أحبطت أجهزة الأمن الفلسطينية في قطاع غزة فجر يوم 8 نوفمبر/تشرين الأول محاولة تسلل من القطاع إلى الأراضي المصرية من خمسة مسلحين عبر الحدود الجنوبية للقطاع، وهم من مناصري تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الذين تصفهم حماس "أتباع الفكر المنحرف".
في تفاصيل الحادث، فقد أعلنت وزارة الداخلية في غزة أن ثلاثة ممن حاولوا التسلل تم اعتقالهم، بعد تبادل إطلاق النار عليهم قرب المنطقة الحدودية مع سيناء أقصى جنوب مدينة رفح، عند منطقة تسمى "الكسارة" داخل الأحراش الزراعية، قبل أن تتمكن القوات الأمنية من اعتقالهم، وضبط الأسلحة التي بحوزتهم.
وأضاف بيان الوزارة أن الثلاثة تمت إحالتهم للتحقيق لدى الأجهزة الأمنية في غزة، ولا تزال قوات الأمن تُجري عملية تمشيط على طول الحدود الجنوبية مع مصر، والثلاثة هم أمير النجار وحمزة أبو دلال وعبدالكريم مصبح، والهاربان هما: صبري بارود ومحمد اللهواني، وجميعهم من سكان محافظة الوسطى بقطاع غزة.
هل تشارك أجهزة الأمن المصرية في التحقيقات؟
مصدر أمني فلسطيني في غزة، أخفى هويته، أبلغ "عربي بوست" إن "جداراً من التعتيم يفرض حول التحقيق مع الموقوفين، لمعرفة جميع تفاصيل محاولة التسلل إلى الأراضي المصرية.
لكن المعلومات الأولية قد تشير إلى أنهم نسقوا خطوتهم هذه مع عناصر من ولاية سيناء بتنظيم داعش كانوا ينتظرونهم في الجانب المصري من الحدود، وقد تم إغلاق كامل لمنطقة الحدث من قبل عناصر الأجهزة الأمنية، ومنع الدخول للمكان، والخروج منه، حيث تم العثور على عبوة ناسفة قرب منطقة الحدث على الحدود، وتم إرسال وحدة الهندسة لتفكيكها".
وأضاف أن "المعلومات الأولية تشير لانتمائهم للمجموعات المسلحة التي تحمل فكراً منحرفاً، ولا يعرف بعد ما إذا كان لهم صلة بتفجيرات سابقة في غزة أم لا، والتحقيق معهم يتمحور للتعرف على نواياهم الحقيقية من محاولتهم الهروب من غزة.
وقال "لدينا في غزة جهاز أمني مؤهل وذو كفاءة عالية، لا يحتاج لمشاركة ضباط أمن من دول وجهات أخرى، لكننا نتبادل نتائج التحقيق مع الجهات الأخرى بما يخدم المصلحة الفلسطينية العليا".
نحن أمام أول حدث من نوعه منذ سنوات تشهده الحدود بين غزة وسيناء، رغم ضبط حماس للأوضاع الأمنية هناك بناء على تفاهمات مع المخابرات المصرية، لكن المعلومات الأمنية شحيحة، فالمعتقلون ما زالوا رهن التحقيق لدى جهاز الأمن الداخلي في غزة.
هل كانوا يريدون استهداف غزة من سيناء؟
حتى كتابة هذه السطور، لا يعرف بعد الغرض الحقيقي لمحاولة هروب الخمسة من غزة، وهل كانوا مطلوبين لحماس، فقرروا الهرب من القطاع، أو يودون تنفيذ عمليات مسلحة بسيناء، وهل من شأن الحدث تقوية علاقات حماس مع مصر أو توتيرها، علماً أن الحادث وقع بعد ساعات قليلة من وصول وفد قيادي من حماس إلى القاهرة.
إبراهيم حبيب، عميد البحث العلمي في كلية الرباط التابعة لوزارة الداخلية بغزة، قال لموقع "عربي بوست" إن "هذا الحادث جزء من المواجهة الدائرة بين أصحاب الفكر المنحرف وأمن غزة، التي استنفذت كل السبل لاحتوائهم، لكن بعضهم وصل مرحلة الانغلاق التام، مما تطلب دخول مرحلة ملاحقتهم. كل الفرضيات حول محاولة هروبهم قائمة، فقد تكون لديهم نوايا انتقامية من غزة، لتنفيذ عمليات ضدها انطلاقاً من سيناء، أو هروباً نهائياً من القطاع خشية اعتقالهم من الأمن الفلسطيني".
وأضاف أن "مستوى التنسيق الأمني بين حماس ومصر متقدم، لكن الأمر لا يصل لمشاركة ضباط مصريين في التحقيقات مع المعتقلين داخل غزة، ربما ينسق الجانبان لضبط الحدود، أو تسليم هاربين مصريين لغزة من أصحاب الفكر المنحرف، إن وجدوا، أما إن كانوا فلسطينيين فيحاكمون محلياً في غزة".
يبدو أن حماس قد أحكمت سيطرتها على الأنفاق
ومن الواضح أن اعتقال هؤلاء قرب السياج الحدودي مع مصر "فوق الأرض" يعني أن إمكانية تسللهم عبر الأنفاق "تحت الأرض" بات مستحيلاً، بسبب الضبط الأمني المحكم من قبل أمن غزة، والسيطرة الكاملة على شبكة الأنفاق التي كانت سابقاً الممر الوحيد لهؤلاء المسلحين للتنقل بين غزة وسيناء.
ولعل محاولة المتسللين الهروب من منطقة حدودية أمنية يعتبرونها رخوة، جعلتهم يتفاجأون بيقظة عناصر الأمن في غزة، فضلاً عن التأثير الإيجابي للتدوير الأخير الذي أجرته وزارة الداخلية في غزة على بعض دوائرها، والتنقلات التي حصلت لبعض قادة الأمن بغزة، مما ساهم بدوره في تشديد الأمن على الحدود.
حازم قاسم، المتحدث باسم حماس، قال لموقع "عربي بوست" إن "حماس تدعم جهد الأجهزة الأمنية في غزة لحفظ الأمن على الحدود الفلسطينية المصرية، بحكم التزامنا بالأمن القومي المصري، وتطوير العلاقة مع مصر، مع أنها ليست المرة الأولى التي ينجح أمن غزة في منع متسللين من الهروب الى مصر. لدينا قرار بألا يخرج من غزة ما من شأنه الإضرار بأمن أي دولة عربية، وعلى رأسها مصر، هذه سياسة ثابتة عند حماس".
التنسيق مع مصر أولوية
تزامن الحادثة مع زيارة قيادة حماس للقاهرة يسلط الضوء على المصالح الأمنية المشتركة بين غزة ومصر، والتي تشكل حجر الزاوية لتطوير مصالحهما السياسية والاقتصادية المستقبلية، وهذه الحادثة ستزيد التعاون المشترك لمحاربة الجماعات التي تنفذ عمليات تخريبية، ولا تريد الخير لغزة وسيناء معاً، وفق ما تقوله حماس.
محمد أبو هربيد، الخبير الأمني الفلسطيني بغزة، قال لموقع "عربي بوست" إن "المتسللين ربما تواصلوا مع أحد على الجانب المصري من الحدود، وربما المسألة تنظيم وهمي، فأعمارهم تتراوح بين 20-25 عاماً فقط، ومن السهل خداعهم بالتواصل عبر شبكات التواصل، وإقناعهم أنهم سيخرجون من غزة للقتال في مناطق انتشار تنظيم الدولة في سيناء وسوريا والعراق، مقابل إرسال مبالغ مالية لهم".
وأضاف أن "حضور ضباط مصريين لغزة للمشاركة بالتحقيقات الأمنية مستبعد جداً، رغم أن لقاءات تحصل بين ضباط الجانبين لتسوية قضايا ميدانية وتبادل المعلومات ضمن قنوات معينة".
تؤكد هذه الحادثة أن أجهزة الأمن في غزة لديها حالة من الجاهزية الدائمة على مدار الساعة، وحماس تمنح ملف حفظ الأمن على الحدود مع مصر أولوية متقدمة باعتباره مسألة سيادية، وفي ظل أن التحقيقات مع هؤلاء ما زال مستمراً، فقد يكشف عن حقائق جديدة، لن يتم الكشف عنها قريباً لاعتبارات أمنية.
لكن الأكيد الثابت حتى اللحظة أن الأمن في غزة مسيطر تماماً على الوضع الميداني بصورة محكمة، داخل غزة وعلى حدودها، رغم محاولات لا تتوقف من هنا وهناك لاختراقه، والعبث فيه.