. إذ وجد تقرير Project On Government Oversight أنَّ قانون مجلس النواب الحالي في ما يتعلَّق بشفافية الشهادات ضعيفٌ بشكلٍ ملحوظ، ويسمح للعديد من الشهود بتبنِّي تفسيرٍ ضيق النطاق لـ"لمسائل المُتعلِّقة" بشهادتهم. وخلال العملية، لا يكشفون ببساطةٍ عن علاقاتهم الأجنبية.

إذ فشل خبراء مؤسسة Atlantic Council البحثية، التي حصلت على 2,585,000 دولار أمريكي من التمويلات الأجنبية عام 2018 على الأقل، في الإفصاح عن ذلك التمويل حين ظهروا أمام الكونغرس. 

ولعل الحدث الأبرز كان خبيري Atlantic Council اللذين شهدا حول "إصلاح مجلس الأمن القومي وهزيمة الإرهاب في سوريا"، لكنَّهما لم يكشفا عن أكثر من مليون دولار استلمتها مؤسستهم من سفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، رغم أنَّ الإمارات كانت لها مصلحةٌ في المسألتين دون أدنى شك.

تشكيل رواية وسائل الإعلام.. دبي صورة المستقبل

تُعَدُّ المنافذ الإعلامية بمثابة هدفٍ رئيسي لعمليات فرض النفوذ الأجنبي. إذ تُدير بعض الحكومات منافذها الإعلامية الخاصة داخل أمريكا بالطبع، والكثير منها ملزمةٌ بتسجيل أنفسها بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب. 

وخير أمثلةٍ على ذلك هي شبكتا CCTV الصينية وRT الروسية، إذ اعتُبِرَت الأخيرة بمثابة "منفذ الدعاية الدولية الرئيسي لدى الكرملين" في تقرير مدير الاستخبارات القومية حول التدخُّل الروسي في انتخابات عام 2016. 

ولا شكّ أنَّ القوى الأجنبية تُواصل الانخراط في عددٍ من الأنشطة غير القانونية عبر تويتر وفيسبوك، والتي تهدف إلى التأثِّير على السياسات المحلية، إلى جانب آراء الأمريكيين في بلدهم. وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني مثلاً، اتُّهِمَ موظفون سابقون لدى شركة Twitter بالتجسُّس لحساب السعودية، والوصول إلى المعلومات الخاصة لناقدي المملكة داخل الولايات المتحدة. 

لكن وسائل انخراط القوى الأجنبية قانونياً في التلاعب بوسائل الإعلام تخضع للتجاهل عادةً، إذ إنَّها -والمنافذ الإعلامية- غير ملزمةٍ بالكشف عن ذلك للمُشاهدين أو المستمعين. وإحدى التكتيكات الأكثر شيوعاً لفعل ذلك تنطوي على العمل عن قربٍ مع المراسلين الذين يُغطُّون القضايا المُهمة بالنسبة لتلك القوى. 

قادة الإمارات/رويترز

ولا عجب في أنَّ تحقيقات Center for International Policy وجدت مراراً أنَّ الصحفيين كانوا من بين أهم أهداف العملاء الأجانب المُسجَّلين.

 وفي بعض الحالات، تسهل رؤية كيفية ترجمة ذلك النفوذ على نحوٍ إيجابي يخدم مصالحها.

وخير مثالٍ على ذلك هي مجلة OZY الأمريكية، التي تقول إنَّها تُقدِّم "أخباراً للمضطربين". 

إذ تواصل عملاء الإمارات مع مراسيلها في أكثر من مناسبة أواخر عام 2017 وأوائل عام 2018، بشأن "أفكار مواضيع إخبارية" ومن أجل ترتيب المقابلات. وتجسَّدت هذه المغازلة في مادتي إطراءٍ عجيب نشرتهما مجلة OZY، حيث وصفت إحداهما دُبي بأنَّها "متحف المستقبل"، في حين رسمتها المادة الثانية على أنَّها "واحدةٌ من عواصم الأزياء العالمية الجديدة"، مُتجاهلةً حقيقة أنَّ المرء قد يتعرَّض للسجن ثلاث سنوات لمُجرد ارتداء زيٍ غير لائقٍ هُناك -وخاصةً النساء.

النفوذ الأجنبي في برجه العاجي.. الصين تتسلل عبر كونفشيوس

ورغم أنَّ النفوذ الأجنبي في واشنطن يتصدَّر عناوين الأخبار عادةً، لكنّه مُنتشرٌ بالقدر نفسه في الجامعات الأمريكية. 

إذ حظِيَ النفوذ الصيني مثلاً باهتمامٍ كبير في السنوات الأخيرة. حيث تُموِّل الحكومة الصينية المعاهد الكونفوشيوسية الصينية، ومراكز اللغة والثقافة الظاهرية، داخل الكليات الأمريكية.

الرئيس الأمريكي مع نظيره الصيني/رويترز

ومثَّلت هذه القضية نقطة ارتكاز تحقيقات الكونغرس، التي لفتت الأنظار إلى الدور الذي يُمكن أن تُؤدّيه الحكومات الأجنبية داخل الحرم الجامعي. إذ ذكر تقرير تحقيق مجلس الشيوخ أوائل عام 2019، أنَّ "تمويل معهد كونفوشيوس يأتي مع سلسلةٍ من الروابط التي من شأنها الإضرار بالحرية الأكاديمية"، والسماح للحكومة الصينية بفرض رقابتها على المؤتمرات الأكاديمية داخل الأراضي الأمريكية، إلى جانب الرقابة على مواد المقررات الدراسية الناقدة للصين.

وسيطر النفوذ الصيني داخل الحرم الجامعي على عناوين الأخبار، لكن الصين هي دولةٌ واحدة من أصل أكثر من 100 دولة ضخَّت أكثر من تسعة مليارات دولار من الأموال الأجنبية إلى الجامعات الأمريكية خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب وزارة التعليم -وليست الصين الدولة الأكثر إنفاقاً بينها. 

ما فعله معهد ماساتشوستس بشأن مقتل خاشقجي صادم

وفي حين ترتبط أكثر من عشرين جامعة بعلاقاتٍ مع المعاهد الكونفوشيوسية، كانت المدارس أكثر تردُّداً في قطع علاقاتها مع الحكومات الاستبدادية لدولٍ أخرى.

 فبعد جريمة القتل الوحشية لجمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا مثلاً؛ واجهت الجامعات والمؤسسات البحثية ضغوطاً كبيرة من أجل قطع علاقاتها مع السعودية، لكن القليل منها فقط رضخ لتلك الضغوط. إذ حصل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إحدى أرقى جامعات البلاد، على أكبر قدرٍ من الأموال السعودية منذ عام 2014 -أكثر من 77 مليون دولار أمريكي، بحسب سجلات وزارة التعليم.

وفي أعقاب الغضب على مقتل خاشقجي الوحشي؛ أطلق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إعادة تقييمٍ لعلاقاته المالية مع المملكة. ولكن حين انتهت إعادة التقييم في فبراير/شباط، وبعد أن اختفى الغضب حيال مقتل خاشقجي من عناوين الأخبار الرئيسية؛ خلصت رسالةٌ وصلت الطلاب والأساتذة إلى أنَّ المعهد "سيُواصل ارتباطاته الحالية مع الزملاء والطلاب ورعاة الأبحاث العامة والخاصة في السعودية.. طالما أنَّ تلك المشروعات تتوافق مع سياسات وإجراءات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وقوانين ولوائح الولايات المتحدة".

وربما كان النفوذ السعودي داخل الحرم الجامعي أكثر وضوحاً من التمويل نفسه. ففي إحدى الحالات كان أحد العملاء الأجانب المُسجَّلين، الذي يعمل لصالح البلد العربي، يشغل منصب أستاذٍ في إحدى الكليات. 

وذكر تقرير برايان ماكغلينشي، خبير النفوذ السعودي في أمريكا، أنَّ بيل سمولين، كبير الموظفين السابق لوزير الخارجية كولن باول، كان عميلاً مُسجَّلاً لصالح السعودية في عام 2018، حين كان يعمل أيضاً مُديراً لكلية ماكسويل لدراسات الأمن القومي بجامعة سيراكيوز. وكشفت ملفات قانون تسجيل العملاء الأجانب عن أنَّ سمولين تلقَّى أموالاً مُقابل توفير "دعم علاقاتٍ عامة" للسعوديين، إبان رئاسته لبرنامج الأمن القومي المرموق.

 وحين سُئِل عن ما إذا كانت الأموال السعودية قد تدفعه إلى إظهار السعوديين في ضوءٍ أكثر إيجابية داخل جامعة سيراكيوز؛ نفى سمولين الفكرة على الفور قائلاً: "لا أعتقد أنَّ هناك أيّ تضارب في المصالح".

يجب توسيع دائرة الضوء لتشمل النفوذ الأجنبي القانوني

لا شكَّ أن التدقيق المفروض على الأطراف الفاعلة الضارة، مثل شركاء رودي جولياني وتعاملاتهم المزعومة مع النُخب الإيرانية لتقويض الانتخابات الأمريكية، هو تدقيقٌ مُبرَّر.

يقول كاتب التقرير إذ نحيا في عالمٍ تمتلك داخله القوى الأجنبية القدرة على تقويض الديمقراطية الأمريكية، كما قوَّضت الولايات المتحدة الديمقراطيات في بلدان أخرى، لتُمثِّل بذلك خطراً داهماً. ولكن نادراً ما يُفكِّر أي شخصٍ في عمليات فرض نفوذ القوى الأجنبية، وهي العمليات القانونية تماماً، والتي لا تحظى باهتمام عناوين الأخبار.

ويُمكن القول إنَّ النظام السياسي الأمريكي، الذي لطالما كان عرضة للتأثير الخارجي، صار أكثر عرضةً الآن للتدخُّلات الأجنبية مقارنةً بعقودٍ مضت -وغالبية تلك التدخلات قانونيةٌ تماماً. 

ولا تزال هناك الكثير من الوسائل القانونية المُتاحة أمام القوى الأجنبية لتُحاول من خلالها تطويع سياساتنا وتفكيرنا لإرادتها؛ بدايةً من عدم الإفصاح الكامل -للأسف- عن تضارب المصالح من جانب الشهود الذين يُدلون بشهاداتهم أمام الكونغرس، ووصولاً إلى العملاء الأجانب الذين يملأون خزائن الحملات الانتخابية بالأموال ليكتبوا القوانين حرفياً، وانتهاءً بالتأثير على المؤسسات البحثية والمنافذ الإعلامية والجامعات.

 وفي حين أنَّه من الضروري أن نكون يقظين لاستئصال النفوذ الأجنبي غير القانوني؛ "يجب تسليط الضوء أكثر على كافة أشكال النفوذ التي تسعى لتقويض الديمقراطية الأمريكية، في حال كُنا نريد أن تظل ديمقراطيةً شعبية، للشعب، ومن الشعب".